العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ

مسيرة طويلة من التخبُّط

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

المسألة الأمنية أصبحت تمثّل كابوساً في واقع دول مجلس التعاون. ولم يصل الأمر إلى المستوى التراجيدي المعقَّد الحالي لو أن الفكر أو المنظور أو التخطيط السياسي الاستراتيجي لم يكن مشوَّشاً طيلة مسيرة المجلس، ولو أن الإرادة السياسية المشتركة لاتخاذ القرارات قد توفّرت في مختلف مستويات قيادة المجلس. الموضوع بالفعل وصل إلى التمظهرات الكارثية، ولذا فالحديث عنه يجب أن يكون صريحاً ومباشراً.

المسألة تبرز في وجهين لعملة واحدة: الوجه الأمني الداخلي والوجه الأمني الخارجي. في الأسبوع الماضي أبرزنا جانباً مفصلياً واحداً من جوانب الأمن الداخلي والذي يتطوّر شيئاً فشيئاً ليوصل مجتمعات دول مجلس التعاون إلى فقدان هويتها العربية من خلال طريقين: الأول هو الازدياد المتسارع الخطر في أعداد العمالة الوافدة غير العربية في كل دول المجلس، والثاني هو التراجع المفجع لمكانة اللغة العربية، وبالتالي للثقافة العربية، عند الجيل الجديد من مواطني مجلس التعاون.

اليوم دعنا نحاول النظر إلى الوجه الآخر للعملة، وجه الأمن الخارجي، ولكن بصورة مقابلة بين الظروف التي أحاطت بدول المجلس عبر الخمس والثلاثين سنة الماضية، وبين مسيرة المجلس لمواجهة تلك الظروف.

الواقع أن دول المجلس عاشت عبر تلك الفترة الصّاخبة حالات قلق وخوف وذعر. لقد بدأت تلك المخاوف بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية مباشرةً، عندما طرحت بعض الأوساط الإيرانية فكرة تصدير الثورة الإيرانية إلى مجتمعات الدول المحيطة بها. لقد أوجد ذلك توجُّساً عند أنظمة تلك المجتمعات بعد أن اعتقدت بأن مجيء الحكم الإيراني المسلم الجديد سينهي التوتُّرات الكثيرة مع الحكم الشاهنشاهي السابق.

لم يمر عام واحد حتى انفجرت الحرب العراقية – الإيرانية فتضاعف الخوف مما قد تفعله الجهة المنتصرة في تلك الحرب، فكان أن وُلد مجلس التعاون كردّ فعل لذلك الخوف. وما أن انتهت تلك الحرب الجنونية التي أنهكت إيران والعراق ودول الخليج العربية، حتى فوجئت المنطقة بغزو الكويت العبثي الذي نقل الخوف إلى مستوى الذّعر والهلع الشّديدين.

وهكذا وجدت دول المجلس نفسها شيئاً فشيئاً تدخل في دوّامة التآمر الامبريالي على العراق من خلال محاصرته ومن ثمّ احتلاله، ومن ثم دخول المنطقة برمّتها في صراعات مذهبية طائفية لم تنته بعد.

لكأن ذلك لم يكن كافياً كوقود لهستيريا الشكوك والمخاوف حتى أضيف عاملان آخران: الأول تمثّل في حراكات الربيع العربي التاريخية منذ أربع سنوات، وهو حراك لايزال يتفاعل ولم يستقرُّ على حال بعد، وبالتالي مرشُّح لمفاجآت مستقبلية. أما العامل الثاني فهو الصعود المذهل لـ «داعش» وأخواتها في أجزاء كبيرة من العراق وسورية، وما يحمله ذلك من تداعيات على مستقبل بعض أو كل دول المجلس.

كان لابد من ذكر كل ذلك لإظهار الترابط الشديد بين مكونات المشهد الأمني الماثل أمامنا والحجم الهائل لذلك المشهد، وبالتالي التعقيدات المتشابكة التي سيأتي بها المستقبل والتي أصبحت مواد صالحة لتجهيز طبخات سامة مميتة في مطابخ استخبارات الكيان الصهيوني وعواصم الدول الامبريالية المتكالبة على المنطقة.

من المؤكد أن تلك الأحداث المتسارعة المعقدة المتراكمة عبر ثلث قرن تبرر الاهتمام الشديد الأخير بالقضية الأمنية، لكن نوع ذلك الاهتمام ونتائجه المستقبلية سيعتمد على إجابات دول المجلس على السؤال المفصلي التالي: هل تعامل مجلس التعاون عبر العقود الثلاثة الماضية، مع تلك الأحداث المتسارعة، بفكر سياسي حصيف وبمنهجية عملية كفوءة؟

الجواب الصّريح الموضوعي هو، مع الأسف الشديد، كلا. المفروض، بعد خمس وثلاثين سنة من الخوف والهلع، أن توجد قوة عسكرية ذاتية مشتركة لحماية دول المجلس ولإبعاده عن ارتماء دوله بصور منفردة في أحضان دول أجنبية تحميها، لكن ذلك لم يحدث.

المفروض أن تكون دول المجلس قد دخلت عبر السنين الماضية في حوارات كثيرة، وعلى كل المستويات، مع إيران لوضع ضوابط سياسية في علاقات الجهتين، ولبناء مصالح اقتصادية مشتركة تبني اعتماداً متبادلاً بين مؤسسات الجهتين، ولإجراء حوارات فقهية جادة تقلل التطرف عند الجهتين، ولمحاولة الاتفاق على مواقف مشتركة في الساحتين الإقليمية والدولية... لكن أيًّا من ذلك لم يحدث، بل ولم يحاوله أحد بجديّة واستمرارية. لقد ترك الأمر للبلادة في الساحتين لتهيمنا على الخطاب الإعلامي والسياسي والاقتصادي، وبالتالي الأمني.

كان المفروض أن يكون للعراق ولليمن مكانة خاصة في ساحات دول المجلس لإيجاد التوازنات والنديّة في هذه المنطقة المضطربة، لكن ذلك لم يحدث.

لقد كان المفروض أن نكون قد انتهينا من إتمام الكثير من الخطوات الوحدوية بين دول المجلس، لكن ذلك لم يحدث أو أنه سمح له أن يتعثَر.

لقد كان المفروض أن تفهم دول المجلس أن الزمن العربي الجديد يقتضي الاتفاق على خطوات تقدمية ديمقراطية مشتركة لتجنب نفسها الاحتقانات السياسية الداخلية، ولتتناغم مع تطلّعات شعوب الأمة العربية على الأقل في مستواها الأدنى، ولكنها لم تفعل وعاشت كل دولة في عالمها الخاص، فتكونت صورة سريالية للمجلس.

إذاً ، فالمجلس يحتاج إلى إعادة نظر في فكره السياسي، في طرائق عمله، في أولوياته، في اعتماده على نفسه إلى أبعد الحدود، في حلّ أية توترات تاريخية بين أنظمة الحكم والشعوب، في علاقاته القومية مع وطنه العربي الكبير.

إنه طريق طويل، وبغير ولوجه ستبقى القضيَّتان الأمنيّتان، الداخلية والخارجية، تراوحان مكانهما.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 1:12 م

      الكتابة والعقلية

      مقالك يا د.علي قد ترددت مفردات نقاطه في مقالات عديدة عبر العقدين الماضيين في الصحافة العربية ، ولكن المشكلة ليست في الأفكار التي يطرحها العديد من الكتاب والسياسيين بل في العقليات التي تدير هذه الهياكل شبه السياسية وبطريقة بدائية قرب إلى شركات ومؤسسات خاصة دون أدنى اهتمام أو مسئولية بالعواقب التي سوف تترتب على ذلك

    • زائر 9 | 4:13 ص

      سوء اداره

      من المقالات التى ساحتفظ بها للتاريخ

    • زائر 7 | 4:11 ص

      قراءه للاحداث

      فعلا دكتور من اجمل المقالات التى قراتها وتحكي سلسلة من أحداث التاريخ وسلسلة من تخبط وسوء الاداره على مدى التاريخ يدفعها المواطن

    • زائر 5 | 2:51 ص

      اذا كان المستشارون اجانب

      النتيجة ما ترى وتسمع .. واللي ادهى وامر اذا كانت الاصوات المسموعة في التقارب بين ايران والعراق واليمن ودول الخليج لامثال المحمود والسعيدي واضرابهم عل الدنيا السلام .

    • زائر 4 | 1:24 ص

      ايران عدو ازلي

      ايران عدو ازلي للإسلام و العروبة فكيف تدعو للتعاون معهم

    • زائر 6 زائر 4 | 2:54 ص

      اسمع واقرأ يا دكتور

      هذه ثقافتهم وهؤلا من يستشارون ويسمع لهم فيكيف تريد للامن ان يستقر ؟ امريكا وهي امريكا العدو اللدود لايران وهم يتحاورن وهؤلا المعتوهين يقولون لم ايران العدوا الاول ؟ يا دكتور اذا عندك مثل هالمفكرين الافذاذ الا ترى ان التخلف نصيبنا .

    • زائر 10 زائر 4 | 4:16 ص

      ايران ألد أعداء الاسلام

      ايران ألد أعداء الاسلام المحمدي العربي الأصيل

    • زائر 3 | 1:23 ص

      للأسف

      تعلمنا مبادئ البعث منك و لكنك للأسف انت الآن ابعد ما تكون عن البعث و القومية كيف تدعو لمهادنة الفرس ألد أعداء العروبة و الاسلام الحقيقي

    • زائر 2 | 12:37 ص

      بعد شيوخ ا.....

      هذا الكتاب الخطير واذا حكا........ لم يصلحو من نفسهم في الأيام المقبلة فهو في خطر العالم تغير جدا يحتاج إلى كسر الجمود بين الشعوب العربية والحكومات وعدم استغفال الشعوب الخليجيه انا إيران عدو وأمريكا وإسرائيل أصدقاء معناه انا الحكومات الخليجيه في خطر دخول الفخ الصهيوني وعدم استقرار المنطقة والتخويف من ايران أنها العدو الوحيد في المنطقه

    • زائر 1 | 11:54 م

      مختصر الكلام

      اقولها وبدون مجاملة , لو كانت العقول التي تدير الخليج بمستوى كاتب المقال لاصبحنا وامسينا بالف خير وعاش اهل الخليج في وضع افضل من كل النواحي سواءا اجتماعية , سياسية , رياضيه وثقافية

اقرأ ايضاً