العدد 4454 - الأحد 16 نوفمبر 2014م الموافق 23 محرم 1436هـ

الأمن وحقوق الإنسان العربي في الدوحة... لقد أسمعت لو ناديت حياً

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقد في العاصمة القطرية الدوحة المؤتمر الدولي «تحديات الأمن وحقوق الإنسان في المنطقة العربية» في الفترة 5 - 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وهو أول مؤتمر يجمع المؤسسات الأمنية العربية، والمنظمات الحقوقية العربية، إضافة إلى أطراف أخرى معنية.

المؤتمر من تنظيم المفوضية السامية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، وبمشاركة تنسيقية الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد البرلماني العربي، والأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب. وقد دُعي إلى المؤتمر ممثلو وزارات الداخلية العرب، والهيئات الوطنية لحقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية العربية، وخبراء من المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومحاكم حقوق الإنسان الأوروبية والأميركية والإفريقية، بحيث بلغ عدد المدعوين ما يقارب 300 شخص، عكفوا خلال يومين على مناقشة جدول أعمال مزدحم، والملاحظ الغياب الرسمي لدول مجلس التعاون، السعودية والإمارات والبحرين، في ظل التوتر في علاقاتها مع قطر.

وكونه المؤتمر الأول من نوعه الذي يجمع طرفي الأمن وحقوق الإنسان، فقد طُرحت الكثير من القضايا والإشكاليات المزمنة في العلاقة السلبية بين رجل الأمن والناشط الحقوقي، وعلى المدى الأوسع بين المؤسسات الأمنية من ناحية ومنظمات حقوق الإنسان العربية من ناحية أخرى.

وكأي تظاهرة عربية، لابد أن يسود الطرف الرسمي على حساب الطرف الأهلي، وكان ذلك واضحاً في الجلسة الافتتاحية حيث اقتصرت على الرسميين، والاستثناء هو محمد فايق، رئيس شبكة الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان، ومعظمها رسمي، رغم أن حديث محمد فايق اختلف عن حديث الرسميين، وكلمة المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد، الذي خاطب المؤتمر عبر «السكايب».

إجماع على «كل شيء تمام»

المشترك في كلمات الجهات الرسمية العربية (اللجنة القطرية، مجلس التعاون، الجامعة العربية، اتحاد البرلمانيين العرب، مجلس وزراء الداخلية العرب، الاتحاد البرلماني العربي) هو أنه لا إشكالية كبيرة بين الأجهزة الأمنية والمنظمات الحقوقية، بل جميعهم أكدوا حرص أجهزة الأمن العربية على صيانة وتعزيز حقوق الإنسان العربي، وامتداح أوضاع حقوق الإنسان في البلدان العربية. وتحدّث كلٌّ منهم عن دور مؤسسته في صيانة وتعزيز حقوق الإنسان، مؤكّدين على الخصوصية العربية من تقاليد وعادات ودين إسلامي حنيف!

بل إن بعضهم أشار إلى سلبيات المنظمات الحقوقية العربية، ملمحّين إلى تبنيها أجندات أجنبية وتمويلاً أجنبياً. كما أكّد الجميع على نبذهم للإرهاب وتبرئهم من المنظمات التكفيرية وعزمهم على مكافحتها، دون أن يقدّموا تصوراً استراتيجياً لاستئصال الفكر التكفيري وإشاعة التسامح والاعتدال؛ ودون إشارةٍ إلى الحاجة لإصلاحات عميقة على الأنظمة العربية، وخصوصاً إصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية والتعليمية وغيرها.

وحدهما رئيس المجلس القومي المصري محمد فايق، والمفوض السامي (الجديد) لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين، أشارا إلى الأوضاع السلبية لحقوق الإنسان في الدول العربية، والحاجة إلى إصلاح الأجهزة الأمنية والقضاء؛ وأن الأمن الشامل بمفهومه الأوسع هو حق للمواطن والشعوب، وبالتالي فلا أمن حقيقياً دون تأمين الحقوق، ولا حقوق في غياب الأمن، وأن تكون الشرعية الدولية والمواثيق الدولية، إلى جانب الشرعية الوطنية، هي المرجعية في التعاطى مع هاتين القضيتين المتلازمتين، كوجهين لعملةٍ واحدة.

الرد على تغوّل الأجهزة

ولم يتأخر الرد على الأطروحات الرسمية، ففي الجلسات المتتابعة والتي شملت جلستي مناقشة وأربع ورش عمل، ثم جلسة عامة للاستماع لمقرّري الورش الأربع ومناقشتها، فقد توالت أوراق العمل لممثلي المجتمع المدني من جمعيات وشخصيات، وخبراء المفوضية السامية، والمحاكم الحقوقية الثلاث الأميركية والأوروبية والإفريقية، والخبراء ومراكز الدراسات والبحوث؛ حيث عرض هؤلاء للأوضاع المزرية لحقوق الإنسان في مختلف البلدان العربية وتغوّل الأجهزة الأمنية، وغياب المحاسبة لهذه الأجهزة من الجهات المدنية والقضائية، وإخضاع وزارات وأجهزة الدولة بما فيها القضاء والبرلمان للجهات العسكرية والأمنية العليا، وتغليب الاعتبارات الأمنية للأنظمة وليس الشعوب، على اعتبارات حقوق الإنسان للشعب والمجموعات السكانية للمواطنين والمقيمين والأفراد، مواطنين ووافدين.

وترتب على هذا الواقع المأساوي أن تشكل المنطقة العربية ساحةً لأكثر الحروب الدموية والأزمات في العالم، ويترتب عليها أكبر عدد في العالم من الضحايا إلى جانب ضحايا القتل خارج القانون والاغتيالات، والتفجيرات الانتحارية، والتعذيب حتى الموت، والمعتقلين السياسيين، قياساً لسكان الوطن العربي وهو بحدود 350 مليون نسمة.

وإلى جانب الانتهاكات المنهجية والواسعة والخطيرة لحقوق الإنسان، فإن هناك حرماناً من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغياب أمن الشعب والمواطن خلافاً لما تنص عليه الدساتير، وشرعة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية والقانون العالمي الإنساني، وهذا كله من مسئولية الأنظمة العربية الممتدة في سطوتها والمنظمات التكفيرية الإرهابية، التي رعتها الأنظمة العربية وحلفاؤها الغربيون ثم انقلب السحر على الساحر. وهذا بالطبع إلى جانب «إسرائيل»، التي استولت على فلسطين وأراضٍ عربية أخرى، وهجّرت غالبية الشعب الفلسطيني وتمارس احتلالاً استيطانياً هو الأطول في التاريخ الحديث وليس له مثيل في العالم، وتوالي شن الحروب والاعتداءات على الفلسطينيين والعرب.

عداء مستحكم مع الشعوب

وقد عرض المتحدثون من زوايا وتجارب مختلفة لهذه الأوضاع والعداء المستحكم ما بين الشعوب والأنظمة مع استثناءات قليلة، وبالتالي العداء المستحكم للأجهزة الأمنية ضد المعارضين والحقوقيين واستهانتهم بالشعوب العربية. ومن هنا، فإن الصفعة التي تلقاها محمد البوعزيزي على يد الشرطية في مدينته «بوزيد» والتي دفعته للانتحار حرقاً، هي الصفعة التي يتلقاها ملايين العرب من المحيط إلى الخليج كل يوم مادياً أو معنوياً، وكان انتحار البوعزيزي شعوراً منه بعمق الإهانة التي تلقاها، هي الشرارة التي أشعلت الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وترتب عليها سقوط أربعة أنظمة عربية في تونس وليبيا ومصر واليمن، وصراع مازال محتدماً اتخذ طابع الحرب الأهلية في ليبيا وسورية والعراق، وقتال أو نزاعات عنيفة في أكثر من بلد عربي.

والحقيقة أن المتحدثين الرسميين تجاهلوا كل ذلك وكأنه لم يكن، وأطنبوا في امتداح أنظمتهم وجامعتهم العربية العتيدة ومجلس التعاون العاجز، ولذا كان لابد من تذكيرهم تكراراً بالمأزق العربي، وهو غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية، فهي الأصل في انتشار الانتهاكات والفساد والتخلف والفقر والعجز عن التنمية والتقدم وصيانة السيادة الوطنية وتحرير الأراضي المحتلة وتوحيد أقطار الوطن العربي... بل حتى العيش بأمان للمواطن العربي.

وعلى رغم أن البيان الختامي للمؤتمر عرض لهذه الأوضاع السيئة، وأكّد على ترابط الأمن والحقوق، وقدّم توصيات إيجابية عديدة، إلا أنه في ضوء التجارب العربية السابقة لن يترتب على ذلك شيء عملي. فالأمر يتعدى النوايا الحسنة، إلى افتقاد الإرادة السياسية للأنظمة بالتغيير الإصلاحي الشامل والعميق، استجابةً إلى مطالب شعوبها، والتحولات في العالم. فالأنظمة مصرّةٌ على أنها على حق، وأن المعارضين إما جهلة أو قاصرون أو عملاء للأجنبي، كما أنهم مصرّون على مواجهة الحركات التكفيرية استغناءً عن شعوبهم وبالوسائل العسكرية والأمنية ضمن تحالف دولي تقوده أميركا، وبالتأكيد ليس لصالح الأمة العربية وشعوبها، بل لتكريس تبعيتهم للغرب، وهم راضون بذلك.

كما أن الفشل الذريع حال دون فتح حوارٍ بين المسئولين الأمنيين والنشطاء الحقوقيين، فقد اعتصم المسئولون الأمنيون والسياسيون بالصمت، بعد أن أدلوا بدلوهم. وبذا لم يحقق المؤتمر أهم أهدافه، وهو إجراء حوار جدي وصريح وبنّاء بين الطرفين الحكومي والأهلي.

قد تكون الفائدة الوحيدة للمؤتمر هو التقاء العشرات من الحقوقيين العرب في الدوحة بعد أن تقطّعت بهم السبل، وطالت قوائم المنع والملاحقة، وقد يكون بعض المسئولين العرب، قد سمعوا الحقيقة المرة والرأي الصريح والتشخيص السليم وإن لم يكونوا في وضع القادر على التغيير والإصلاح في غياب الإرادة السياسية العليا.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4454 - الأحد 16 نوفمبر 2014م الموافق 23 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:05 ص

      ( كأنك تؤذن في خرابة )

      مقال رائع يا دكتور عبد النبى و لكنك كأنك تؤدن في خرابة و لا واحد يسمع صوتك من الحاضرين .

    • زائر 1 | 10:48 م

      عرب الخليج على راسهم ريشه

      يتحركون بنشر الديمقراطية في الدول العربية والعالمية وينسون بلدانهم التي تحكم حكما مطلقا بدون اي مشاركة شعبية وجب ان يغير العالم نظرته لهذه المنطقة وترمى مسمى الخصوصية الكاذبة امريكا وبريطانيا هي حامية لهم في العالم وسبب بلاء الشعوب

    • زائر 2 زائر 1 | 11:21 م

      ترى أمريكا خلاص

      يا الطيب ترى خلاص أمريكا و ايران صاروا سمن على عسل فما له داعي تقول هذي الكلام وجه الكلام حق ايران حبيبة أمريكا الجديدة

اقرأ ايضاً