العدد 4451 - الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ

المسألة الفلسطينية من وعد بلفور إلى التهويد

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، صدر وعد بلفور الذي وعد بقيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وقد جاء هذا الوعد استكمالاً لاتفاقية سايكس- بيكو التي قسّمت مشرق الوطن العربي بين الفرنسيين والبريطانيين. ورغم أن وعد بلفور أشار صراحةً، إلى أن تأسيس الوطن القومي لليهود، ينبغي أن لا يؤثر في حقوق الفلسطينيين، إلا أنه كان من الواضح أن تأسيس كيان يهودي في أرض السلام، سوف يكون على حساب السكان الأصليين.

تزامن مشروع تجزئة المشرق العربي مع وعد بقيام كيان استيطاني، في نقطة الوصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، وارتباط المشروعين، بقوى الاستعمار التقليدي، عنى بالنسبة إلى العرب أمرين خطيرين: الأمر الأول تشكيل قاعدة عسكرية ثابتة في قلب الأمة تمنع تقدمها ونهضتها، وتكون مهمتها الرئيسية، رعاية مصلحة من شكلوه. وأخطر ما في المشروع، هو أنه ليس مجرد احتلال، بل طابعه الاستيطاني، المرتبط بجدل الحق التاريخي، والوعد الإلهي، والتفوق العنصري.

الأمر الآخر، أن هذا الكيان الغريب، ستكون مهمته صيانة اتفاق سايكس- بيكو، والحيلولة دون عودة الوحدة إلى المشرق العربي، وأي مشروع وحدوي عربي آخر. وكان ذلك هو ما تحقّق بالفعل، خلال ما يقرب من قرن. ولذلك لم تعد قضية الوجود الاستيطاني الصهيوني، على الأرض العربية، مسألة فلسطينية محضة، وإنما قضية عربية، وقد سكن في الوجدان العربي، في مرحلة مبكرة من الصراع العربي مع المشروع الصهيوني، أن فلسطين هي قضية العرب المركزية.

لكن جملة الظروف المحلية والعربية والدولية، منذ إعلان وعد بلفور وحتى المرحلة الراهنة، لم تكن تتيح وجود مشروع عربي واضح وشامل، لهزيمة المشروع الاستيطاني الصهيوني.

فالقيادات الفلسطينية التقليدية، من شيوخ عشائر كانت منشغلةً بالصراع فيما بينها. وعربياً سقط المشرق العربي بأسره تحت قبضة القوى الاستعمارية التي وقفت خلف وعد بلفور. وكانت الظروف الدولية، وبشكل خاص ما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، من مجازر لليهود، على يد النازية، جرى التكثيف الإعلامي في تناولها، قد أسهمت في خلق رأي عام غربي، مؤيد لتأسيس كيان قومي للصهاينة، وعلى أرض لا يملكونها، ولكن منطق الاحتلال والهيمنة، قد مكّنهم من تحويل مشروع الاغتصاب إلى أمر واقع.

أمام الضعف العربي، عوّل القادة العرب، في ظاهرة غريبة، على حسن نوايا الحلفاء، الذين وقفوا خلف المشروع الصهيوني، لإنصاف الشعب الفلسطيني، واتخاذ موقف عادل بحق قضيته. وحين شنت حرب تحرير فلسطين العام 1948، دخل العرب المعركة من دون استراتيجية قتالية، وفوّضوا قيادة معاركهم لقائد عسكري بريطاني، واستخدموا فيها سلاحاً فاسداً، فكانت النتيجة هي ما عُرف بالنكبة، حيث لم يفشل القادة العرب في تحرير فلسطين فقط، بل وفي تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

خضنا حروباً عديدة، في مواجهة الكيان الغاصب، كسبنا بعضها وفشلنا في أخرى. لكن غياب الاستراتيجية السياسية الصحيحة، جعل المشروع الصهيوني يتقدّم دائماً. ومن جانبنا استمر التعويل على دور أو وساطة أو رعاية، تمكّننا من حيازة بعض ما فقدناه، ولكن من دون جدوى .

وبعد حرب العبور العظيم في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، استندت سياسة أكبر دولة عربية، وكان لها دائماً الدور المركزي في الصراع، على ثلاثة عناصر: أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأن 99 في المئة من أوراق الحل هي بيد الإدارة الأميركية، وأن لا عودة للتحالفات الاستراتيجية الدولية السابقة. وكان معنى ذلك، أننا أفصحنا مسبقاً عن نوايانا، في التخلّي عن مقاومة المحتل، المقاومة التي كفلتها شرائع السماء والأرض، وأننا نعوّل في استرداد حقوقنا على الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني، وأننا أيضاً تخلينا عن القوة الدولية، التي حاربنا بسلاحها حربين رئيسيين، عدا حرب الاستنزاف .

وعلى الصعيد الفلسطيني، تماهت قياداته مع لغة المرحلة التي أعقبت حرب أكتوبر، واتجهت في خط التسوية، ولم تتبن سياسة متوازنة، تربط بين السياسة والمقاومة. وحتى حين اندلعت انتفاضة أطفال الحجارة الباسلة، التي شكّلت ملحمةً ناصعةً في تاريخ النضال الفلسطيني، كانت استجابة القيادة الفلسطينية لنتائجها باهتة ومريرة، تلخّصت في صدور بيان استقلال لا يسمن ولا يغني من جوع، وكان أسوأ ما فيه هو إعلان منظمة التحرير أنها تخلّت عن أشرعتها، ولم تعد منذ ذلك التاريخ حركة مقاومة .

وخلالها كان الكيان الصهيوني، يتوسع في بناء المزيد من المستوطنات، ويسرع في تهويد المدينة المقدسة، ويمارس القضم في أراضي الضفة الغربية، من خلال بناء المعابر والجدران العازلة، بحيث لم يتبق من الأراضي الفلسطينية التي يمكن التفاوض عليها سوى أقل من 48 في المئة من الأراضي الفلسطينية، التي احتلها الكيان الغاصب في حرب يونيو/ حزيران 1967 .

الخلل هو فينا وليس في العدو فقط، تعاملنا مع الصراع، بقراءة العدو المعلنة له وليست المضمرة، وقبلنا بها، وبنينا استراتيجياتنا في المواجهة على أساس هذه القراءة. وهي قراءة تغلب المصلحة الصهيونية وتسهم في تغييب الوعي العربي بطبيعة الصراع، التي أشرنا لها في صدر هذا الحديث، والتي جعلت من المسألة الفلسطينية، قضية العرب المركزية. وهي مسألة تربط القضية الفلسطينية، بالتقدم والنهضة وتفكيك سايكس- بيكو، بما يعني أن صراعنا مع العدو الصهيوني في كثير من أبعاده هو صراع حضاري، وصراع تنمية وحداثة، وصراع وجود.

وذلك يتطلب وعي جدل العلاقة، بين وعد بلفور الذي مضى عليه سبعة وتسعون عاماً، واتفاقية سايكس- بيكو، وبين ما يجري الآن من تسعير صهيوني، وغطرسة في مواجهة شعب أعزل في قدس الأقداس. ولن يكون ممكناً تحقيق أي تقدم في هزيمة المشروع الصهيوني، إلا بإعادة الاعتبار إلى الوعي بطبيعة الصراع.

هذه ليست دعوة لمواجهة عنترية مع الكيان الغاصب، ولكنها تنبيه إلى أهمية صياغة استراتيجية عملية لتفكيك المشروع الصهيوني، من خلال حلٍّ حضاري عربي، غير عنصري، ولا مستلب أو خاضع لاعتبارات ميثولوجية أو ثيوقراطية. وما لم يتحقق ذلك فسوف يواصل المشروع الصهيوني تقدمه، ويتيه حلم التحرير الفلسطيني، ربما إلى الأبد.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4451 - الخميس 13 نوفمبر 2014م الموافق 20 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً