العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ

عاشوراء... المعنى الإنساني

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

عاشوراء الحدث التاريخي والرسالة الانسانية يتفق الكثيرون على أنه ليس مناسبة للبكاء كما يحاول البعض تصويره، والبعض الآخر يسعى إلى أن يكون كذلك، بل انه حدث تشير الثوابت والدلالات إلى قيمته الاجتماعية والحضارية، ويجري توظيفه في تنفيذ البرامج وتوجيه الرسائل المتنوعة في مخرجاتها الثقافية والاجتماعية والاصلاحية والتنويرية، واستثمار منابر عاشوراء لتسليط الضوء وبحث ومعالجة القضايا التي تفيد الارتقاء بقيم العلاقة الاجتماعية وتبيان مخارج الحلول للقضايا ذات الأهمية المجتمعية والوطنية.

تقاليد إحياء عاشوراء تتباين في جوهر مضامينها وفق مفاهيم ومرئيات هذه الجماعة أو تلك في ملامستها لمفاهيم عاشوراء كفكر إنساني وقيمة حضارية، وفي كيفية توظيف فعاليات المناسبة كمشروع اجتماعي وتنويري. وتتميز الفئات المتنورة بمناهجها المختلفة في إحياء المناسبة وإبراز أهميتها التاريخية لتأكيد قيم العدالة والحقوق الإنسانية للفرد والمجتمع.

مشاركتنا في المؤتمر العربي المتوسطي للمواطنة البيئية في بيروت في أبريل/ نيسان 2005، كانت مناسبة للاضطلاع على تجربة فريدة من نوعها في إحياء مراسم عاشوراء، وجاء ذلك ضمن برنامج الزيارات المرافقة لأعمال المؤتمر التي جرى في سياقها تنظيم لقاءات للمشاركين مع الشخصيات الثقافية والإجتماعية اللبنانية. وفي ذلك الإطار التقينا مع حرم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حيث بينت لنا ضمن توصيفها لجهود «جمعية أمواج البيئة»، النشاطات المتنوعة التي يجري تنظيمها في عاشوراء، وفق برنامج يرتكز على الجوانب التاريخية والفكرية والثقافية والاجتماعية، ويشترك في فعالياته ممثلون من مختلف الانتماءات الفكرية والدينية ومكونات المجتمع اللبناني.

إحياء مراسم عاشوراء في البحرين له خصوصيته، ويشهد تغيراً متواتراً في مناهجه ووسائل توجيه رسائله وفق المتغيرات العصرية التي يكون لها أثرها الإيجابي على مفاهيم الثقافة المجتمعية. وتجري ضمن برامجه تحولات نوعية بين فترة وأخرى، تسهم في إثراء مناهج العمل في إبراز رسالته الإنسانية، وتأصيل أهدافه التنويرية في معالجة القضايا المجتمعية. وفي هذا السياق تبادر الفعاليات المجتمعية في إحياء عاشوراء وفق مرئياتها، وتتبنى الأنشطة التي تجسد رؤيتها في إيصال الرسالة الانسانية لعاشوراء.

مشروع عاشوراء والبيئة الذي جرى تنظيمه العام 2008 وحمل شعار «بيئة بحرينية صحية»، شكّل مبادرة نوعية ومنعطفاً إيجابياً في مفاهيم إقامة شعائر عاشوراء، وجرى وفق برنامجه تنظيم فعاليات متنوعة في مكونها الثقافي والاجتماعي والبيئي. وشمل برنامج المشروع معارض وأفلاماً وندوات بيئية، واشترك فيها عدد من المؤسسات البيئية المختصة ومؤسسات المجتمع المدني. وكان لجمعية البحرين للبيئة حضورها في أنشطة المشروع، وقدّمنا محاضرة عرضنا في سياقها مرئياتنا في شأن آفاق تطوير البيئة في البحرين.

الخطاب الديني في المآتم الحسينية أداة مهمة في تحقيق أهداف الرسالة التاريخية والإنسانية لعاشوراء، ويسعى العديد من الخطباء لمعالجة القضايا المجتمعية وتوظيف المنبر الحسيني في توجيه الرسائل التنويرية للمجتمع وحث الفئات المجتمعية على الإمتثال لقيم ومبادئ رسالة الحسين (ع).

