العدد 4542 - الخميس 12 فبراير 2015م الموافق 22 ربيع الثاني 1436هـ

لماذا تفشل مشاريع الحرب على الإرهاب؟

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

هذا الأسبوع، كان الأبرز حضوراً في نشرات الأخبار والتعليقات، هو إقدام عصابات «داعش» على حرق الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة. وربما لا تكون هذه الحادثة هي أول عمل من نوعه، يقدم عليه هذا التنظيم، في تفننه بعمليات القتل، ولكنها الأبرز كون معظم القنوات الفضائية، بثت صوراً مرعبة، حتى وإن تكن مجتزأة منه. فأعمال قتل الجنود السوريين والعراقيين، بأساليب بشعة، ومغرقة في وحشيتها، من قبل العصابات الإرهابية تمارس كل يوم.

وما يهم في هذه الحادثة، في هذا الحديث هو ما تفصح عنه من عجز ما عرف بالحرب العالمية على الإرهاب، عن تنفيذ أهدافها، رغم مرور قرابة ربع قرن من شن هذه الحرب. والسؤال المنهجي الذي ينبغي طرحه بحدة الآن هو: لماذا فشلت هذه الحرب الكونية، ولماذا كانت أكلها نتائج عكسية، لما يطمح له الذين خططوا لهذه الحرب؟

لقد كان تواجد المجموعات الإرهابية، التي تتلفع بالإسلام السياسي، مقتصراً على أماكن محدودة جداً في العالم، ويتمركز في بلد واحد هو أفغانستان. وكان لوجود هذه المجموعات أسباب موضوعية، تتعلق بالحرب الباردة، وبالمواجهة السوفياتية- الأميركية في أفغانستان. لكن تلك الأسباب لم تعد قائمة، ومع ذلك استمر تمدد مجموعات الإرهاب، ليشمل عشرات الدول. ولا يوجد من الأسباب ما يشي باقتراب تقلصها، فضلاً عن إلحاق الهزيمة النهائية بها.

في الأيام الأخيرة، كانت منطقتنا العربية، مسرحاً لعمليات إرهابية مكثفة وغير مسبوقة، وبشكل خاص ما شهدته أرض الكنانة من ارتفاع وتيرة التفجيرات في شبه جزيرة سيناء، ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى، وعمليات أخرى في قلب القاهرة، وعدد من المدن والبلدات في مصر الشقيقة. عمليات أخرى مشابهة تحدث يومياً في العراق وعشرات القذائف تقصف العاصمة السورية دمشق، في تطور خطير غير مسبوق، هذا عدا ما يجري في ليبيا واليمن.

قبل قرابة ستة أشهر، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مجدداً، حرباً على الإرهاب في سورية والعراق، وشاركت في هذه الحرب، دول من المنطقة وخارجها. وحققت هذه الحرب نجاحات محدودة جداً، في بعض المناطق، لكنها لم تمنع انتشار «داعش» وأخواتها في مناطق أخرى من أرض السواد وبلاد الشام.

ولعل سبب محدودية نجاح هذه المواجهة تعود، إلى أنها انتقائية ومحدودة في مناطق معينة، ولذلك لا يتوقع أن يكتب لها تحقيق هدفها الأساس في إلحاق الهزيمة بالإرهاب. فظاهرة الاستقرار، والتمسك بالأرض، ليست من طبيعة استراتيجيات الإرهاب وخططه، وما حدث في السنتين الأخيرتين، من محاولة «داعش» إقامة ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، هو أمر دخيل على فكر الإرهاب، ولا يتسق مع تاريخه الطويل.

إن استراتيجية التمسك بالأرض، هي مرحلة متقدمة في خطط حروب العصابات، وتتحقق عندما تنهار الدولة، التي تشكل هدفاً رئيسياً لهذه الحرب. وذلك ما تفصح عنه الدراسة التي أصدرها تنظيم «داعش» تحت عنوان «إدارة التوحش»، فهذه الدراسة، تنصح من تطلق عليهم «المجاهدين»، بألا يتمسكوا بأي أرض ما لم يكن بمقدورهم تحقيق ذلك؛ وأن الهدف هو استنزاف الخصم مادياً وبشرياً وإضعافه.

لقد أكدت الأحداث، ضرورة تلازم الحرب على الإرهاب بقضايا أخرى ملحة، لا تقل وجاهة وأهمية عن المواجهة بالسلاح. أولى ما تقدمه التجربة، هو أهمية محاصرة خلايا الإرهاب، في كل مكان ومنعها من إيجاد أي ملاذ آمن لها. ذلك يعني شمولية الحرب، واعتبار التصدي للإرهاب، مواجهة وطنية كبرى، في بعدها المحلي، ومواجهة أممية في البعدين العالمي والإنساني.

على المستوى العربي، فإن شرط هزيمة الإرهاب، هو اعتبار المواجهة، معركة مصيرية، تصل إلى مستوى أن نكون أو لا نكون. وفي هذا السياق، فإن هناك أربعة مراكز رئيسية، هي العراق وسورية واليمن وليبيا، والجامع المشترك بين هذه البلدان الآن، هو ضعف الإدارة المركزية للدولة، لأسباب معروفة. ففي العراق يمكن القول إن العجز الحالي للدولة عن مواجهة الإرهاب، هو من نتائج تداعيات الاحتلال الأميركي له، ومصادرة هويته وسقوط الدولة الوطنية المعاصرة، وقيام نظام بديل يستند إلى القسمة بين الطوائف والأقليات.

وفي سورية استبدلت القوى المدنية المعارضة للحكومة، بمجموعات إرهابية، انشغلت بالصراع على السلطة. وفي ظل انتشار العمليات المسلحة، تراجعت سلطة الدولة على كثير من المناطق. وقد نأت هذه المجموعات بنفسها عن المركز، وتمركزت في مناطق على الحدود السورية العراقية، في مناطق تتميز باتساع الرقعة البرية، وخلوها من الكثافة السكانية، فكان أن استثمرت نقطة الضعف هذه، لتقيم عليها وجودها.

في ليبيا انطلق ما عرف بـ «الربيع العربي»، بشكل مفاجئ، وسقطت سلطة الرئيس القذافي، بفعل المساندة الجوية، من قبل الغرب للثوار، الذين لم يتمكنوا من بناء مؤسساتهم، حتى هذه اللحظة. وحين تسلم الثوار الحكم، تكشفت جملة التناقضات التي تحكم العلاقة فيما بينهم، في ظل تكدس مهول للسلاح. وبدا أن التيارات الإرهابية، هي الأكثر تغوّلاً وتأثيراً فيما حدث. فكانت نتيجة ذلك هو تسلم تنظيم «القاعدة» وأخواته مقاليد الأمور في البلاد وضعف الدولة المركزية واستمرار الفوضى. ولتصبح ليبيا من أهم ملاجئ الإرهاب النموذجية بالبلدان العربية.

في اليمن، بقيت البلاد بتشكيلاتها الاجتماعية ما قبل التاريخية، ولم تفلح محاولات التحديث، بسبب التكوين القبلي والعشائري، العصي على التغيير. وكان أهم قانون يحكم هذه الهيكلية، هو الانتقال السريع في الولاءات، فحليف اليوم، يمكن أن يكون خصماً في الغد. وقد أتاحت هذه البنية فسحةً للمجموعات الإرهابية لالتقاط أنفاسها، والتواجد بقوة في أرض اليمن.

والخلاصة أننا أمام عناصر أساسية لازمة للانتصار على الإرهاب، لعل أهمها تقوية الدولة الوطنية، باستعادة روح التضامن العربي، وتجاوز الانتقائية في الحرب على الإرهاب، وتشكيل جبهة عربية متينة لمقاومته.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4542 - الخميس 12 فبراير 2015م الموافق 22 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:13 ص

      المجموعات الإرهابية في اليمن تقصد الحوثيين والقاعدة

      هل المقصود هنا الحوثيين والقاعدة الذين عثو لي ارض اليمن الفساد

    • زائر 1 | 9:36 م

      بختصار

      الكل يعرف اطراف النزاع بغض النظر عن التسميات وبالنسبه لداعش فهيه هيه اسرائيل والا لماذا هيه متواجده على الحدود بين اسرائيل والاراضي المحتله ولماذا لم يجيب العرب على سؤال نصر الله لماذا هم هناك واسرائيل مطمئنه الحرب الفعليه بدأت من الاحد السابق بسحق وكتم صوت اسرائيل في نفس المنطقه واما الاردن ذهب ليفعل عكس ما يذاع بالاخبار لقصف الجيش السوري واما والد الكساسبه صرح بمن اطاح بطيارة ابنه وهم ايضا شركاء في تلك المعركه كما ايران وحزب الله والايام كفيله بمصير اليمن والعراق ومصر والمنطقه عندنا

اقرأ ايضاً