العدد 4467 - السبت 29 نوفمبر 2014م الموافق 06 صفر 1436هـ

«الأمن هو التنمية»... الإمارات نموذجاً

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الوطني الثالث والأربعين، وهي مناسبة تحتفل بها جميع الأطياف في المجتمع الإماراتي، وتتميز المناسبة بخصوصيتها ومعانيها الاجتماعية والوطنية والإنسانية. إنها مناسبة تزدهر فيها النفوس وتزدان بمظاهر الوحدة الوطنية قبل أن تزين شوارعها ابتهاجاً بحلولها، وتلك ظاهرة تؤكد في بعدها الاستراتيجي والحضاري، معاني الفخر والرضا بما تحقق من منجزات على مختلف الأصعدة، التنموية والاجتماعية والاقتصادية، والرفاه والسعادة الإنسانية.

إن ذلك الواقع يشير إلى ما يتمتع به المواطن الإماراتي من مميزات ومقومات التطور الإنساني، وهي الحالة التي تشكل ركيزة الأهداف الاستراتيجية التي جرى العمل من أجلها لبناء منظومة التنمية الوطنية. وبخلاف النظريات والرؤى والتجارب في العالم، جرى العمل في الإمارات في جعل قضايا المجتمع ومتطلبات أمنه المعيشي والحياتي والإنساني ركيزة العمل للبناء والتنمية، والذي أفضى إلى بناء القاعدة المتينة للأمن الوطني.

قضايا الأمن والتنمية من المسائل المهمة في استراتيجات العمل الوطني للدول، وهي في مقدمة اهتمامات المفكرين والمخططين الاستراتيجين والدراسات المختصة بهذا المجال، والعديد من هذه الدراسات تعالج مسائل الأمن من منظور أحادي الجانب، حين تربط معالجة هذه المعضلة الاجتماعية بامتياز بمعزل عن متطلبات الأمن الفعلية التي يشكل الاستقرار والعدالة الاجتماعية معادلتها الرئيسة، وهي المعادلة التي صارت في المرحلة المعاصرة ركيزة اهتمام مفكري الأمن والتتمية الذين دلتهم تجاربهم في البحث عن مقومات الأمن الحقيقي ليس في إجراءات الزجر وقوانين الردع وحسب، بل في اعتماد نهج استراتيجية التنمية، وبناء حياة وسعادة الإنسان، وإشباع احتياجاته ومتطلباته الحياتية كمخرج فعلي لانجاز أهداف الأمن الحقيقية.

إن جوهر ذلك المنهج الفكري في معالجة قضايا الأمن من منظور إنساني، يمكن تبينها في مرئيات عدد من المفكرين، ومنهم المفكر الألماني شارل شلايخر، الذي يحدّد مفهوم الأمن بقوله «إن الأمن يشير إلى القيم مثل الحرية والرفاهية والسلام والعدالة والشرف وأسلوب الحياة. وهذه القيم هي أهداف الأمن. ومن ثم يصير الأمن مجرد حمايته».

وبالاتساق مع ذلك يشير وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت مكنمارا إن «الأمن ليس هو المعدات العسكرية وإن كان يتضمنها، والأمن ليس النشاط العسكري التقليدي، وإن كان يشملها»، ويؤكد «الأمن هو التنمية، ومن دون التنمية لا يمكن أن يوجد أمن. والدولة النامية التي لا تنمو في الواقع لا يمكنها ببساطة أن تظل آمنة بسبب عنيد، هو أن مواطنيها لا يمكنهم أن يتخلوا عن طبيعتهم الإنسانية». ويرى مكنمارا أن المسألة العسكرية ما هي إلا وجه سطحي ضيق لمشكلة الأمن الكبرى. فالقوة العسكرية يمكن أن تساعد في توفير القانون والنظام، وذلك لا يتحقق إلا بقدر يتناسب مع الوجود الفعلي لقاعدة صلبة للقانون والنظام في المجتمع النامي، ورغبة أساسية في التعاون من جانب الشعب. والقانون والنظام هما الدرع الذي يمكن أن تحقق من خلفه التنمية، وهي الحقيقة الأساسية للأمن».

قضايا الأمن الإنساني مسألة محورية في المفاهيم الإسلامية، ويبين القرآن الكريم مفهوم الأمن في قوله تعالى: «فليعبدوا رب هذا البيت. الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف» (قريش، الآية3و4). ويعتبر ذلك تعبيراً بليغاً عن معنى الأمن، وهو توفير الحاجات الضرورية التي تؤمّن للإنسان سبل الحياة، وكذلك حمايته من المخاطر بما يحقّق له الطمأنينة والإستقرار.

الأمن الإنساني محور رئيس في مبادئ المشروع الدولي البيئي، وتشكّل الكرامة الإنسانية بمختلف تجلياتها ركيزة محورية في معالجات مبادئ وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وللدلالة على ذلك يمكن الإشارة على سبيل المثال، إلى مبادئ وثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (جوهانسبرغ 2002)، حيث جرى التأكيد في المبدأ (29) على أن المجتمع الدولي يرحب «بتركيز التزام جوهانسبرغ على المتطلبات الأساسية للكرامة الإنسانية، وإتاحة سبل الحصول على المياه النظيفة وخدمات المرافق الصحية، والطاقة والرعاية الصحية، والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي». وفي المقابل، يؤكد المبدأ (8) في وثيقة ريو+20 على أن المجتمع الدولي يجدد «تأكيد أهمية الحرية والسلام والأمن واحترام جميع حقوق الإنسان، ومن ضمنها الحق في التنمية والحق في مستوى معيشة لائق، بما يشمل الحق في الغذاء وسيادة القانون والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والالتزام العام بإقامة مجتمعات ديمقراطية عادلة من أجل تحقيق التنمية».

البعد الاستراتيجي لهذه القضايا هي في مقدمة أولويات استراتيجية التنمية في دولة الإمارات، التي يجري التأكيد على ثوابت أهدافها في خطط العمل الموجهة لصون الكرامة الإنسانية، وتعزيز نهج العمل المؤسس والموجّه لبناء مجتمع الرفاهية وتعضيد قيم الولاء التي صارت من الثوابت التي تميّز مظاهر الاحتفال باليوم الوطني لدولة الإمارات.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4467 - السبت 29 نوفمبر 2014م الموافق 06 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً