العدد 4523 - السبت 24 يناير 2015م الموافق 03 ربيع الثاني 1436هـ

بدويل يروي قصصاً عن البحرين في الحرب العالمية الثانية

ضمن عدد «الوثيقة» للعام 1986...

جسر الشيخ حمد
جسر الشيخ حمد

في تقليب الأرشيف موضوعات تعود بك إلى الزمن الجميل من حيث بساطته، وقدرة الناس على التعايش مع أحوالهم المتقلِّبة في ظل شح الموارد، وضعف الإمكانيات. في ذلك الأرشيف يمكن أيضاً أن تشهد شيئاً من ملامح الراهن، وإن بصورة مختلفة، اتسعت أو ضاقت تلك الصورة.

في تقليب مجلة «الوثيقة»، التي كانت تصدر عن مركز الوثائق التاريخية بدولة البحرين وقتها، وتحديداً قبل 28 عاماً، في العدد الثامن - السنة الرابعة، يناير/ كانون الثاني 1986، نقف على عنوان لمقتطفات مختارة مما كتبه المؤرخ والمستشرق الإنجليزي روبين بدويل (مواليد العام 1929 وتوفي في العام 1994) «البحرين في الحرب العالمية الثانية»، في حكايات وقصص ركَّزت أكثر ما ركَّزت على الظروف التي مرَّت بها البحرين فترة الحرب العالمية الثانية.

وبحسب مقدمة «الوثيقة» للقضايا والقصص التي تناولها بدويل، فإن السطور التي كتبها عن البحرين تعتمد اعتماداً «شبه كامل على تقارير المعتمد السياسي البريطاني، وهذه التقارير وإن كانت تمتاز بالدقة في رصد الأحداث التي عاشها المعتمد إلا أنها دائماً تعكس وجهة النظر الإنجليزية».

المجهود الحربي البريطاني

اتخذ في البحرين إجراء تمثّل في دعم المجهود الحربي، من خلال الحكومة من جانب، والأهالي والمقيمين من جانب آخر، فترة الحرب العالمية الثانية لدعم بريطانيا في حربها ضد دول المحور: ألمانيا، إيطاليا، واليابان. المجلة تبدأ مختاراتها لما كتبه بدويل بمساهمة الحكومة البحرينية وقتها في موضوع الدعم «فور إعلان الحرب بين بريطانيا وألمانيا الهتلرية أرسل صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مساعدة للحكومة البريطانية هي شيك بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني، ولاحظ مستشاره تشارلز بلجريف بأن هذا المبلغ سخي للغاية في مساعدة المجهود الحربي البريطاني. وبعد ذلك بشهرين، وأثناء احتفالات عيد الفطر، قال سمو الشيخ، بأنه يجب على جميع المسلمين أن يؤيدوا الحلفاء...».

وفي السياق نفسه المرتبط بجمع التبرعات للمجهود الحربي، يشير بدويل إلى «تقرير أرسله المعتمد السياسي، قال فيه، إن الصحيفة المحلية (البحرين) نشرت 15 مقالاً بعث بها للصحيفة، وكوَّنت الجالية الهندية صندوقاً للتبرعات للمجهود الحربي، كما أنشئ صندوق آخر في نوفمبر/ تشرين الثاني 1940 لشراء طائرة مقاتلة للقوات الجوية الملكية، وقبل إغلاق الصندوق في العام 1943، كانت التبرعات في الخليج قد بلغت حدَّاً يكفي لشراء 10 مقاتلات».

النيران الصديقة

وكما في الحروب جميعها، لا تخلو مما يعرف بالنيران الصديقة، تلك التي تطلق خطأ إما على مجموعات وأفراد من الجيش نفسه، أو على مجموعات وأفراد لجيش صديق أو حليف. حدث ذلك في البحرين؛ إذ «في أبريل/ نيسان 1941، أصبح رشيد عالي الكيلاني، رئيساً لوزراء العراق، وبسبب سياساته المعادية للإنجليز، كان لابد من وقوع تصادم بينهما، وفي ذلك الوقت، فرضت البحرين سياسة إطفاء الأنوار بحزم، ووسط هذه الأوضاع المتوترة، أطلق المدفعيون الهنود النيران خطأ من المدافع المضادة للطائرات على الطائرات الملكية البريطانية، ونشر بلجريف مقالاً عن التدابير الوقائية ضد الغارات الجوية في صحيفة (البحرين)، وبدأ كثير من الناس استعداداتهم للتحرك من المدن الرئيسية إلى الريف، وأراد بعض الإيرانيين أن يهاجروا تماماً، وتم حفر الخنادق حول أطراف المدينة مقابل القلعة، كما تم إطلاق صفارات الإنذار كتدريب على مواجهة الغارات؛ ما سبَّب بعض القلق في مدينة الظهران، التي لم تُبلَّغ بأنه مجرد تدريب».

15 ألف كيس تمر من ابن سعود

في تلك الفترة من بدايات الحرب العالمية الثانية عانى الناس شحاً في المواد الغذائية، بسبب توقف الدول المصدرة وعلى رأسها الهند وكذلك العراق، عن تصدير الفائض لديها، ولعدم سلامة الممرات المائية التي تتخذها السفن طريقاً لبلوغ موانئ الخليج.

«تعرضت الكميات المستوردة (من المواد الغذائية) للتقلبات؛ بحسب توافر السفن، ولاحظ المعتمد السياسي في شهر سبتمبر/ أيلول، بأن كميات الرز المتوافرة تكفي لثلاثة أسابيع فقط، والدقيق لأسبوع واحد فحسب، وأن كميات التمر أيضاً قلَّتْ بسبب امتناع الحكومة العراقية عن تصديره، وتم إنقاذ الموقف بتبرُّع ابن سعود (الملك عبدالعزيز آل سعود) بـ 15 ألف كيس. وفي بداية العام الجديد، خفضت حصة السكَّر إلى رطلين فقط (ضمن الحصص لكل عائلة)، كما خفضت حصة الرز إلى 8 أرطال، وقد حاولت السلطات أن تستورد السكَّر من موزمبيق».

تحسنت الأوضاع عندما رفعت حكومة العراق الحظر على تصدير التمر، ورتّبت الحكومة استيراد 2000 طن منه. وفي القرى، تم توزيع التمر عن طريق مراكز الشرطة، ثم فتحت الحكومة بقالة في سوق الخميس، واثنتين أخريين فيما بعد؛ ما غطَّى حوائج نحو 4000 نسمة. وعلى رغم كل ذلك، فإن سوء التغذية أصاب المسنِّين والصغار معاً، وشاهد بلجريف بعض الناس الذين كانوا يتسوَّلون الطعام في حدائق البلدية.

نقص البضائع وارتفاع معدَّل الجرائم

ظلت كثير من مستودعات الحكومة شبه خالية، أو تحتوي على القليل من المواد. ولم يقتصر الأمر على المواد الغذائية، بل طال الأمر كل المواد من الأسمنت والأخشاب والمراوح الكهربائية وغيرها.

وفي هذا الصدد يشير بودويل إلى أن بلجريف «سجَّل بأن المستودعات كانت خالية من البضائع، أما الأمر الذي أزعجه إزعاجاً بالغاً فكان عدم توافر السيجار الذي يدخنه في السوق»!

ويضيف بودويل أن ذلك النقص في المواد «أدَّى بالطبع إلى ارتفاع معدَّل الجرائم. ففي بداية الحرب كان التجَّار خائفين من نهب أموالهم إذا وقعت غارات جوية، وعلى رغم أن الغارات الجوية لم تقع، إلا أن جرائم الاغتصاب والسطو زادت، فسرقت كميات كبيرة من مستودعات (بابكو) من قطع غيار السيارات. وفي نوفمبر 1944، فكرت الشركة في توظيف بعض الشرطة السابقين من نيويورك كحرَّاس وتزويدهم بسيارات مجهَّزة بالراديو، وأثناء فحص روتيني، اكتشف البوليس البحريني سيارة مشحونة بأدوات (بابكو)، وشوهد اثنان من الأميركيين في مايو/ أيار وهما يحاولان بيع 20 إطاراً جديداً تمت سرقتها. حتى أن الأسمنت المستورد للمطار، والمراوح الكهربائية التي جلبت لأجل القوات الجوية الملكية تعرَّضت للسرقة».

التهريب

في ظل ظروف كتلك، تجد بعض الجماعات، أو الجهات في أي بلد زمن الحرب فرصتها للتهريب وغيره مما يعد خرقاً للقانون وتجاوزاً له؛ ولم تكن البحرين استثناء في هذا المجال.

«حدث تهريب العملات أيضاً (قبل ذلك كان التهريب يقتصر على المواد الغذائية)، فكانت الروبيات الفضية مقبولة في كل من العربية السعودية والكويت، حيث تُبودلت بالدنانير العراقية، وجاء الناس إلى البحرين لشراء الجنيه الإنجليزي الذهبي، حتى حرِّم تصديره في فبراير/ شباط 1942، إلا لبلدان الإمبراطورية البريطانية؛ ما أدَّى إلى نشاط المهرِّبين في هذا الصدد. وسجَّل بلجريف في مذكراته عملية تفتيش لعدَّة سفن اشتبه بها، وقُدِّم ربَّان سفينة في أبريل 1943 للمحاكمة لأنه أغرق سفينته عمداً، وسرق حمولتها من الذهب، لأنه كان على علم بأن تصدير الذهب ممنوع، وأن التاجر الذي كان يعمل لأجله لا يستطيع أن يرفع القضية أمام المحكمة، وحكم على ربَّان السفينة بغرامة 5000 روبية، والأشغال الشاقَّة لمدة سنة».

نقص الأيدي العاملة البريطانية

مع التوسع في إنتاج النفط وما يتطلبه من أيد عاملة، وخصوصاً من الخبراء، وكان البريطانيون يشكِّلون الغالبية منهم، حدثت مشكلة في البحرين أيام الحرب. كان ذلك في العام 1939؛ إذ «أراد العدد الأكبر من 250 بريطانياً كانوا يعملون في (بابكو)، أن يرجعوا إلى وطنهم بحجَّة التجنيد في الجيش، وشعروا بخيبة الأمل عندما صدر قرار في مايو 1942 ينص على أن الخدمة في شركات النفط تعتبر خدمة عسكرية، وعدم السماح لأي بريطاني بترك عمله في شركة النفط، وقبِل البريطانيون والكنديون هذا القرار، لكن الهنود الذين كان عددهم 500 عامل شعروا بالظلم، وقدَّموا التماساً إلى المعتمد السياسي».

طلب 3000 عامل

بعيداً عن نقص المواد التموينية، وخلوّ المستودعات، وبعيداً عن الداخل بعض الشيء، يشير بودويل في حكاياته وقصصه عن البحرين إلى أنه تم في العام 1941، التقدُّم باقتراح يطالب «بمغادرة 70 غواصاً بحرينياً إلى قناة السويس للكشف عن الثروة في السفن الغارقة». كان ذلك في ذروة الحرب.

وفي مايو 1943، احتاجت القوات الجوية الملكية إلى 3000 عامل للبناء تحتاجهم البحرين وأماكن أخرى في الخليج، بما فيها الشارقة. وبفعل التوسع الذي طرأ على مصنع التكرير، تم استخدام 3000 أميركي و 2000 عامل بحريني من البنائين وأصحاب العمالة الماهرة.

بدويل في سطور

يذكر، أن روبين بدويل، مؤلف ومستشرق بريطاني، من مواليد العام 1929 وتوفي في العام 1994.

تلقى تعليمه في كلية ستوني هيرست، وكلية بيمبرونك بجامعة كامبردج. أرسلته الاستخبارات البريطانية ليعمل رقيباً في منطقة السويس. وفي الفترة ما بين 1955 و 1959 خدم كضابط سياسي في غرب عدن، وكانت محمية بريطانية. تولى تحرير مادة الرحلات لدى مطبعة جامعة أكسفورد، وجاب كل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في العام 1965 عاد إلى جامعة كامبردج حيث حصل على درجة الدكتوراه في 1968، وكان موضوع أطروحته عن «الإدارة الفرنسية في المغرب». بين عامي 1968 و 1990 عمل كأمين مكتبة مركز الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية في جامعة كامبريدج. من العام 1980 كرَّس بقية حياته لإنجاز «قاموس التاريخ العربي الحديث»، الذي تمت طباعته بعد رحيله، وذلك في العام 1998.

أصدر كتباً في التاريخ تناولت الخليج منها: «عُمان في صفحات التاريخ»، «شئون الكويت» (1971- 1973)، «شئون عربية» (1971-1973)، «دراسات عربية» (1974)، «المسافرون في المملكة» (1976)، «دليل إلى الوزراء الأفارقة» (1978)، «شطرا اليمن» (1983)، «استخبارات الخليج العربي» (1985)، «شخصيات عربية من بدايات القرن العشرين» (1986). كما نشر عدداً من الكتب عن اليمن والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى كتب تناولت التاريخ الاستعماري البريطاني والفرنسي.

الشارع البحري القديم بالمنامة المقابل للسوق
الشارع البحري القديم بالمنامة المقابل للسوق

العدد 4523 - السبت 24 يناير 2015م الموافق 03 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً