العدد 4521 - الخميس 22 يناير 2015م الموافق 01 ربيع الثاني 1436هـ

تعقيدات الثورات وخصوصيّة مصر

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

بعد بضعة أيام تكون قد مضت أربع سنوات على ثورة شعب مصر المبهرة الواعدة. حينها غمر الفرح والأمل قلوب ملايين العرب، إذ سمعوا في هدير جموع المحتشدين في ساحات مدن مصر الكنانة أصوات طبول القدر العربي الجديد وهي تدُق بقبضة التمرد على أبواب المستقبل الجديد الذي طال انتظار وصول ألقه.

ثورة مصر كانت لها نكهة خاصة، إذ بمصر تستطيع أمة العرب أن تتمرّد وتأمل فتفعل، ومن دون مصر يدخل وطن العرب في تيه وحيرة. إنه قدر مصر، إنه قدر كلّ العرب. ما الذى حدث، وما الذي ستأتي به الأيام وتحمله زوابع المستقبل؟

أولاً، لقد أظهرت قوى المجتمع المدني، بأحزابه ونقاباته وجمعياته وطلائع شباب ثورته ومساجده وكنائسه وعساكره وإعلامه ومثقفّيه ومؤسّسات اقتصاده، أنها لا تملك الفهم السياسي المطلوب للواقع الانتقالي الثوري، ولا التعاون أو التكافل المتناغم المضحّي غير الأناني، ولا استشعار المسئوليات التاريخية المفصلية في حياة الشعوب التي تحتاج لنمط نضالي خاص به، ولا القدرة حتى على التسامح المؤقّت من أجل أهداف كبرى عظيمة.

ليس المقصود تجريح مجتمع مصر الطيّب الرّقيق، بل نقد قادة الكثير من مؤسساته التي خذلت شعب مصر الضحيّة الثّائر المنهك، سواء بقصد أو بغير قصد، حين تعاملت مع الثورة وكأنها كرنفالات انتخابات وجلوس حول طاولات تقسيم غنائم.

ولقد تمثلت جميع نقاط الضعف تلك في فترة حكم الإسلام السياسي القصير المليء بالأخطاء، والذي أضاع فرصة تاريخية لبناء تفاهم إسلامي - قومي - ليبرالي - يساري من أجل إنجاح الفترة الانتقالية للثورة.

ثانياً: لا يمكن القفز فوق عامل علاقة الجيوش بالثورات والذي أثّر بصور مختلفة عبر تاريخ الثورات في كل مكان من العالم. فمن المؤكّد أن لا ثورة، سواء أكانت ديمقراطية أم كانت عنفيّة، تستطيع أن تؤمّن نجاحها ما لم يؤيّدها الجيش أو على الأقل يقف محايداً تجاهها.

ومواقف الجيوش من الثورات، وهي المؤسسات التي بطبيعتها محافظة وغير ديمقراطية، لا يحكمها في الأساس انحيازها للديمقراطية أو لحكم الاستبداد، وإنّما هاجسها هو أن لا تؤدّي مواقفها إلى انقسامها على نفسها. وعندما تنقسم الجيوش على نفسها تنتهي الثورة إلى أن تصبح حرباً أهلية.

ذلك التاريخ المعقّد للعلاقات فيما بين الجيوش والثورات تعيشه مصر الآن، والوجهة التي ستسير نحوها تلك العلاقات ستكون لها انعكاسات مهمة على مصير ثورة 25 يناير والأهداف الثورية التي ستحقّقها. لنتذكر بأن رفض الجيش الوطني المصري استعمال قوّته لصالح نظام ما قبل الثورة كان عاملاً حاسماً في نجاحها الأوّلي. يبقى الآن موضوع مصير تلك الثورة.

ثالثاً: جميع ثورات العالم لعبت الجوانب الثقافية دوراً مهماً في نجاحها أو فشلها. فأمزجة الشعوب وسلوكيَّاتها وتاريخ تعاملها مع مختلف ظروف الحياة تحدّدها ثقافة المجتمع. فبعض الثورات تميّزت بممارسة ما يعرف بالرُعب العنفي، فجعلت مسيرتها مليئةً بالآلام والدموع. وبعض الثورات استجابت لقلّة وضعف صبر الناس فدخلت في دوامة النزاعات العبثية.

أي العوامل الثقافية لعبت دوراً فيما وصلت إليه ثورة 25 يناير، ثم من بعد ذلك أحداث 30 يونيو، متروك لعلماء وبحّاثة علم الاجتماع. ولكن السلبيّ منها سيحتاج أن يتعامل معه بصورة جديّة إذا أريد لمسيرة الثورة أن تنتهي إلى مصير معقول.

رابعاً: من المؤكّد أن العوامل الخارجية قد فعلت فعلها في مسيرة الحراك التغييري الكبير في مصر. فتعثُّر بعض الحراكات التي ارتبطت بظاهرة الربيع العربي في بعض الأقطار العربية، والتفجّر الهائل لبراكين الجهاد التكفيري العنفي في أرجاء المعمورة، والتآمر التاريخي الدائم على كل محاولات التحرُّر والنهوض في مصر، قلب الأمة العربية، قد انعكست بصورة واضحة على زخم وحياة وعنفوان ما بعد 25 يناير السياسية.

لكن مصر، المجتمع الضارب في أعماق التاريخ والمالك لإمكانيات بشرية ومادية هائلة والمرتبط عضوياً بمحيط أمته العربية، مصر تلك قادرة على تحييد الكثير من تلك العوامل الخارجية. ثم إن مصر عادةً تضرب الأمثال للآخرين، وهي مطالبة بأن تفعل الآن ذلك.

خامساً: الدراسات الاجتماعية للثورات تؤكّد أنه ليس ضرورياً أن العمل من أجل أهداف مرحلية تطورية، أثناء فترات الحراكات الثورية الكبرى، هو بالضرورة مناقض للأهداف الثورية النهائية. هناك مكان للمرحلي المؤقّت في الثورات التي تريد أن تتجنّب انقلابها إلى فوضى وعنف عبثي. مصر، في مسيرتها الحالية، تحتاج أن تعي هذا الأمر، وذلك بسبب تعقُّد وحجم النقاط التي أشرنا إليها سابقاً.

كثير من الكتابات التقييمية لمسيرة الحراك الربيعي في مصر، في اعتقادي، مستعجلة. وهي تختلط بتمنيات شيطانية لا تريد الخير لمصر، وبالتالي للأمة العربية، وبمحاولات لخلط الأوراق من أجل حرف ثورة 25 يناير عن أهدافها الوطنية والقومية الكبرى. الهدف هو خلق أسطورة جديدة، وهي أن العرب لا يستطيعون إنجاح ثورة، سواء ديمقراطية أو عنفية.

على رأس الجهات التي تقوم بذلك الصهيونية المتواجدة في فلسطين المحتلة. إنها الصهيونية التي أدركت عبر السنين أن مصر هي رأس الحربة لاجتثاث تواجدها الطارئ في ارض فلسطين العربية.

ما يجري في مصر سيقرّر إلى حدٍّ كبير ما سيجري في أرض العرب.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4521 - الخميس 22 يناير 2015م الموافق 01 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:23 ص

      الاسلاميون هم المشكلة

      شعب مصر كان واقعي في ترتيب أولوياته ، عندما يخيّر المصري بين النظام القديم بكل ما فيه و بين نظام الاسلاميين الذين يقتلون و يهمشون كل من يختلف معهم بحجة أن هذه الديموقراطية و هم الاغلبية ! أليس من حق المصري أن يكون واقعي و أن يختار النظام القديم مفضلاً إياه على الفوضى و الخطر المحدق بالدماء و الأعراض و الحريات الشخصية ؟

    • زائر 1 | 12:34 ص

      ثورة مصر تمّ شراؤها

      لا اريد التعليق اكثر ولكن هذه الحقيقة وسوف تظهر الايام هذه الحقيقة جليا وبكل وضوح

اقرأ ايضاً