وظاهرة الضوضاء مشكلة لها حضورها في مراسم إحياء عاشوراء، حيث تشكّل قضية اجتماعية مقلقة ومعضلة لها آثارها السلبية على صحة وسكينة المجتمع، وهي في مقدمة الرسائل التنويرية في الخطاب الديني في عاشوراء، وما أثار اهتمامنا في هذا السياق الرسالة التنويرية التي وجهها في موسم عاشوراء الماضي الشيخ عيسى قاسم في خطبته المنشورة في صحيفة «الوسط» (العدد 4095 بتاريخ 23/11/2013) وتناول فيها الآثار السلبية لمكبرات الصوت، مشيراً إلى أن ذلك «يلقى شكوى من عدد من المؤمنين، وهو ما يتصل بالمبالغة في رفع ‏صوت مكبرات الصوت إلى حد الإزعاج داخل الحسينيات، وإقلاق الكثيرين من مجاوريها إلى ما ‏لا يكاد يُتحمّل». والإشارة إلى أن «مكبرات الصوت تؤدي خدمة للخطيب والمستمع وهي مطلوبة، ولا غنى عنها اليوم مع واقع ‏كثافة الحضور للمجالس الحسينية، ولكن ما زاد قد يُفسد، وبدل أن يتيح فرصة للإصغاء والاستفادة، ‏قد يُشغل ويشتت الانتباه، وقد يصل إلى التعدي على راحة الجيران، بما لا تقضي به الضرورات ‏ومتطلبات الدين، فيرجى من رؤساء المآتم والخطباء الكرام أن يراعوا هذه المسألة».

إلقاء بقايا الأطعمة والعلب الفارغة بأنواعها في الشوارع وتلويث المحيط البيئي للانسان هي الأخرى ظاهرة مقلقة للوسط الاجتماعي، ويزداد وجودها في موسم عاشوراء، وهي ظاهرة تشير إلى الفهم الخاطئ لرسالة عاشوراء، وفي تعارض كلي مع القيم والمفاهيم والالتزامات الدينية التي تدعو إلى التقيّد بمبادئ النظافة والحفاظ على النظافة العامة، ويمثل وجودها نتيجة ضعف الوعي البيئي لقطاع واسع من المجتمع وضعف العلاقة الأخلاقية بالمحيط البيئي، ويتسبب ذلك في الإخلال بالأمن الصحي والبيئي للمجتمع. وتلك معضلة في حاجة إلى معالجة وتسخير المنبر الحسيني للتوجيه وتنوير المجتمع بضرورة الالتزام بمبادئ السلوك الرشيد في العلاقة مع نظافة المكان خصوصاً أثناء سير المواكب الحسينية وبجوار المآتم والمضيفات، والدعوة لتشكيل فرق متطوعة ترافق الموكب تختص بمهام الحفاظ على النظافة العامة وتوجيه المعزين للإلتزام بذلك، والتعاون مع البلديات وحثها على الإكثار من سلال القمامة في المواقع الرئيسة لحركة المواكب الحسينية.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:10 م

      قصة‏ ‏الامام‏ ‏الحسين‏ ‏عليه‏ ‏السلام‏ ‏عبرة‏ ‏‏(‏‏ ‏بكسر‏ ‏العين‏ ‏‏)‏‏ ‏و‏ ‏عبرة‏ ‏‏(‏‏ ‏بفتح‏ ‏العين‏ ‏‏)‏

      نعم‏ ‏هناك‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏القيم‏ ‏‏ التي‏ ‏نستلهمها‏ ‏من‏ ‏ثورة‏ ‏عاشوراء‏ ‏..‏ ‏و‏ ‏لكن‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏التقليل‏ ‏من‏ ‏شأن‏ ‏البكاء
      قال الرضا (عليه السلام) : إنَّ يوم الحسين أقرَحَ جفوننا ، و أسبَلَ دموعنا ، و أذلَّ عزيزنا، بأرضِ كربٍ و بلاء ، أورثتنا الكربَ و البلاء ، إلى يومِ الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحطُّ الذنوب العظام
      أمالي الصدوق - صفحة190 / حديث 199-2 / طبع مؤسسة البعثة - قم

    • زائر 1 | 1:19 ص

      جميل

      موضوع جميل جدا وملاحظات قيمة.. شكرا دكتور
      وسام

اقرأ ايضاً