العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ

الحقوق الاجتماعية وإشكالات الديمقراطية والحركة الاجتماعية البديلة للعولمة

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في مقاربة لما عرضه المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبدالصمد، في ورقة بعنوان «الحركة الدولية من أجل عولمة بديلة - الحركة الاجتماعية العربية وملامح الدور المستقبلي»، وذلك في الملتقى السابع لجمعيات وروابط الاجتماعيين في دول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في مملكة البحرين، في 1 و2 ديسمبر/ كانون الأول 2003، وتحت شعار «الديمقراطية الاجتماعية والعنف»، نقول في مقاربة ما بين تلك الورقة والأخرى التي قدمتها ابتسام الكتبي من جامعة الإمارات العربية المتحدة، والتي تركزت على اشكالية العنف السياسي والديمقراطية: نتوصل إلى وجود المشترك والمؤتلف بين الظروف والمتغيرات الموضوعية والذاتية لمجتمعاتنا، والتأثيرات الواضحة لتلك الظروف على مسيرة الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وخصوصا ما تعلق منها بنتائج ظاهرة العولمة، فزياد عبد الصمد يرى أن الرد على نتائج العولمة التي أطاحت بإنجازات القرن العشرين التي تحققت بفضل نضالات الشعوب وخصوصا في مجالات حقوق الإنسان قد ولد حركة دولية بديلة وأكثر إنسانية انخرطت تحت مظلتها المنظمات السياسية والحركات الاجتماعية والاتحادات العمالية والنقابية والمنظمات غير الحكومية والأطر النسائية والبيئية والشبابية وشملت بلدان الجنوب والشمال على حد سواء، وما ساهم في ذلك اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء في العالم، وزيادة تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلدان النامية، إذ انعكس في زيادة معدلات الفقر والبطالة.

ويضيف أن الأحزاب السياسية والحركات العمالية والنسائية والشبابية والأحزاب والجمعيات البيئية قد ساهمت في نمو وتوسع هذه الظاهرة على رغم الجدل الدائر حول نشاطها في الأطر التنظيمية للحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية.

فقد برزت نشاطات هذه الحركة في أشكال المظاهرات والاحتجاجات ضد الدول الأكثر غنى والتي تسعى إلى فتح أبواب أسواق البلدان النامية أمام منتجاتها وحركة رؤوس أموالها بمعزل عن الآثار السلبية وانعكاسها على شعوبها، كما طالبت الحركات الاجتماعية برفض اتفاقات التجارة الحرة للأميركيين والمطالبة باعتماد سياسات لصالح الفقراء ولتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى عقد المنتديات الموازية التي تسعى من خلالها المجتمعات المدنية في العالم إلى رفع التوصيات وبلورة رؤيتها وتوجهاتها البديلة وصوغ خطط وبرامج عمل بالإضافة للفعاليات المواكبة للمؤتمرات والقمم الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة عن قضايا التنمية المستدامة والمرأة وحقوق الإنسان والزراعة والغذاء والتكنولوجيا. وترى الحركة أنه من الأهمية بمكان توسيع دائرة المشاركة في وضع الخيارات ورسم الاستراتيجيات وتطبيقها من خلال اعتماد آليات محلية ودولية ديمقراطية تضع قضايا حقوق الإنسان والتنمية في صلب أهدافها وتوجهاتها.

بيد أن الحركة الاجتماعية العالمية، والقول مازال لزياد عبد الصمد، تعتقد بإمكان قيام عالم آخر يرتكز على العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وهذا يتطلب وضع آليات مساءلة للشركات المتعددة الجنسية وإعادة تحديد دور المؤسسات المالية والتجارية الدولية والتزام الدول الغنية بتقديم المساعدة للبلدان النامية لتجاوز الصعوبات البنيوية والهيكلية والإدارية والسياسية التي تشكل عائقا أمام تطورها وقدرتها على تجاوز أزماتها والالتزام بسياسات وآليات ناجحة لمكافحة الفقر ضمن رؤية تنموية شاملة، ويستكمل، بأنه في ظل الصراع العالمي المحتدم بين قوى الليبرالية الجديدة الساعية إلى الهيمنة من جهة، والحركة الاجتماعية العالمية الساعية إلى تحقيق العولمة الاجتماعية من جهة ثانية، تتفاقم أزمات العولمة لتتخذ أشكالا مختلفة للتعبير عن نفسها.

ويجد كذلك أن مسألتي الإرهاب والأمن في العالم تحتل موقعا محوريا في برنامج الحركة الدولية من أجل عولمة بديلة، إذ هي تدعو إلى إيلاء القضايا الاجتماعية اهتماما أكبر تلافيا لتنامي الإرهاب، إذ ثبت أن جذور هذا الأخير تكمن في غياب العدالة الاجتماعية وانتهاكات حقوق الإنسان، فتحقيق العدالة الاجتماعية يشكل بذاته الحرب على الإرهاب ويثمر أمنا واستقرارا وسلاما.

ويستنتج، أن الوهن قد أصاب الحركة السياسية والاجتماعية في العالم العربي، نتيجة عوامل موضوعية منها غياب الممارسات الديمقراطية ثقافة وتقليدا، وتسلط الأنظمة التوتاليتارية والقمعية وانتشار ظاهرة الفساد، إضافة إلى العوامل الذاتية المتمثلة في غياب المراجعات النقدية الجريئة عن هذه الحركة، وتهميش المطالب الاجتماعية والدفاع عن مصالح الفئات الشعبية وتغليب الصراع الفكري والقومي، فضلا عن انتشار ظاهرة عبادة الفرد على حساب تداول مواقع القرار والشفافية والمساءلة والمحاسبة، ويقول إن ارتقاء الحركة الاجتماعية في العالم العربي يعني أن تضع في أولويات أهدافها إقامة أنظمة ديمقراطية تؤمن بمشاركة المجتمع المدني في رسم السياسات الاجتماعية والاقتصادية وتضع آليات تحمي المؤسسات المدنية والسياسية والأحزاب والجمعيات والحركات الاجتماعية وتعتمد قوانين انتخابية تفسح المجال أمام التداول السلمي للسلطة وتحترم استقلالية القضاء وتعتمد آليات محاسبة حقيقية تجعل من المراقبة والمساءلة أدوات تغيير حقيقية في المجتمع.

من هذه المنصة، نستطيع ملاحظة التلاقح بين الأفكار والآراء السابقة وجوهر ما تناولته ابتسام الكتبي عن أنماط العنف السياسي التي تكمن وراءها أسباب ودوافع إما أن تكون سياسية تتمثل في استبداد النظام السياسي ودكتاتورية الحكم وانعدام المشاركة الشعبية، وحرمان القوى السياسية من حرية العمل والتعبير، علاوة على افتقاد المؤسسات الشرعية واعتماد الدولة على الأساليب القهرية في تعاملها مع المواطنين، وانسداد آفاق التغيير التي تولد الإحباط وانعدام القدرة على تغيير السلطة أو تداولها بطريقة سليمة، وإما أن تكون أسبابا اقتصادية تتمثل في غياب العدالة الاجتماعية وتزايد التفاوت الطبقي وعجز الدولة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن كالعمل والتعليم والإسكان والعلاج، وإخفاق التنمية واحتكار السلطة، فضلا عن الأسباب والدوافع الفكرية التي يعبر عنها بتزايد السخط وعدم الرضا من الجماعات السياسية بسبب افتقاد السلطة للشرعية أو المشروعية، والأزمة الحضارية أو ما سمتها أزمة الهوية، وتبعية النظام السياسي للخارج والتفريط بالحقوق القومية أو الوطنية أو الإسلامية والعجز عن صيانة الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي للبلاد.

وإذ إن العوامل مترابطة مع بعضها البعض فقد أبرزت الكتبي غياب الحريات الاجتماعية التي أدت إلى ظهور القوى المهمشة التي تعيش الاغتراب وتشعر بعدم اكتراث السلطة لمصيرها وإهمالها، واستشراء الفساد الأخلاقي والقيمي وسيطرة ثقافة الاستهلاك، وعجز الدولة عن استيعاب واحتواء القوى الاجتماعية الجديدة، وترى أنه حتى مع اتباع السياسات التوزيعية التي سلكتها بعض الحكومات في منطقة الخليج، والتي ربما أدت إلى انخفاض أعمال العنف السياسي في بعض الفترات، إلا أن عمليات التنمية والتحديث قد أفرزت بعض الظواهر التي من شأنها أن تزيد من احتمالات التوتر وعدم الاستقرار، ومن أبرز هذه الظواهر التي تحدثت عنها، بروز شرائح اجتماعية وسطى جديدة وعالية التعليم، لا يستوعبها الجهاز الإداري والاقتصادي، وقد تشكل مصدرا للقلق السياسي المستقبلي، وذلك لسبب رئيسي، هو عدم اقتناعها بأدوار وظيفية تنفيذية في الإدارة والاقتصاد من دون المشاركة في الحياة السياسية وعملية صنع القرار، أما المظهر الآخر فهو عمليات التنمية والتحديث السريعة التي أوجدت مجموعة من التناقضات والاختلالات في هذه المجتمعات التي من الممكن أن تمثل مصادر للتوتر وعدم الاستقرار في المستقبل.

واستكملت ابتسام الكتبي تحليلها ورؤيتها في الإجابة على سؤالها: ما العمل؟ بالقول: إن الانفتاح السياسي الحقيقي في هذه الدول واتخاذ خطوات جادة على طريق بناء دولة المؤسسات والقانون، وتطبيق سياسيات مدروسة للإصلاح الاقتصادي، وإصلاح الإدارة ومحاربة الفساد وتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي بين دول مجلس التعاون الخليجي، كل هذه الأمور تعتبر من المتطلبات الأساسية لتعزيز الشرعية السياسية وتحقيق الاستقرار ومحاصرة المصادر المحتملة والكامنة للتطرف والعنف في المنطقة، ففي المجال السياسي، يتطلب الوضع إشراك المواطن في الحكم وصناعة القرار، وفي المجال الاقتصادي لابد من التعامل مع قضية التنمية الاقتصادية وأبعادها بما يحقق العدالة الاجتماعية، أما في المجال الاجتماعي فهناك حاجة ماسة إلى تطوير قوى ومكونات المجتمع الأهلي في القضايا الاجتماعية كافة وألا تربط بالتشكيلات الرسمية أو القيود، وبما يعني ويضمن إنهاء الوصاية الفوقية عليها.

وفي نهاية المطاف، ستبقى الحقوق الاجتماعية والسياسية هي الجسر الرابط بين تحليل ورؤية زياد عبدالصمد، وابتسام الكتبي، وهذا ما يشكل هاجسا مجتمعيا مقلقا يتيقظ كلما لاحت في أفق مجتمعاتنا العربية أية أزمات طارئة، ويبقى معها المواطن العربي، متحفزا بفعل المعاناة والحرمان وانتقاص الحقوق والكرامة على جميع المستويات، أشبه ما يكون بالنار والوقود الكامن تحت رماد الواقع المختل بفعل التناقضات والصراعات والتباينات بين القوى الاجتماعية والسياسية في المجتمع، القوية منها والمغلوب على أمرها

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً