العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ

وزير الخارجية المصري: تشجيع حوارات الأديان والمذاهب ضرورة ملحَّة

دعا لتشكيل نظام عربي جديد...

وزير الخارجية المصري سامح شكري يلقي كلمته في منتدى حوار المنامة - تصوير عقيل الفردان
وزير الخارجية المصري سامح شكري يلقي كلمته في منتدى حوار المنامة - تصوير عقيل الفردان

اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري “تشجيعَ الحوارات القائمة على الاحترام المتبادلِ بين الأديان والمذاهب والطوائف وتعزيزَ قيم العيش السلمي المشترك بات ضرورةً مُلحَّة في مواجهة أفكار الإقصاء والاغتراب داخل المجتمعات”.

وشدد في كلمته في الجلسة الأولى في منتدى حوار المنامة أمس السبت (6 ديسمبر/ كانون الأول 2014) الذي انعقد في فندق الريتزكارتون في المنامة، على أنه “لابد أن تشملَ الحواراتُ مختلف القضايا تفادياً للإيحاء باستهداف عقيدةٍ بذاتها، فلا ينبغي أن يدّعي أحدُ الأطراف في ظل الحوار أنه يَقفُ على أرضيةٍ أخلاقيةٍ أعلى”.

ودعا شكري إلى “تشكيل نظامٍ إقليمي عربي جديد، إذ إن وجود مثل هذا النظام يمثلُ بدورهِ ضرورةً استراتيجية”.

وقال في بداية كلمته إن “مواكبةَ هذا المنتدى للتحولاتِ التى شهدَتها المنطقةُ والعالمُ عبرَ العقدِ الماضى لابد أنها تشكلُ رصيداً مهماً لنا جميعاً فى معالجتِنا لقضاياه وللتحدياتِ التى يواجهُها، وأتطلعُ شخصياً لمـا سيضيفُه حوارُنا اليوم حولَ الأولويات الإستراتيجية فى الشرق الأوسط إلى ذلك الرصيد، بما يعززُ قدراتِنا على صياغةِ رؤىً طموحةٍ وعمليةٍ من أجلِ تعاملٍ أمثلْ مع الواقعِ ولبناءِ مستقبلٍ أفضل”.

وأضاف إن “الحديثَ عن المنطقةِ العربية، وعن الشرقِ الأوسط، يستدعى أيضاً استعراض أبرز ملامح السياق العالمى الأوسع، لاسيما فى ظل التوقعات بل والتنبؤات التى تعددت بشأن النظام العالمى الذى سيتشكل عقب انتهاءِ عهد القطبية الثنائية. فى حين أننا جميعاً لمَسنا ومازلنا نلمسُ شواهدَ عديدةً على عدم استقرارِ أىٍ من النظريات التى سَعَت لوضع إطارٍ منطقي للنظامِ الدولي الجديد. ورغم ذلك، وإذا كان هناك ما يمكنُ التنبؤُ به بقدرٍ كبيرٍ من اليقينِ فى هذا الصدد، فهو ببساطة أننا لن نرى قريباً نظاماً يُشبِه ما كان سائداً فى القرن الماضى، ليس من حيث الاستقطاب فحسب، بل وأيضاً فيما يتعلق بالدور الرئيسي الذى كانت تلعبه الإيديولوجيات، على اختلافها، فى أوقات الحروب والسلام على حد سواء”.

وأردف “فضلاً عن ذلك، أثبتت العقودُ التى تلت نهاية الحربِ الباردة وجود حدودٍ ذاتية لاستخدامِ القوة العسكرية، أو القوة الخشنة وحدها، لتأمين المصالح وتحقيق الأهداف، لاسيما بعدما انتهت حقبة التكتلات الجامدة، أو القائمة على المواجهة العقائدية بين الغرب والشرق، الأمر الذى من شأنه الإسهام فى تخفيض حدة التوتر الناجم عن المخاوف من نشوب حروبٍ واسعةِ النطاق على نمط الحروب العالمية السابقة وإضافة أولويات جديدة لاستراتيجيات الدول والأطراف الفاعلة”.

وتابع شكري “وفى المقابل، باتت معايير أخرى، مثل الديمقراطية والاعتمادِ المتبادل ومستوى النمو والقدرة على الابتكار، تحتل مكاناً متقدماً وتؤثر بشكلٍ واضح، ولو بدرجاتٍ متفاوتة، على قدرة أى دولة أو كيان أو لاعب على تحقيق مستوى أفضل من الاندماج على المستوى الدولي ضمن علاقات أكثر ندِّية”.

وأكمل “وبالتوازي مع تلك التحولات والملامح وتداعياتِها على الشرقِ الأوسط، تموج المنطقة بتغيرات يدورُ الجدلُ اليومَ حول مدى تأثيرها على الترتيبات السياسية والإقليمية التى فُرضت على المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى أو على الأقل حول إمكانيةِ استمرارها؛ وخاصةً فى ظل تعدد الضغوط والتحديات وتنوعها، وظهور تهديدات نابعة من المنطقة مثل النزاعات الطائفية والعرقية والإرهاب المتخفي بالدين”.

وواصل الوزير شكري “كما أن عدم وجود رؤيةٍ واضحة ومتكاملة لدى القوى الخارجية حول كيفية التعامل مع تلك القضايا ومع دول وشعوب المنطقة، التى أضحت بدورها أكثر وعياً وإدراكاً فى تفاعلاتها مع القوى الخارجية، يُضفي قدراً لا يُستهانُ به من الريبة والشكوك المتبادلة، ويضاعف من صعوبة استخلاص تصور عام حول المخرجات النهائية للتحولات الجارية فى المنطقة والتحديات التى تفرضها والأولويات التى يتعين تبنيها فى مواجهتِها”.

ولفت إلى أن “مراجعةَ عناصرِ البيئة الخارجية والتحدياتِ السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة تشير إلى عددٍ من مصادر التهديد وربما الفرص في آنٍ واحد، وهى مراجعةٌ يمكن إيجازُ أهمِها فى النقاط التالية: انخفاضُ معدلات التنمية، لاسيما بمفهومها الشامل، في غالبية دول العالم العربي وفى الوقت ذاته ارتفاعُ نسبِ نمو سكانِها الذين يتكوّن غالبيتهم من الشباب المتطلع إلى الحصول على مستويات أفضل من التعليم والخدمات الصحية والوظائف، وتعاظمُ الضغوط التي تواجهها فكرة الدولة القومية والهوية الوطنية الجامعة في بعض الحالات نتيجة محاولات الإيحاء بأن قصور الحكومات لا يتعلق بعوامل سياسية أو اقتصادية وإنما بفشلِ فكرة الدولة القومية ذاتها”.

وتابع “واستغلال مرحلة التحول الاجتماعي التى تمرّ بها المنطقة من جانب الجماعات التي تدعو إلى الفكر المتطرف والتكفيري في أرجاء المنطقة بل والعالم، وارتباط ذلك بانتشار تنظيمات إرهابية في المنطقة وتخومها، وبروزُ الصراعات المذهبية والعرقية التي تفشت وباتت تهددُ الاستقرار الداخلي لعدد من دول المنطقة، والتي ساهمت في إزكائها تدخلات بعض القوي الدولية والإقليمية، وارتباطُ ما تقدم بصعود واضح لدور فاعلين غير حكوميين يسعون لإضعافِ بل وتفتيتِ الدولة القومية لصالح روابطَ عابرةٍ للحدود تستندُ للدينِ أو المذهبِ أو العرق، مع تنامي التدخلات الخارجية المباشرة في الشئون الداخلية لدول المنطقة على نحو يؤثر على أمنِها ومصالِحها.

وأكمل “وغموضُ مستقبل عملية السلام من حيث فرص نجاحِها أو تكرار الإحباط والفشل مع استمرار تقويض الأساس الجغرافي للتسوية وفقاً لصيغةِ الدولتين ومن ثم مستقبل فكرة المفاوضات ككلٍ في غياب عوائِد السلام التي من شأنِها تأكيدُ شرعيته كخيار استراتيجي، والتهديدُ الذي يمثله استمرار الخلاف بشأن برنامج إيران النووى والمعضلة التى يطرحُها ما بين مخاوف الانتشار وحق الدول أعضاء معاهدة منع الانتشار فى الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مع تعثرِ جهودِ إخلاءِ منطقة الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل”.

وأشار إلى أنه “من هذا المنطلق فإن التحدياتِ والتطورات السابقة تستدعي من دول المنطقة فى الأساس سواءً على المستوى الوطني أو الإقليمي، وبالتعاون مع شركائها الدوليين، التوصلَ لرؤيةٍ متسقة على ضوء الأولويات التالية: دعمُ دورِ الدولةِ المدنيةِ الحديثة وتعظيم استخدام الموارد الاقتصادية لزيادة القدرات في مواجهةِ التهديدات وبناءِ هياكلَ عصريةٍ للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وللتعاونِ بينَها وبينَ باقي دول الإقليم على أسسٍ أهمُّها تبادلُ المصالح وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول”.

وواصل وزير الخارجية المصري “وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة استناداً إلى مفهوم الأمن الشامل وليس فقط لبعديه الأمني والعسكري، مع معالجةِ الإختلالات الاقتصادية الاجتماعية والتنموية لأن استمرارَها سيكونُ هو التحدي الأكبر للأمن فى المنطقة، بيد أن معالجة هذه الاختلالات البنيوية لا تعني الترويجَ لنظريةِ تقاسمِ الثروة، وإنما لمعادلة تحقيق المصالح المشتركة من خلال تعزيز الاستثمار المتبادل، وتوظيفِ الفوائض الرأسماليةِ في شراكات تعودُ بالنفع على الدول المصدرة والمستقبلة لهذا الاستثمار”.

وقال “ارتباطاً بما تقدم، فإنه رغم الأهميةِ القصوى لمواجهةِ تنظيم “داعش” فى المهد، إلا أن ذلك ينبغى أن يتمَّ ضمنَ إطار إستراتيجية شاملة لمحاربة جميعِ التنظيمات متشابهة الفكر في المنطقة، مع استهدافِ القضاء على ذلك التنظيم عسكرياً وفكرياً وحرمانِه من التعاطف والتمويل وإلا فإنه حتى وإن توارى فى العراق فسيعاودُ الظهور فى أماكنَ أخرى من العالم فالجميعُ بلا استثناءٍ ليسوا بمأمنٍ من هذا الخطر.

وأضاف “وإسباغُ أولويةٍ متقدمةٍ على جهود استئنافِ مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولاً إلى تسوية سلمية وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة حقيقية، فلا يوجدُ بديلٌ استراتيجي لاستئنافِ المفاوضاتِ فى ظِل تكلفة الفراغِ الناشئ عن جمودها وتراجع الأمل فى تحقيقها لنتائجَ ملموسة. ومن المهم هنا توظيف المبادرة العربية للسلام، واستعادة الدعم الدولي لأسس المفاوضات ودفعِها من خلال مجلس الأمن لتأكيد أنه لا سبيل للالتفاف حول هذه الأسس من خلال فرض حلولٍ أحادية أو مواجهاتٍ غير مجدية، وتعزيز الحوار بين الدول العربية وبين وكل القوى الدولية الفاعلة سواء التقليدية أو البازغة، والنظر في كيفية توظيف ذلك الحوار في دعم استقلالية القرار العربي وتنويع خياراته الاستراتيجية.”

وأردف شكري “والعملُ تدريجياً على إرساء علاقات جوارٍ صحية تتسمُ بالتكافؤ والندِّية بين دول منطقة الشرق الأوسط من خلال إجراءات تُسهم في ضمان الحفاظ على أمنِ واستقرار الإقليم، على أساسِ المبادئِ والاتفاقيات الحاكمةِ للعلاقاتِ الدولية، وبعيداً عن محاولات التمدد أو بسطِ النفوذِ”.

وشدد على أن “تشجيعَ الحوارات القائمة على الاحترام المتبادلِ بين الأديان والمذاهب والطوائف وتعزيزَ قيم العيش السلمي المشترك باتت ضرورةً مُلحَّة فى مواجهة أفكار الإقصاء والاغتراب داخل المجتمعات؛ ولابد هنا من أن تشملَ الحواراتُ مختلف القضايا تفادياً للإيحاء باستهداف عقيدةٍ بذاتها، فلا ينبغى أن يدعي أحدُ الأطراف فى ظل الحوار أنه يَقفُ على أرضيةٍ أخلاقيةٍ أعلى”.

وأكد أن “الأولويات السابقة على قدر أهميتِها وبداهةِ الكثير منها تحتاجُ إلى سياقٍ من شأنه أن يُكسبَها الثقلَ وقوةَ الدفعِ اللازمين. وتوفيرُ هذا السياق يبدو بشكل متزايد رهناً بانجلاءِ غُبار المرحلة الحالية عن نظامٍ إقليمي عربي جديد. ومن ثم، فإن وجود مثل هذا النظام يمثلُ بدورهِ ضرورةً إستراتيجية. فعلى مدى العقود الأربعةِ الماضية، تشكلَت محاورُ مختلفة فى منطقةِ الشرق الأوسط، عَرَّفَ كلٌ منها ذاتَه والآخر بناءً على التناقض بينها، فما بين محاورِ الرفضِ والمقاومةِ والسلامِ والاعتدالِ والسنةِ والشيعةِ، والمشرقِ والمغرب، كادت الهويةُ العربيةُ أن تَتَفتت وباتت المنطقةُ العربيةُ مستباحةً من قوىً إقليميةٍ ودولية”.

واستدرك الوزير المصري “لكن مرحلةَ التحولِ الحالية حملَت مع تحدياتِها فرصةَ تحلل تلك المحاور بعدما أظهر تقاطُعها مع التطورات التي شهدتها المنطقة عدمَ ملاءمتِها لتحديات المستقبل، ومن ثم، فمن المهم ألا يكونَ تجديدُ النظام الإقليمي العربي قائماً على أساس أي من تلك المحاور، فليس المطلوب أن يكونَ هذا النظام موجهاً ضد أي طرف من داخل العالم العربي ولا أن يستهدفَ أطرافاً بعينِها في خارجه، وإنما أن يكونَ هدفهُ بناءَ الذات لمواجهة تحديات العصر وتحقيق التنمية والإعداد لتمكين الجيل الجديد؛ ولاسيما أن هناك إدراكاً متزايداً داخلَ دول النظامِ العربي لاسيما من خلال تجاربِها بأنه لابد من احترامِ إرادةِ الشعوب وأن وعيَ هذه الشعوب، خاصة الشباب، هو المحرك الحقيقي للاتجاه نحو المستقبل الذي لن يكونَ فيه مكانٌ لأنظمةٍ سلطويةٍ تدينُ بالولاء للفرد أو لديكتاتورية تدّعي التحدثَ باسِم الدين”.

ولفت إلى أن “من المؤكدِ أن استعادةَ مصرَ لمكانِها في قلبِ النظام العربي الجديد يعيدُ له اتزانَه وحيويتَه، ويثريه بتجاربِ مصرَ الممتدةِ لاسيما على مدى الأعوام القليلةِ الماضية منذ ثورتي الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني والثلاثين من يونيو/ حزيران ومروراً بعملية التحول الديمقراطي بسلبياتِها وإيجابياتِها، وهو ما يتسق مع التطلع لأن يتسعَ النظام العربي لكل أقطارِه ومع انفتاحه على الآخرين في محيطه وفى العالم كله وأن يسعى لأن يكون عاملاً إيجابياً وفاعلاً في النظام الدولي وأن تؤخذَ مصالُحه في الاعتبار، دونَ المساس بأمنِه القومي ورفض التدخل في شئونه تحت ذرائعَ طائفيةٍ أو مذهبيةٍ أو عرقية”.

وختم وزير الخارجية المصري إن “المشهدَ الراهن يطرحُ العديد من الاحتمالات التي من المهم إزاءها أن تدرك الدول العربية وجميع دول منطقة الشرق الأوسط أن عدمَ استقرار الأوضاع واستمرارَ الأزمات ستنسحبُ تداعياته على الاستقرار والأمن في باقي المنطقةِ ودول الإقليم، وأن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيئَ المناخَ لتنامي العنف وإزكاءِ التطرف العابر للدول والمهدِّد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة، وبالتالي، فإن المصلحة المشتركة تقتضي تبني أولوياتٍ متكاملة وصولاً إلى تجاوز الأزمات التي يعاني منها بعضُ دول المنطقة حالياً وإلى تحقيق النموِ والاستقرارِ اللازمين كي تمارسَ هذه المنطقةُ المهمة دوراً حقيقياً وبناءً على مستوى العالم لا أن تضيف إلى مشكلاته القائمة”.

العدد 4474 - السبت 06 ديسمبر 2014م الموافق 13 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً