العدد 4528 - الخميس 29 يناير 2015م الموافق 08 ربيع الثاني 1436هـ

رحيل قائد الإنجازات الباهرة

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تمكن الملك عبدالله، رحمه الله، بسجاياه المعروفة من كسب قلوب العرب والمسلمين، وكان موقفه موقف الوفي الشجاع لقضايا أمته العربية، وكان دائماً في المقدمة حين يتعلق الأمر بخدمة قضايا المسلمين.

لم يكن مستغرباً أن يعم الأسى والحزن ربوع المملكة والعالم، وأن يتوافد المعزون من كل فج عميق فرادى وجماعات وقادة دول، بعد رحيل القائد الغالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتقديم واجب العزاء. فقد كان أبو متعب قائداً استثنائياً وزعيماً مقتدراً في قيادة السفينة نحو بر الأمان، في مرحلة عاصفة مرت بها الأمة في السنوات الأخيرة، وأكلت الأخضر واليابس، وتسببت في انهيار كيانات وطنية بعدد من البلدان العربية. وقد تمكن بحكمته وحصافته وبعد نظره، أن يتعامل مع التغيرات بنظرة الحكيم، في رؤيته والقائد الشجاع في اتخاذه للقرارات الحاسمة.

الحديث عن الفقيد العزيز وسيرته العطرة يطول ويطول، وليس بإمكان سطور كهذه أن توفيه حقه. فهو القائد بحق، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أكد حضور المملكة في المحافل الدولية. وهو المعطاء حيث غرفت من أريحيته وكرمه شعوب وأمم. وتمكن بسجاياه من كسب قلوب العرب والمسلمين. وكان موقفه موقف الوفي والشجاع لقضايا أمته العربية، وكان دائماً في المقدمة حين يتعلق الأمر بخدمة قضايا المسلمين عامة، أعطى من نفسه من غير حدود.

وعلى صعيد الداخل وخدمة مشاريع التنمية والبناء في جميع أنحاء المملكة وتقديم أفضل الخدمات لشعبه، كان دور الراحل استثنائياً ومتميزاً، طرق مسالك لم تكن معهودة قبله، وأدرك بحسه الواعي والعميق أن بناء الإنسان هو سبيل بناء الوطن وهو وسيلة نمائه وتطوره. فكان التوسع في بناء الجامعات وتطويرها، وابتعاث ما يربو على مئتي ألف طالب للدراسة في الخارج شرقاً وغرباً، لينهلوا من العلوم والمعارف ما يمكّنهم بعد تخرجهم من الإسهام بجدارة في خدمة وطنهم.

وكان الأبرز في سياق التعليم هو تأسيس جامعة العلوم والتقنية في مدينة جدة، التي جرى تصميمها كواحدة من أكبر مراكز البحوث في العالم، وكصرح علمي عالمي كبير يستقبل المتفوقين من الطلاب من كافة أصقاع العالم. وفي هذا الصرح تتلاقح وتتفاعل مختلف الثقافات وتسود ثقافة التسامح وتتعزّز الوظيفة الإنسانية للعلم.

وعلى صعيد التطوير السياسي والدفع بالنخب الفكرية والثقافية بالمهتمين بالشأن العام بالمشاركة في صنع القرار، كانت المبادرة المهمة للملك الراحل في تأسيس مركز الحوار الوطني، الذي أصبح معلماً من معالم الحوار ليس بالمملكة فحسب بل وفي جميع أرجاء المنطقة العربية.

وقد ناقش المشاركون في هذا المركز مواضيع شتى ذات شأن بمعالجة القضايا المهمة التي تخص المواطنين، كقضايا الحوار والفساد وحقوق المرأة وشئون الشباب وقضايا أخرى كثيرة.

وبرعاية منه -رحمه الله- دخلت المرأة السعودية لأول مرة في معترك العمل السياسي بالتحاقها عضواً مشاركاً بكامل الحقوق في مجلس الشورى السعودي. وشاركت بقوةٍ في الإعلام المرئي والمقروء، كما تطوّرت أدوارها ومجالات عملها في دعم الحركة الاقتصادية فأصبحت تعمل في المصارف والمؤسسات المالية، وتضاعف حضورها بالمستشفيات والعيادات الصحية، ومُنحت حق تأسيس الشركات والمصانع والمؤسسات الاقتصادية، وأصبح متاحاً أمامها العمل في الأعمال التجارية ومشاركة شقيقها الرجل في الكثير من المجالات والأنشطة.

واتساقاًَ مع الرغبة في الدفع بالتطوير في المجال السياسي بالبلاد، تشكّلت مؤسسات المجتمع المدني على شكل جمعيات متخصصة في الكثير من المجالات. وحظيت بشكل خاص لجنة حقوق الإنسان باهتمام ورعاية خاصة من لندن الملك عبدالله.

آمن -رحمه الله- بالحوار الخلاق بين كافة الشعوب، ومن أجل تحقيق ذلك تكفل المهرجان الوطني للتراث والثقافة المعروف بـ «مهرجان الجنادرية»، والذي أسسه الملك الراحل تحت مظلة الحرس الوطني، بالدعوة بشكل سنوي لنخب من المفكرين والمثقفين العرب والأجانب.

وكان للندوات الثقافية التي عقدها المهرجان على مدار خمسة وثلاثين عاماً، أثر كبير في إثراء الثقافة، وتحقيق التفاعل بين مختلف الثقافات وبشكل خاص بين البلدان العربية.

عمل الكثير من أجل التضامن العربي، وأطلق مبادرات صلح عديدة لإنهاء الأزمة في لبنان تكللت بتوقيع اتفاق الطائف. وسعى لتحقيق الوحدة الفلسطينية وحل الخلاف بين حركتي «فتح» و»حماس»، نتج عن ذلك توقيع اتفاق مكة المكرمة، وبذل جهداً كبيراً من أجل تحقيق المصالحة بين اليمنيين، كان من نتائجها تنحي الرئيس علي عبدالله صالح من الحكم وانطلاق الحوار الوطني بين مختلف الفصائل السياسية في اليمن.

وقد قادته الهجمة المعادية للإسلام وغياب الفهم الإنساني المشترك بين المنتمين للأديان السماوية وإيمانه بالحوار إلى تأسيس مركز عالمي للحوار، مقره مدينة فيينا في النمسا. وقد شارك في فعاليات هذا المركز المئات من أتباع الديانات الأخرى. وكان لهذا النشاط إسهام كبير في تقريب وجهات النظر بين أتباع الديانات السماوية المقدسة.

واجه الراحل الكبير الملك عبدالله عمليات الإرهاب بشجاعة نادرة وجسارة، حيث كان في حينها ولياً للعهد ويتولى مهام نائب الملك. وتمكنت المملكة تحت قيادته من هزيمة التطرف.

رحل عنا القائد الكبير الملك عبدالله إلى أرحم الراحمين، وترك وراءه أعمالاً جليلة وحملاً ثقيلاً، حيث تشتعل الحرائق من حولنا شمالاً وجنوباً. ولكن ذلك هو قضاء الله ولا راد لقضائه، «وكل من عليها فان». الرحمة والمغفرة للفقيد، إنه سميع ومجيب. جعل الله في من خلفه الملك سلمان بن عبد العزيز، ومن خلفه ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي عهده وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف خير خلف لخير سلف.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4528 - الخميس 29 يناير 2015م الموافق 08 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً