العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ

غطرسة إسرائيلية يقابلها عجز عربي

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

إثر حرب أكتوبر العام 1973، بدأ توجه قيادات دول الطوق، نحو تسوية سلمية للصراع العربي الصهيوني. وكانت بداية ذلك الرحلات المكوكية التي قام بها هنري كيسنجر، مستشار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لشئون الأمن القومي. وقد نتج عنها فك ارتباط بين جيش الاحتلال الصهيوني، مع الجيوش العربية، على الجبهتين المصرية والسورية. وعرفت محاولات كيسنجر تلك للتوصل إلى حل سياسي للصراع، بسياسة الخطوة خطوة.

آنذاك ساد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبشكل خاص لدى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، اعتقاد بأن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي (338) تجاهل تماماً حقوق الفلسطينيين، في نصوصه، واستند إلى قرار سابق صدر عن مجلس الأمن بعد حرب يونيو/حزيران العام 1967، وحمل رقم (242) تناول المسألة الفلسطينية، باعتبارها قضية لاجئين وليست قضية شعب له كامل الحقوق في الحرية وتقرير المصير.

دفعت هذه الخشية الرئيس عرفات، لإعطاء توجيهاته لممثلي منظمة التحرير بالعواصم الأوروبية، للتبشير بفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي ستقام فقط على الأراضي التي احتلها الصهاينة في حرب يونيو .

بدأ ممثل المنظمة في العاصمة البريطانية لندن، سعيد حمامي هذه الحملة، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1973، قبل أقل من مرور شهرين على وقف إطلاق النار، في معركة العبور، بتقديم مشروع لحل المشكلة الفلسطينية، نشر في مجلة “التايم”. وأكد مشروع حمامي حق الشعب الفلسطيني، في المشاركة بمؤتمر السلام الدولي، على قدم المساواة مع كل الأطراف الأخرى، المنخرطة في الصراع العربي- الصهيوني، انسجاماً مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة، الذي يؤكد على حق الشعوب في تقرير المصير.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، اقترح حمامي قيام دولة فلسطينية، في قطاع غزة والضفة الغربية. ونشرت هذه المقالة، قبل تحديد منظمة التحرير الفلسطينية موقفها من عملية السلام. وفي معرض تبريره لهذا المشروع، نشر حمامي مقالة في اليوم التالي الموافق 16 نوفمبر، أوضح فيها أن تحقيق المشروع الذي اقترحه ليس بالأمر الهين.

ومن وجهة نظره، فإن الحلول الكاملة والنهائية بطبيعتها يتطلب تحقيقها أمداً طويلاً. إن حالة الشراكة بين الغرماء، تنشأ فقط عندما يرغبها الطرفان بصدق، وإن عقوداً من العداوة لا تمنح قاعدة جيدة لفهم مباشر، وأن الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، يجب أن تكون الاعتراف المشترك بوجهتي نظر الطرفين.

إن القيادة الفلسطينية، تعلم كم هو صعب أن تقنع شعباً عومل بقسوة وخطأ كما عومل الفلسطينيون، أن يقدم على الخطوة الأولى باتجاه التسوية، من أجل سلام عادل مرضٍ لكل الأطراف، وإلى هذا الحد فقط، لا أبعد من ذلك نستطيع المضي... إننا الآن ننتظر دور العالم.

دفع حمامي حياته، ثمناً لكتاباته هذه، عندما اغتيل من قبل مجموعة أبو نضال العام 1978، وبقي حلمه في تسوية، حتى وإن تكن غير عادلة، مؤجلاً.

لقد تنازل الفلسطينيون عن حقهم الطبيعي، الذي كفلته شرعة الأمم، وقبلوا بتأسيس كيان خاص بهم، في جزء من فلسطين التاريخية. وأملوا أن بتنازلهم هذا، سيسرعون في إنهاء معاناتهم، ولم يكن اتخاذ هذا القرار سهلاً، ولم يكن أيضاً منطقياً أن يتنازل شعب عن حقه في أرضه. وكان منطق عرفات، أن الظروف الدولية، وتوازنات القوة، وانحياز الدول الغربية للكيان الصهيوني، لن تتيح للفلسطينيين، تحرير كامل أرضهم، وأن جل ما يستطيعون تحقيقه، هو قيام دولة فوق الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها العام 1967.

