العدد 4491 - الثلثاء 23 ديسمبر 2014م الموافق 02 ربيع الاول 1436هـ

روسيا وتركيا في مواجهة الأزمة الاقتصادية

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

سيتواصل التقارب بين روسيا وتركيا، وينتظر الإعلان عن بناء تشكيل مجمع روسي للغاز في تركيا على الحدود اليونانية. لكن هذه العلاقة لن تتسبب في حدوث تغيير بطبيعة تحالف تركيا مع الغرب.

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تركيا قبل أسابيع عدة، والتقى برئيس حكومتها رجب طيب إردوغان، وانتهت الزيارة بنقلة استراتيجية في العلاقة بين البلدين اللذين شهدت علاقاتهما لحقبة طويلة توترات سياسية عديدة. لقد توجت الزيارة بتوقيع عدة اتفاقات اقتصادية، على رأسها قيام روسيا بمد أنبوب للغاز يمر عبر الأراضي التركية وصولاً إلى البحر الأسود، لتصديره إلى أوروبا، وبطاقة سنوية 63 مليار متر مكعب، بينها 14 مليار متر مكعب ستذهب إلى تركيا لتكون بديلاً عن أوكرانيا. وبتطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، في مختلف المجالات.

لقد شكل هذا اللقاء وما نتج عنه من توافقات استراتيجية نقطة تحول في تاريخ البلدين المشوب بصراعات طويلة منذ عهد السلطنة العثمانية وقياصرة روسيا حتى يومنا هذا. وكان لروسيا القيصرية دور مشارك في الإطاحة بالسلطنة العثمانية. ولم تخرج روسيا من الحرب العالمية الأولى إلا بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم. كان هناك باستمرار موقف روسي عدائي تجاه سياسات الأتراك بحق الأرمن والشراكسة.

وإثر سقوط السلطنة وبروز الحقبة الكمالية التركية اتجهت تركيا الجديدة بقوة نحو الغرب. وحين انتهت الحرب العالمية الثانية وتشكل حلف الناتو انضمت تركيا إلى عضويته، بما وضعها خلال الحرب الباردة في الصف المعادي للاتحاد السوفياتي. وكان دورها بارزاً في الأحلاف العسكرية التي تشكلت لتحاصر السوفيات في خاصرتهم الجنوبية. فكانت عضواً فاعلاً في حلف بغداد ومعاهدة «السنتو»، إضافةً إلى عضويتها في «الناتو»، ما جعلها أداة فاعلة في القوس الممتد من باكستان شرقاً، إلى تركيا غرباً، لتطويق الاتحاد السوفياتي.

ومن هنا تأتي أهمية هذا التحول الاستراتيجي في العلاقات بين البلدين، فقد فتح صفحة جديدة وطوى سنين من الكراهية والقطيعة بين البلدين.

إن قراءة التطورات الأخيرة في العلاقة بين روسيا وتركيا ستكون صعبة وغير كافية من غير وضعها في سياق سعي تركيا المستمر للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. الذي ظل يصطدم برفض الأوروبيين تحت ذريعة عدم استيفاء تركيا معايير حقوق الإنسان. وقد ظلت تركيا لحقب طويلة تغالب التوجه نحو البلدان العربية منذ نهاية السلطنة عدا الدول التي ارتبطت معها بمعاهدات وتحالفات عسكرية في الخمسينيات من القرن الماضي.

وحين سقط الاتحاد السوفياتي ومعه دول الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، أمسى الاقتصاد الحر نهجاً للقارة الأوروبية. وتحوّلت علاقة روسيا مع الغرب من حالة الصدام إلى الشراكة. وجرى تعاون مشترك بين الشرق والغرب في مختلف المجالات، وانضمت دول أوروبا الشرقية تباعاً إلى الاتحاد الأوروبي. واتجهت روسيا نحو تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية بخصومها السابقين ومن ضمنهم تركيا.

ومرت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بمرحلة صعبة. فلم يكن سهلاً الانتقال من نظام سياسي واقتصادي إلى نظام آخر من غير تكاليف. لقد بهت دورها الإقليمي وتعطل حضورها في المسرح الدولي. لكن تعافيها السريع الذي ارتبط بقيادة بوتين بعث الرغبة باستعادة دورها الإقليمي والدولي. فكان تدخلها في جورجيا وأوكرانيا، وتحالفها مع الصين، واستخدامها المتكرر لحق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي.

لقد جددت سياسات بوتين أجواء الحرب الباردة وأدت إلى صدام بلاده مع الغرب، ففرض الأخير عقوبات اقتصادية على بلاده. وكان من نتيجة ذلك أن بدأت القيادة الروسية في البحث عن مخارج لأزمتها الاقتصادية فاتجهت نحو الشرق. وتأتي زيارة بوتين هذه في سياق السعي لإيجاد متعاملين جدد في مجال استيراد الغاز والنفط، والعمل على الفكاك من الحصار الاقتصادي المفروض من أميركا والغرب على بلاده.

من جهة أخرى توجهت تركيا للجنوب بعد فشلها في الانضمام للاتحاد الأوروبي. وحين وصل «حزب العدالة والتنمية» للسلطة طرحت حكومة أردوغان شعار «صفر مشاكل»، وعزّزت علاقتها بالحكومة السورية، وتبنت مواقف مناصرة للقضية الفلسطينية، فأرسلت السفينة التركية مرمرة محملةً بالأدوية والأغذية لقطاع غزة كتعبير عن رفضها للحصار المفروض على القطاع الذي تديره حركة «حماس» المرتبطة مع حزب الحرية والعدالة في الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين. وقد تعرّضت البحرية الإسرائيلية لها قريباً من الشواطئ الفلسطينية وقامت بضربها.

هذه الصورة تغيّرت فجأةً بعد حدوث «الربيع العربي». فقد اتخذت تركيا مواقف مؤيدة للإخوان المسلمين، وساد أردوعان إحساس بأن العثمانية تبعث من جديد. وقف مؤيداً لثورات تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، وأتبع ذلك بالتدخل المباشر في السياسات الداخلية للدول العربية.

وحين اندلعت الأزمة السورية عمل أردوغان على استثمارها، وبدأ يتحدث عن تبعية حلب وريفها للأتراك، وكان الموقف الروسي قد حال بينه وبين أحلامه. لقد عوّل كثيراً على الأميركيين ودول الاتحاد الأوروبي في التدخل العسكري، كما حدث في ليبيا، وتمكينه من الاستيلاء على حلب، لكنهم خيّبوا أمله في تحقيق ذلك.

وحين أعلنت الإدارة الأميركية الحرب على الإرهاب وقف ضدها، واقترح بدلاً من ذلك إقامة دولة إسلامية بقيادة «داعش» بمحافظة الأنبار ونينوى والجزء الشرقي من سورية. وحين لم تستجب الإدارة الأميركية لمقترحاته، اقترح تشكيل منطقةٍ عازلةٍ في الشمال السوري على الحدود مع بلاده. ومرةً أخرى واجه اقتراحه الخذلان، فكان البديل هو الاقتراب من روسيا.

سيتواصل التقارب بين روسيا وتركيا، وينتظر أن يعلن في الأيام القادمة بناء تشكيل مجمع روسي للغاز في تركيا على الحدود اليونانية. لكن هذه العلاقة لن تتسبب في حدوث تغيير في طبيعة تحالف تركيا مع الغرب. وفيما يتعلق بالأزمة السورية فإن الطرفين أكّدا اختلاف مواقفهما حول سبل حل الأزمة. ورغم ذلك فإنه من المستبعد ألا يؤثر تطور العلاقات على التوصل إلى صفقات وحلول أكثر واقعية تجاه هذه الأزمة بين البلدين.

روسيا وتركيا تعانيان من عزلة دولية خانقة وعجز في ميزان المدفوعات، ولعل هذا التقارب هو الخطوة العملية التي لا مناص منها لفك هذه العزلة وتحسين أوضاعهما الاقتصادية.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4491 - الثلثاء 23 ديسمبر 2014م الموافق 02 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً