العدد 4563 - الخميس 05 مارس 2015م الموافق 14 جمادى الأولى 1436هـ

في معرض بميامي... احتدام العنصرية... من الشوارع إلى المعارض الفنية

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

تتاح للضحايا الذين يسقطون بفعل العنف واستخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة في الولايات المتحدة الأميركية، فرصة لتكريمهم، وتكريم ذويهم، بأسلوب سلمي وإبداعي، أحياناً في شكل معارض فنية تجذب اهتمام الفنانين المهتمين بحقوق الإنسان، ومجالات الحقوق المدنية؛ إذ احتضنت مدينة ميامي بولاية فلوريدا وغيرها من المدن في نيويورك معارض فنية لذكرى اثنين سقطا نتيجة العنف الذي مورس على المتظاهرين في كل من جزيرة تاتن، الأول إريك غارنر، الذي مات اختناقاً بفعل إحكام أحد رجال الشرطة قبضته على عنقه، وسبقه قبل ذلك مايكل براون من مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، والذي سقط برصاص الشرطة. الاحتجاجات التي سرعان ما امتدت إلى عدد من المدن والولايات الأميركية، وصفت بأنها الأكبر من نوعها منذ حركة المقاومة فترة ستينيات القرن الماضي.

الأعمال التي حوتها المعارض، وخصوصاً في ميامي، عبَّرت عن عالم حقيقي بوجهيه: الموت والحياة. بعض الأعمال حرصت على تجسيد ونقل قيم عليا ترتبط بحق الوجود، فيما تناول بعضها أسطورة الخصوصية في المجتمع الأميركي، والنخبة، تلك التي تكاد تكون حكْراً على الرجل الأبيض. هولاند كوتر، وتقرير كتبه في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الخميس (22 يناير/كانون الثاني 2015)، تطرَّق إلى الموضوعات التي تناولتها الأعمال الفنية، واستعرض بعضاً منها، نورد خلاصته، بتصرُّف ارتأى محرر «فضاءات» ضرورته.

في 3 ديسمبر/كانون الثاني 2014، رفضت هيئة محلفين توجيه اتهام لضابط شرطة أبيض في مدينة نيويورك تسبَّب في وفاة مواطن أسود غير مسلَّح، اختناقاً، في جزيرة ستاتن، إريك غارنر. نتج عن حكم المُحلَّفين غضب عارم، ولاسيما من جانب الأميركيين من أصل إفريقي، الذين اكتووا بشدّة قبل هذه الحادثة بمقتل مايكل براون برصاص أحد أفراد الشرطة في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري؛ (تقع وسط الولايات المتحدة الأميركية)؛ إذ كانت للحادثة وطأة شديدة عليهم. إثر ذلك، اندلعت احتجاجات في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، ربما تكون هي الأكبر من نوعها منذ حركة المقاومة فترة ستينيات القرن الماضي.

وفي اليوم نفسه الذي صدر فيه الحكم في قضية غارنر، تم افتتاح واحد من أكبر معارض الفن المعاصر (Art Basel Miami)، بولاية فلوريدا. وغمرت الأعداد المتزايدة للمظاهرات وسائل الإعلام الاجتماعي بالمتابعة والكثير من التعليقات، ونشر المعرض تقارير متلاحقة عن مبيعات قوية في وقت مبكر من افتتاحه.

وخلال الأيام الخمسة التالية، لزم التجَّار أكشاكهم في المعرض. أما الفنانون والقيِّمون وجامعو الأعمال فاتفقوا على لقاء مع مطلع كل شهر، تحدَّد ما بين بِرَك السباحة والمناهل.

مقارنة الأزمات في العالم

في بعض النواحي، كان نوعاً من الجنون عقد مقارنة بين الأزمات في العالم الحقيقي الذي يضج بالحياة والموت، ومعارض فنية تضم، فيما تضم، آلة صرف نقدي. ولكن هنالك أشياء يمكن تعلّمها عن طريق وضع تلك الأعمال جنباً إلى جنب.

لا تزال ثقافتنا تشجِّعنا على العروض الفنية باعتبارها ناقلة للقيم العليا. لقد بنى عالم الفن التجاري قاعدة قوة مربحة تقوم على تلك الأسطورة من الخصوصية المميزة جداً، في حين تشكّل نفسها إلى نسخة مصغّرة من النخبة الأميركية، تلك التي يهيمن عليها الرجل الأبيض، ويتم وقفها عليه بامتياز.

ذلك بطبيعة الحال، هو أبعد ما يكون عن كامل القصة في عالم الفن. ففي يوم 3 ديسمبر سمع سْمَاك ميلون، والذي اتخذ مساحة غير ربحية في بروكلين، بخبر هيئة المحلفين، المتعلِّق بالحكم الصادر في قضية غارنر؛ ما جعل عمله متأرجحاً، نتيجة صدمته بالحكم. مديرتا المعرض، كاثلين غيلرين، وسوزان كيم، أعادتا ترتيب جدول المعرض، والقوائم البريدية المجمَّعة لستة فنانين مقيمين هم: إستيبان ديل فالي، مولي ديلوورث، أواسا دوفيرنيه، إيرا إدواردوفنا، سيتفاني جيمسون ودريد سكوت؛ حيث تم تدشين شبكة معلومات مفتوحة، في بادرة تدعو إلى فن يعالج بشكل مباشر قضايا العنصرية، وعنف الشرطة، والعدالة الاجتماعية.

الاستجابة

أكثر من 600 عرض مقترح وقطعة فنية تم الانتهاء منها وصلت مبكّراً (وكثير منها في الطريق)، ونحو 200 عمل تشكِّل مجموعة مؤثرة في المعرض حملت عنواناً رئيساً: «الاستجابة».

تم تثبيت الكثير من الأعمال بالكيفية التي تتم في الصالونات، وأخذت ست قطع عميقة المحتوى في تناولها، مكانها في الفضاء الأمامي للمعرض الذي يتكوَّن من طابقين عُلوِيين. وتتراوح الأعمال المشاركة بين عدد من الأجيال منها، لوحة تعود إلى العام 1985 لكلب شرطة يسيل لعابه في جنوب إفريقيا، أنجزها جيري كيرنز، ونحت يعود إلى العام 1993 لميل شين والذي حوَّل فيها هراوة الشرطي إلى ميكروفون لمغني راب، وكذلك تدوينات الفنانين الشباب مثل: فيث بريغز، إليوت براون ومايا ماكرانديلال، والذين يظهرون في نيويورك للمرة الأولى.

عدد كبير من اللوحات والرسومات تكذِّب الشكاوى المتعلِّقة بوضعيات الفقد والخسارات والاستضعاف تحملها تلك النماذج، في حين بدتْ غلبة العمل المجازي، متمثِّلة في الترحيب بمغادرة الجنون الحالي الذي تشهده أميركا، وتلك هي خلاصة للأعمال.

وغني عن القول، إن كثيراً مما تضمَّنه المعرض هنا

- موضعياً - هو على درجة تلتقي مع أهدافه. (واحدة من بين عدد قليل من اللوحات التجريدية، منها عمل أنثيا بيم، تم إنجازه برذاذ الفلفل).

شارك العديد من الفنانين وهم: ألبرت أريزاغا، منسا كوندو، أشلي سمبسون، رودي شيفيرد، ساهموا بلوحات فنية تحمل صور مايكل براون.

لا أستطيع التنفس

الكلمات الأخيرة التي تم تسجيلها لغارنر كان نصها: «لا أستطيع التنفس»، وحدثت اختلافات حول نصيّتها، وتم تعميم الكلمات تلك مثل تعويذة. الكلمات نفسها، ظهرت كعنوان رئيس في صحيفة تم تلطيخها على كرسي من خلال لوحة زيتية أنجزتها ساندرا كوبونين؛ علاوة على عبارات كتبت على طبقات وتبدو في هيئة تقترب من درجة الطمس من خلال طباعة رقمية أنجزتها جيسيكا غورينغ. وفي «مربَّعات الحوار» التي حوَتْ سرداً رائعاً متعدِّد الأجزاء، رسم نفَّذه راشد جونسون، الذي أرسل القطعة من سجن في تكساس حيث يقضي عقوبته هناك.

عمل جونسون، الذي جاء في الوقت المناسب، يفتح العرض على سجلاِّت من تلك الحكايات.

الوجه/ الوردة

وجه ترايفون مارتن المقنَّع، يلوح مثل وردة عملاقة، عمل تم إنجازه في العام 2013، لأماندا باراغري وهو من «الكولاج» المجمَّع من ملصقات زجاجة أريزونية (نسبة إلى أريزونا) ومغلَّفة بعدد من القناني خشبية. وفي العام 2004 هنالك فيلم كتبه تامي غولد، يتناول قصة ثلاث أمهات لضحايا اعتداء الشرطة وهم: أنتوني بايز، أمادو ديالو وغاري بوش، يقفن جنباً إلى جنب مع صور لأطفالهن.

تسييس البورتريه الرئيسي هو أيضاً محور المعارض في أمكنة أخرى من نيويورك. في لوحات و «جوه الرجال» لتيتوس كابار في متحف محترف الفن بمنطقة هارلم؛ إذ حملت جميع الموضوعات اسم «جيروم» ولكن الصور لأشخاص مختلفين.

قبل بضع سنوات، وعند البحث في الإنترنت عن سجلاِّت سجن والده، خرج الفنان كابار، عبر موقع خاص بلقطات سجلاِّت الشرطة، بصور لرجال سود تم إلقاء القبض عليهم مؤخراً، وكل منهم كان يحمل اسم والده. وقام برسم الوجوه على خلفية ذهبية، تذكّر بالأيقونات البيزنطية، وعمد إلى غمسها في القطران بما يكفي لتغطية الفم، والتعتيم على الملامح، ولكن العمل يشير أيضاً إلى حقيقة ووضعية الصمت السياسي الخانق الذي تفرضه نسبة عالية من الرجال السود في السجن.

بين الناس الذين رأوا «مشروع جيروم» في متحف محترف الفن، محرر الصورة لدى مجلة «تايم» الأميركية، والذي قام بعد ذلك باعتماد الفنان ليكون «شخصية العام» لغلاف المجلة في العام 2014. العمل الفني «شخص»، تم تكريمه، وهو في نهاية المطاف عدْوٌ إلى الداخل، وبمثابة عمل جماعي واحد: حيث المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشوارع في «فيرجسون». (أحدهم الفنان داميان ديفيس، عن عرْض «صفعة ميلون»).





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً