العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ

زياد أبوعين... ثبات على المقاومة

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

حين وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركية، لمواصلة الدراسة العام 1980، كانت الجالية العربية منهمكة في توقيع عرائض، موجّهة للسلطات الاتحادية، تطالب بوقف تنفيذ قرار ترحيل المناضل الفلسطيني زياد أبو عين إلى الأراضي المحتلة، وتسليمه إلى الأجهزة الأمنية في الكيان الغاصب، حيث قضى في السجون الأميركية والإسرائيلية قرابة ثلاثة عشر عاماً.

كان الشاب أبو عين في حينه، بالكاد قد تجاوز العشرين عاماً، حيث كانت ولادته في أواخر العام 1959، وعلى الرغم من صغر سنه، غدت قضية ترحيله للكيان الصهيوني الشغل الشاغل للإعلام الأميركي، وكبريات الصحف العالمية. كما كانت الشغل الشاغل للمدافعين عن حرية الرأي والمناصرين للقضية الفلسطينية.

وقد نوقش القرار الأميركي بتسليمه للكيان الصهيوني، في أعلى المحافل الدولية، وصدرت قرارات عدة من هيئة الأمم المتحدة، تطالب إدارة الرئيس رونالد ريغان بالإفراج عن المناضل أبو عين، وعدم تسليمه لإدارة الاحتلال الإسرائيلي. لكن ضغط اللوبي الصهيوني داخل أميركا، حال دون تنفيذ ذلك القرار.

جريمة المناضل أبو عين، من وجهتي النظر الأميركية والصهيونية، لم تختلف كثيراً عن جرم أقرانه، من المناضلين الفلسطينيين، الذين عملوا على إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني، وتحقيق الحرية لشعبهم، وإنهاء حالة النفي والاستلاب التي يعانيها الفلسطينيون في المخيمات، بالبلدان العربية المجاورة.

لقد بدأ المناضل أبو عين مسيرته النضالية وهو لم يزل في ريعان الشباب، حيث ارتبط بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، قبل بلوغه سن السابعة عشر. واعتقل لأول مرة العام 1977، ثم جدد الاعتقال العام 1979، وحكم عليه بالإعدام، من غير اعتراف منه بالتهم التي وُجّهت إليه، ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد. أطلق سراح أبو عين من السجن، في عملية تبادل للسجناء، وأعيد اعتقاله مرةً أخرى، في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، أثناء ما عُرف بالقبضة الحديدية. وكان اعتقاله قد تم بأوامر مباشرة من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، إسحاق رابين، ومنع من السفر لسنوات طوال .

وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى الباسلة، في مطالع هذا القرن، لمع اسم الشهيد أبو عين مرة أخرى . جرى اعتقاله إدارياً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية. وبقي أبو عين شعلة مضيئة في طريق النضال الفلسطيني حتى آخر يوم من حياته، حين قضى شهيداً، في سبيل القضية التي نذر نفسه من أجلها.

شغل أبو عين منصب عضو اتحاد الصناعيين الفلسطينيين العام 1991، وفي العام 1993 تسلم منصب مدير هيئة الرقابة الداخلية في حركة فتح العام 1993، ومدير عام هيئة الرقابة العامة في الضفة الغربية العام 1994، ومنذ العام 1995، أصبح عضواً في اللجنة الحركية العليا لحركة فتح، ورئيساً لرابطة مقاتلي الثورة القدامى العام 1996، وعضواً في هيئة التعبئة والتنظيم، ورئيساً للجنة الأسرى في مجلس التعبئة التابع لفتح بين عامي 2003 و2007. كما شغل وظيفة وكيل وزارة الأسرى والمحررين العام 2006، ورئيساً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان برتبة وزير في السلطة الفلسطينية العام 2014 .

لم يغير أبو عين من سلوكه النضالي، وبقي وفياً لنهجه الذي بدأ به مسيرته، مناضلاً صلباً في وسط الجماهير. فبقي وهو الوزير يمارس دور الشاب الذي يقود التظاهرات، ويتعرض للمطاردة والسجن والتعذيب، وقضى نحبه جراء التعذيب الذي تعرض له في العاشر من هذا الشهر، بعد اعتداء جنود الاحتلال عليه بالضرب، وبقنابل الغاز التي أطلقت على تظاهرة شارك فيها الشهيد في بلدة ترمسعيا برام الله.

لقد تزامن استشهاد أبو عين، بتصعيد صهيوني، بتهويد القدس، وبتسعير بناء المستوطنات بالضفة الغربية. وصدور قانون حكومي لعرضه على الكنيست الإسرائيلي يضفي الطابع القانوني على يهودية الدولة، ولتكون الهوية القومية للكيان الغاصب، ولتفضح زيف الديمقراطية الصهيونية، المستندة إلى الفصل العنصري.

وقد رأى كثير من المحللين في هذه الخطوة ما هو أقسى في نتائجه من نظام الفصل العنصري الإفريقي، الذي قُبر بالنضال الأسطوري الذي قاده الراحل نيلسون مانديلا، حيث لم ينص الأخير على أن جنوب إفريقيا هي وطنٌ للمستوطنين البيض، في حين يهدف الصهاينة إلى جعل فلسطين المغتصبة، وطناً لليهود وحدهم، وبنص قانوني.

تزامن ذلك أيضاً، مع أزمة سياسية تعيشها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، بعد انسحاب وزراء من أبرز أقطابها، وقرار حل الكنيست لإجراء انتخابات برلمانية جديدة. لقد قام العدو الصهيوني، باعتداء جوي على العاصمة السورية، قريباً من مطار دمشق، وقد علّق بعض السياسيين الصهاينة على ذلك، بالقول إن نتنياهو قد بدأ حملته الانتخابية.

ويأتي اغتيال الشهيد أبو عين بدم بارد، ليشكل هو الآخر، جزءاً من الحملة الانتخابية لليمين الإسرائيلي. والرد على هذه الحملة، فلسطينياً وعربياً، ينبغي ألا يكتفي ببيانات الشجب والاستنكار. لابد من تصليب الموقف الفلسطيني، والعمل على استكمال ما تحقق من الوحدة الفلسطينية، ومراجعة السياسات الفلسطينية والعربية، تجاه المشروع الصهيوني، الذي تأكد بما لا يقبل الجدل، تنكره لأبسط الحقوق، وللمواثيق والمعاهدات الدولية.

لقد مثل القائد المناضل زياد أبو عين قمة الثبات على المقاومة، وظل متيقناً من حتمية النصر وتحرير فلسطين، حتى آخر رمقٍ في حياته، إلى أن استشهد حاملاً معه حلمه. رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه لراجعون.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4486 - الخميس 18 ديسمبر 2014م الموافق 25 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:23 م

      الكلمة الصادقة

      لم يعد هناك أى هذه الأيام مكان للكلمة الصادقة والوفية لقضايا الإنسان والوطن في عالمنا العربي المتوجه إلى التفكك والتحلل والانتهاء

اقرأ ايضاً