العدد 4424 - الجمعة 17 أكتوبر 2014م الموافق 23 ذي الحجة 1435هـ

... وماذا عن قوة داعش الإعلامية؟!

رضي السماك

كاتب بحريني

ثمة أسباب متعددة تحول دون إقدام الولايات المتحدة على نشر قوات برية في سورية والعراق في حربها الحالية على داعش، أهمها كما أوضحنا في المقال السابق، أنها تتفادى وقوع خسائر فادحة في أرواح قواتها البرية، بما يفضي إلى انعكاسات سلبية في الداخل على شعبية الإدارة الأميركية بزعامة أوباما الآخذة حسب الاستطلاعات الأخيرة في التدني. ذلك بأن عقدة دحرها في فيتنام وطردها على نحو مذل ما زالت تلازمها رغم مرور ما يقرب من 40 عاماً على ذلك الحدث التاريخي وتلقي بظلالها الثقيلة على خططها الاستراتيجية وتدخلاتها في الخارج على تعاقب الحزبين الجمهوري والديمقراطي في البيت الأبيض، ناهيك عما تكبدته من خسائر في الأرواح العسكرية إبان احتلالها للعراق الخارجة منه للتو. وهي إلى ذلك تأبى بذرائع شتى واهية أن تُسلح الجيش العراقي بأسلحة جوية وثقيلة ولو على درجة دُنيا من التطور، رغم مسئوليتها الأدبية والقانونية عن هذا الاستحقاق للشعب العراقي. ومن تلك الذرائع الواهية عدم وجود حكومة توافق وطني غير طائفية، مستخفةً بذكاء أبسط محلل سياسي؛ إنما هي التي خلقت في الأساس كسلطة احتلال الوضع المعقد الناشئ، بما في ذلك حل جهاز الدولة بكل كوادره العليا والمتوسطة بلا تمييز وحل الجيش برمته وبكامل كادره المتقدم وعدم المبالاة بمصير مخازن ما تبقى من اسلحة في حوزة ضباطه المسرحين أو المطاردين، ناهيك عن رعايتها غير المباشرة لسن دستور مسلوق ذي عورات عديدة وسط أسوأ انقسام للنسيج الوطني العراقي حول العملية السياسية وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية.

وواقع الحال أن الولايات المتحدة لم تكن تروم أصلاً لأن تقوم للجيش الوطني العراقي قائمة بعد حله، فما بالك بأن يتسلح بأسلحة على قدر من التطور والحجم بما يعرضها لفيتو من إسرائيل ولوبيها الصهيوني المتغلغل داخل الإدارة الأميركية نفسها، فضلاً عن الكونغرس والمؤسسات الإعلامية ناهيك عن جماعات الضغط الاقتصادية. أما فيما يتعلق بنشر قواتها على الأراضي السورية، فإن عقدة الهيبة والمكابرة كقوة عظمى هي التي تستحكم في إرادتها بعدم إعادة النظر في سياساتها حيال النظام الشمولي السوري، فهي تخشى من هذا الانتشار ومواجهة داعش على الأرض أن تقدم له موضوعياً مكافأة مجانية ويخرج من حربه الداخلية مع الجماعات المسلحة الإرهابية منتصراً ولو على تلة حطام شامل لكل العمران السوري، وهو ما ترفضه حليفتها تركيا وبعض حليفاتها الخليجيات.

ومع ذلك لنلغي عقولنا ولنسلم بوجاهة الذرائع الأميركية جدلاً بعدم نشر قواتها البرية وعدم تسليح الجيش العراقي، ولنتساءل هنا: ألا تستطيع واشنطن على الأقل، إذا ما كانت جادة هي وحلفاؤها المذكورين لمحاربة داعش بمختلف الوسائل وعلى كل الجبهات، العسكرية وغير العسكرية، تجريد هذا التنظيم الإرهابي الخطير من بعض أهم مكامن قوته الإعلامية ومنها وسائل التواصل الاجتماعي التي يتغذى عليها في تقوية صفوفه؟ لعل من نافلة القول أن تلك الأعداد الهائلة من الشباب المغرر بهم المستدرجين من قبل داعش ليسوا كلهم قدموا من جبهة النصرة أو التنظيم الأم “القاعدة”، فكثير منهم تم تجنيدهم قبل غزوة داعش للموصل عبر استخدامها البارع لوسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيسبوك والإنستجرام وغيره. ومازال الحبل على الجرار في اصطياد آلاف المضللين والمغرر بهم من الفتية والمراهقين والشباب، ليس في العالم العربي فحسب، بل وفي الدول الأوروبية التي لم تستفق على الخطر الداعشي الداهم الذي يهدد جدياً وجودها وأمنها الاجتماعي إلا مؤخراً.

إن نظرة سريعة للوراء على وسائل الإعلام والصحافة الخليجية بوجه خاص خلال الأسابيع القليلة الماضية تكشف لنا ومن خلال التحقيقات والمقالات المنشورة، ولا سيما في الصحافة السعودية، حجم الدور المهول المحوري الذي تلعبه تلك الوسائل في تضليل الشباب وغسل أدمغتهم وتخدير عقولهم مغناطيسياً في سرعة قياسية. أكثر من ذلك بات لداعش مجلة باسم “دابق” تصدر بعدة لغات أوروبية منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية تخاطب بها الفتيان والمراهقين في الدول الأوروبية وبخاصة ذوي الأصول العربية والإسلامية لتحفيزهم على الهجرة من دول الأنجاس والفساد إلى أرض الميعاد في سورية والعراق حيث دولة الخلافة العادلة الطاهرة وحيث جسر العبور سريعاً إلى جنة حور العين اللواتي لا يقاس جمالهن بجمال شقراوات الدنيا الكافرات الزائل.

هذا في حين مازالت الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد داعش غير محكمة ليس في أوروبا فقط، بل حتى على الصعيد المحلي لدول الخليج (انظر الحياة عدد 26 أغسطس/ آب 2014).

أما عن القنوات الدينية الفضائية المتطرفة التي لعبت دوراً محورياً في حشو عقول الشباب بفكر الغلو وكراهية الآخر المختلف فكراً أو فقهاً أو مذهباً فحدث ولا حرج. ومثل هؤلاء الشباب المتأثرين بالخطاب الديني الإرهابي لدعاة تلك القنوات تستلمهم داعش جاهزين للتعليب وليس عليها سوى إضافة بعض اللمسات الأخيرة لوضع ماركة اسمها عليهم. ينقل الكاتب المغربي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية (25 سبتمبر/ أيلول 2014) هاشم صالح عن حسن قرنفل قوله: إن “شيخ من شيوخ الفضائيات يستطيع أن يلهب حماسة الآلاف المؤلفة وربما الملايين”، وإن أحد الدعاة المتطرفين يكسب من برنامجه الديني مليونين ونصف مليون دولار، في حين يزور موقعه مليونا زائر شهرياً. والسؤال من يموّل هذه القنوات وضيوفها بتلك المبالغ الفلكية؟!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4424 - الجمعة 17 أكتوبر 2014م الموافق 23 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:59 ص

      من يمول امريكا تعرف

      أمريكا تعرف كل الخبايا ربحها بوجود داعش اكبر من خسائرها وفوق ذلك هي حماية الدول الحاضنة للإرهاب والممولة ولنقل سابقا وهي ايضا موفرة لهم واقصد الثور بين قوسين وسائل الإعلام لنشر ثقافتهم فلماذا لا تبدأ أمريكا بهم والسبب المصالح المشتركة بين تلك الدول وامريكا صانعة وحامية الإرهاب في العالم دون نقاش

اقرأ ايضاً