وهكذا تبنت منظمة التحرير الفلسطينية، شعار المرحلية، “خذ وطالب”، كاستراتيجية بعيدة المدى للتحرير. وشجع على ذلك، أن قادة الصهاينة، أعلنوا مراراً، أن جل ما يطمحون له هو اعتراف العرب بوجودهم، في حدودها، منذ النكبة العام 1948، وأن المجتمع الدولي، يعتبر الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، غير شرعي. ونص قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) العام 1967، على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة، وأكد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منها.

ومنذ ذلك التاريخ، أخذ النضال الفلسطيني، شكلاً سياسياً، وتراجع شعار الكفاح المسلح. وكلما مرّ الوقت، تراجع مشروع التحرير، وتحقق للصهاينة اكتساب المزيد من الأراضي الفلسطينية.

وحين اندلعت انتفاضة أطفال الحجارة، استثمرتها منظمة التحرير بإعلان وثيقة الاستقلال الفلسطيني، التي تعهدت فيها التخلي النهائي عن الكفاح المسلح، واعتماد التسوية السلمية، وليترجم ذلك بانضمام الوفد الفلسطيني، إلى مؤتمر مدريد العام 1990، برعاية أميركية.

وقع الفلسطينيون مع الصهاينة اتفاقية أوسلو العام 1993، التي نصت على أن المرحلة النهائية من المفاوضات ستأخذ مكانها، بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، حيث يجري الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، مع تعديلات طفيفة ومتبادلة على الحدود.

مرّت قرابة أربعين عاماً، منذ اتجهت القيادة الفلسطينية نحو التسوية، ومضى واحد وعشرون عاماً، على توقيع اتفاقية أوسلو، وخلالها طرحت المبادرة العربية لتسوية الصراع، وتفاهمات جورج ميتشل، وعقدت مؤتمرات عدة، لكن من دون جدوى. فقد واصل العدو بناء الجدران العازلة، والطرق الالتفافية في الضفة الغربية، وبناء المستوطنات. وكلما تعثرت مسيرة التسوية، بسبب مماطلة العدو وتسويفه، كلما تآكلت الحقوق الفلسطينية.

لقد أعلن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بشكل وقح، أن القدس ستبقى للأبد جزءاً لا يتجزأ من الكيان الغاصب، وبذلك أغلق نهائياً أبواب الحل. ولا يبقى للفلسطينيين خيار، سوى اللجوء إلى وسائل أخرى، تكفل استرجاع حقوقهم.

لا مناص من وضع حد للعجز العربي، والتحرك بشكل عاجل وعلى أعلى المستويات، لوضع حد للنهج التوسعي الصهيوني. مطلوب موقف يقوم بمراجعة جذرية وشاملة لمسيرة التسوية، التي مضى عليها أربعون عاماً. وسيكون على الفلسطينيين اعتماد خيارات أخرى، غير خيار القبول بالتسويف والمماطلة. وما لم يتحقق ذلك فلن يبقى أمام الفلسطينيين ما يتفاوضون عليه.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:46 ص

      العرب معاولهم موجهة الى بيوتهم يخربونها بايديهم

      لا كلام عن العرب فقد ابوا الا ان يكونوا معاول تهدم في الامة وقد اخبرنا النبي ص عن حالنا هذه التي سنصل اليها بعد ان ندع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

    • زائر 1 | 10:13 م

      سيم توجيه داعش لمساعدة الفلسطينين

      انا امزح الفلسطينين في تدخلهم بالدول المضيفة اسقطوا مصداقيتهم اكثر الانتحاريين فلسطينين من فجر وقتل في لبنان وسوريا من تم إيوائهم وأقول بوصلتهم معطلة وهم سبب بلاءهم وحان وقت مراجعة الذات ولكم بموقف حماس من سوريا طليلا

اقرأ ايضاً