العدد 4493 - الخميس 25 ديسمبر 2014م الموافق 04 ربيع الاول 1436هـ

الخروج من عبثيات الهويات المتناقضة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في ندوة عقدت في بيروت، جرى الحديث عن الهوية العربية: تاريخها، تعريفها، مكوّناتها، علاقتها بالهويّات الفرعية الأخرى.

الواقع أن هذا الموضوع يجب أن ينظر إليه بطريقة مبسَّطة، فلا يعقّد أو يفلسف ليصبح عصيًّاَ على استيعابه من قبل المواطن العربي العادي، ولا ينقل إلى ساحة الثنائيات العربية الشهيرة التي تصرُّ على تضادد الأشياء والأفكار بدلاًً من تكاملها. والنتيجة أن ننتهي إلى الدّوران حول الموضوع عبر القرون دون أن نستقرّ على شيء نهائي، تماماً كما فعلنا بثنائيات من مثل الأصالة/ المعاصرة، الدّين/ العلم، القومية/ الوطنية... إلخ.

واقع الحياة يقول بأن كل إنسان يرتبط بعدة هويات، وليس بهوية واحدة. هناك هويات من مثل الدين والمذهب والعائلة والقبيلة والأيديولوجية السياسية والأصول العرقية واللًغة والثقافة، والكثير غيرها. وإذاً فالتعددية في الهوية هي جزء من الاجتماع البشري.

عندما ننقل مشهد التعددية من واقع الفرد إلى واقع الأمة تصبح كل تلك الهويات هويات فرعية أو جزئية، لأنًها هويات تتعلق بفرد أو بمجموعة أفراد. هنا يتطلب واقع الأمة أو المجتمع أن توجد، إضافةً إلى الهويات الجزئية، هوية جامعة مشتركة يتمسّك بها جميع أفراد الأمة والمجتمع.

القضية الأساسية لا تكمن في تعددية الإنتماء لهويات فرعية، وإنما تكمن في إصرار البعض على عدم تعايشها مع بعضها البعض من جهة، وإلى تفضيل البعض لهوية فرعية، التي تخص وتخدم جزءاً من الأمة، على الهوية الجامعة المشتركة التي تخصُ وتخدم كل الأمة. مثلاً أن تكون وطنياًَ محباً لوطنك العربي الصغير، ومراعياً لكل مصالحه، أو أن تكون منتمياً لمذهب ديني دون تزمُت أو مشاعر طائفية، فإن ذلك يعني التزامك الأخلاقي المسئول تجاه الوطن أو المذهب، وهو دليل على حيويتك الاجتماعية والإنسانية.

لكن أن تسمح بأن تقدّم مصلحة الوطن الصغير أو مصلحة الطائفة على حساب مصلحة الوطن الكبير أو الأمة، فهذا يعني إعلاء المصلحة الخاصًة على المصلحة العامة، وتفضيل الجزء على الكل.

لا ينشغل الناس بالحديث عن الهوية الجامعة إلاً عندما يسعون إلى بناء أمة. مبررات وضرورات بناء الأمة الواحدة، وبالتالي الوطن الكبير الواحد، تختلف من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر. بالنسبة للأمة العربية لا يحتاج الإنسان أن يفتّش عن المبرّرات الوجودية لضرورة بناء هذه الأمة الموحّدة. فلقد أدّى تقسيمها وتجزئة وطنها وتفتيت مجتمعاتها وإعلاء الهويات الجزئية لبعض فئاتها على الهوية الجامعة... أدّى كل ذلك إلى تسلّط قوى الاستعمار بأشكال مختلفة على كل جزء منها، وبالتالي استباحة كل ثرواتها، وأدّى الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى منعها من بناء قوّتها الذاتية والتركيز على تنمية الاقتصاد والسياسة والعلم في مجتمعاتها، وأدّت المصالح الفئوية الداخلية إلى التناحر الدائم فيما بين أجزائها، وأدّى كل ذلك في النهاية إلى بقائها ضعيفة متخلفة عن ركب حضارة العصر.

هكذا وضع بائس لا يمكن مواجهته إلاً بجهود أمة موحدة، إن لم يكن في الواقع الجغرافي الواحد، فعلى الأقل في الواقع النضالي الواحد ضد أعداء الخارج المتكالبين عليها، وضد أعداء الداخل الذين يتفرّجون على عذاباتها وأحزانها وانسداد أفق مستقبلها.

من هنا الأهمية القصوى لجهود المفكّرين والكتاب والإعلاميين وقادة المجتمع المدني وشباب الأمة، من أجل تعريف ونشر ودعم مفهوم الهوية العربية الجامعة، ومن أجل توضيح دروب إمكانية تعايش الهويات الفرعية مع بعضها البعض من جهة، ومع الهوية الجامعة المشتركة من جهة أخرى.

لن يكون ذلك بالسهل، فالتاريخ يعلمنا أن الهويات المشتركة تنتعش في فترات الانتصارات في ملاحم الأمم الكبرى، وتخفت وتضعف في فترات الهزائم التي تحيط بالأمة من كل حدب وصوب، كما هو الحال بالنسبة لأمة العرب. لكن التاريخ يعلّمنا أيضاً أنه لا يوجد قدر ثابت مكتوب على أية أمة. إني شخصياً واثقٌ أن تغيير قدر الأمة العربية قد بدأ منذ أربع سنوات، عندما أطلّت بشائر ربيع عربي مبهر.

أن يواجه الربيع عواصف مفاجئة أو أن تموت زهور من هنا أو هناك، فهذا لا يعني إلا استراحة الطبيعة المؤقتة لتعاود حيويتها وألقها وسيرورة مسارها الطويل.

المطلوب أن لا يبقى موضوع الهوية العربية الجامعة، هوية العروبة، موضوع سجالات عبثية لا تؤدّي إلا إلى إدخال الأمّة في دوّامة من المشاعر والأحلام والآمال المتناقضة المتصارعة. هناك حاجة لطليعة تعمل ليل نهار لمنع وصول الأمة لتلك الحالة وإدخال السرور إلى قلب الصهيونية والاستعمار والإستبداد الأناني المتخلف.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4493 - الخميس 25 ديسمبر 2014م الموافق 04 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:27 ص

      من ضيع الهوية العربية .....الذين جلبوا المجن...... من اصقاع الارض

      واذا حبيت تعرف اكثر مَن ضيع الهوية العربية راجع فتاوي بن باز والالباني الذين افتوا بجواز الصلح مع اسرائيل.

    • زائر 2 | 5:17 ص

      يا زائر رقم 1 كاني بلسان الدكتور يعيد الابيات التالية

      يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا
      يزيدُ سفاهة ً فأزيدُ حلماً كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا
      وما أكثر السفهاء في بحريننا اليوم!!!
      اللهم اننا لا نسالك رد القضاء ولكن نسالك اللطف فيه

    • زائر 1 | 1:23 ص

      اكبر تهديد للهوية العربية

      اكبر تهديد للهوية العربية هو أنتم يا من تتحالفون مع اتباع ايران و تروجون لفكرهم الظلامي المتخلف المعادي للإسلام الحقيقي و العروبة

اقرأ ايضاً