العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ

الصراع على القدس والقضية الفلسطينية

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

تمثل المواجهات في القدس بعد إطلاق النار على الحاخام الإسرائيلي يهودا غليك الذي قاد سلسلة اقتحامات للمسجد الأقصى، استمراراً للصراع في مواجهة الامتداد الاستيطاني الصهيوني. إن تطورات القدس الأخيرة مرتبطة بصورة مباشرة بحرب غزة التي شنّتها “إسرائيل” هذا الصيف، وذلك في ظل قتال وصمود أسطوريين. فالقضية الفلسطينية كل شامل لا يمكن فصل أجزائها. فمنذ حرب غزة، وعلى رغم تركيز الإعلام على القطاع بسبب الحصار وطبيعة الحرب، إلا أن المواجهات التي اندلعت في القدس والخليل ورام الله، أسّست لمرحلة جديدة في علاقة المقاومة مع الاحتلال.

الحالة المقدسية امتداد لتعقيدات القضية الفلسطينية، فهي المنطقة الوحيدة في الضفة الغربية التي تم ضمها رسمياً إلى دولة الاحتلال منذ احتلالها في حرب 1967. ولتثبيت عزل القدس عن بقية الضفة المحتلة فرضت سلطة الاحتلال على سكان القدس والقاطنين في محيطها المباشر وعددهم الآن 300 ألف فلسطيني، كشرطٍ للسماح لهم بالبقاء في أراضيهم ومنازلهم، هويات مقدسية خاصة تميّز بينهم وبين بقية سكان الضفة الغربية المحتلة. ومنذ الانتفاضة الثانية للعام 2000 لا يستطيع أهالي الضفة الغربية الذهاب إلى القدس بسبب الجدار الفاصل بين الضفة الغربية والقدس وبقية فلسطين. وبينما توجد نقاط عبور نحو القدس، إلا أنه لا يسمح للفلسطينيين بالمرور عبرها إلا في فترات محددة تقررها “إسرائيل”.

لقد تم عزل القدس التي لا تصل إليها السلطة الفلسطينية، وراء جدار يحيط بالضفة من كل مكان، فسكان القدس العرب تم عملياً ضمهم إلى دولة “إسرائيل” في ظل إعلان القدس العاصمة الأبدية الموحدة للدولة العام 1980. لهذا بالتحديد لا يصل إلى القدس بيسر إلا سكانها، بالإضافة إلى الفلسطينيين من حملة الهوية الإسرائيلية القاطنين في كل أرجاء الأراضي التي قامت عليها “إسرائيل” العام 1948، والبالغ عددهم 1,8 مليون شخص.

لقد تم ذلك من دون تحويل سكان القدس إلى مواطنين في الدولة اليهودية، فـ “إسرائيل” تقوم على مبادئ الاستعمار والاستيطان والتهويد والعنصرية، ما يجعلها حتماً سائرةً في سياسة الفصل والسيطرة والعزل وفق قوانين الأبارتهايد الجنوب أفريقية.

وتقوم دولة الاحتلال بالتضييق على سكان القدس في حركتهم وسفرهم ومسكنهم وبناء منازلهم وضرائبهم. فالقوانين الإسرائيلية، قوانين المستعمر، تحوّلت إلى حرب يومية تشنّ على المقدسيين وتجارتهم وأسواقهم وإنتاجهم وتعليمهم وإبداعهم. والهدف الإسرائيلي لا يزال إفراغ القدس من العرب ودفعهم خطوةً خطوةً ومن دون إثارة الرأي العام الدولي، نحو مناطق السلطة الفلسطينية وذلك لإقامة حالة شبيهة بقطاع غزّة في مناطق رام الله وما تبقى من الضفة الغربية المحتلة، حيث يسود اكتظاظ سكاني بعد تحوّل هذه المناطق إلى مكان لنفي مزيدٍ من الناس وحصارهم.

القدس هي من أكثر الأماكن حساسيةً، فهي المكان الذي صدرت بشأنه قرارات دولية متتالية تؤكد أنها منطقة محتلة يجب أن تخضع للقوانين الدولية التي لا تجيز تغيير هويتها ومعالمها في ظل الاحتلال. لكن الاحتلال يغيّر هوية المدينة ومعالمها كل يوم. ولو أخذنا مثلاً حائط المبكى المعروف باسم حائط البراق (نسبة إلى الإسراء والمعراج)، سنكتشف أنه قانونياً ملك للمسجد الأقصى وللوقف الإسلامي، وهناك قرارات دولية صدرت عن عصبة الأمم العام 1930 بعد تحقيقات دولية قرّرت أن الحائط ملك العرب وملك المسجد الأقصى من دون أن تمنع اليهود من الصلاة عند الحائط. لكن “إسرائيل” بعد احتلال المدينة العام 1967 صادرت حائط البراق من المسجد الأقصى واعتبرته ملكاً لها وعرّفته باسم حائط المبكى، بينما نسفت بالكامل الحي العربي المقابل له (حي المغاربة) وهجّرت أهله.

ويمثل مشروع هدم المسجد الأقصى خطراً حقيقياً على المسجد، فهو مازال هدفاً تتبناه قوى صهيونية عدة، وهي تنتظر الوقت المناسب لفعل ذلك. الصراع على المسجد الأقصى كان ولايزال عنواناً للصراع على الأرض. فالمسجد الأقصى هو رمز الوجود العربي الإسلامي في القدس، وهو أول القبلتين وثالث الحرمين، وما السعي إلى تدميره ومصادرته أو مصادرة نصفه كما حصل مع الحرم الإبراهيمي في الخليل، إلا إمعاناً في صراع أعمق.

إن الخطر الذي يهدّد المسجد الأقصى الآن يهدّد كل المعالم الدينية الأخرى، وعلى رأسها المعالم المسيحية. وبالزخم نفسه الذي تسعى به “إسرائيل” إلى التضييق على سكان القدس بمسيحييهم ومسلميهم، إلا أنها في الوقت نفسه مستمرة في مشروع التهويد وجلب المستوطنين اليهود الذين يحاصرون القدس ويستوطنون قلبها ومحيطها. هكذا وصل عدد المستوطنين في القدس ومحيطها إلى أكثر من 300 ألف مستوطن. إن زيادة هذا العدد تتطلب الاستيلاء على مزيدٍ من الأراضي والمناطق في القدس لمصلحة الاستيطان، كما تستوجب طرد مزيدٍ من السكان.

وفي القدس القديمة الواقعة خلف الأسوار التاريخية العريقة تتلاصق المنازل وتتواصل الأسطح والأسواق، لكن المدينة القديمة وسكانها العرب البالغ عددهم حوالي 30 ألف نسمة، يعيشون في ظل رعب مصادرة منازلهم لمصلحة الاستيطان. فالاستيطان في المدينة القديمة أخذ منازل وأبنية، وأدخل إليها ما يقارب أربعة آلاف مستوطن، وهذا يعني عملياً، مزيداً من الاستفزاز للسكان، وتمهيداً لمزيد من المواجهات.

مدينة القدس والمنطقة المقدسية المحيطة بها واقعة تحت الإدارة الإسرائيلية بالكامل، وهذا يعني عملياً أن الصدامات بين أهالي وشبان القدس من جهة وبين الاحتلال الإسرائيلي لن تقع مع سلطة فلسطينية تخشى من انتشار الثورة والانتفاضة، ما يؤثر في مكانتها ويعرضها لضربات إسرائيلية لا تقوى على تحملها. المواجهة في القدس أكثر انفتاحاً ووضوحاً من أي مكان آخر من مناطق الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة. لهذا فالقدس ومحيطها معرضان أكثر من غيرهما للتحول إلى بؤرة مهمة للعمل الثوري ومواجهة للاحتلال وامتداده الاستيطاني.

وفي ظل وضع يزداد اختناقاً لن تكون الضفة الغربية بعيدةً عن مسرح المواجهات، فبوادر الثورة قائمة في الضفة الغربية حيث صادرت “إسرائيل” 60 في المئة من أراضي الضفة لمصلحة الاستيطان، ووضعت في تلك المناطق أكثر من 350 ألف مستوطن إسرائيلي (وهذا العدد لا يشمل 300 ألف مستوطن إسرائيلي في القدس ومحيطها). كما يواجه الفلسطينيون في الضفة بخاصة على تخوم مناطقهم التي تخضع للسلطة العسكرية الإسرائيلية قوات الاحتلال الإسرائيلي.

في الضفة الغربية البطالة عالية، والاقتصاد بتراجع، والحياة قاسية والانتقال أقسى، بينما الحقوق ضائعة بين سلطة احتلال تتوسع وسلطة محلية فلسطينية تزداد ضعفاً لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.

لقد وضعت “إسرائيل” ما يقارب 750 ألف مستوطن في مناطق تم احتلالها العام 1967، أي في المناطق التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية. ولو عدنا إلى اتفاقات أوسلو في العام 1993 ومشروع الدولة الفلسطينية فالمبدأ: القدس عاصمة الدولة الفلسطينية. لكن الواضح في مسيرة الأوضاع منذ ذلك الزمن أن القدس أصبحت في قلب الحوت الإسرائيلي، وأن أقصى ما تقدّمه “إسرائيل” للفلسطينيين على 40 في المئة من الضفة هو سلطة حكم ذاتي فلسطينية مقطّعة الأوصال. لقد تراجعت آفاق الدولة الفلسطينية بينما يخضع الفلسطينيون على الأرض إلى حالة مكثفة من الحصار والاحتلال المباشر وغير المباشر في ظل تمييز وعنصرية على كل الأرض الفلسطينية، بما فيها الأراضي التي تم احتلالها العام 1948.

في كل مكان من فلسطين قصة ورواية عن الاحتلال والاستيطان والعنصرية والحصار. لاتزال نكبة 1948 حالة مستمرة، بينما مواجهة نتائجها على الشعب الفلسطيني تتجدد في ظل رياح المقاومة المتصاعدة.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4444 - الخميس 06 نوفمبر 2014م الموافق 13 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:05 م

      لوتم تسخير ماسخر لتدمير سوريا للقدس لتحررت

      انه زمن السقوط العربي لو تم تسخير ماسخر لتدمير سوريا لقضية فلسطين لا نتهت هذه القضية بتحرير القدس لكنه زمن العهر العربي بتدمير الذات وهاهي القدس تئن وهم يسمعون لكن عروشهم تمنعهم من تقديم اسباب القوة للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال وليس تحريرها وهنا المشكلة لكن من سيحررها هم رجال الله

اقرأ ايضاً