العدد 4570 - الخميس 12 مارس 2015م الموافق 21 جمادى الأولى 1436هـ

دروس من تجربة «موتورولا»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لماذا لا تتصدر شركة موتورولا صناعة الهواتف الذكية، بينما كانت هي أول من صنّع هاتفاً نقالاً في العام 1973؟ الإجابة عن هذا السؤال توضح الخلل الذي تقع فيه المؤسسات العظمى، والتي تعتقد أنها محصنة من المتغيرات في بيئتها.

بداية، فإن «موتورولا» تعتبر واحدة من الشركات الأميركية العظيمة التي تأسست في 1928، فهي التي اخترعت الراديو في السيارة، واخترعت أجهزة «ووكي توكي»، وزوَّدت «ناسا» بمعدات الاتصالات منذ نهاية الخمسينات، وكان الاتصال من القمر بعد الهبوط عليه في 1969 اعتمد على أجهزة «موتورولا». وهي أول من اخترع هاتفاً نقالاً في 1973، وصنعت التلفزيون عالي الجودة HDTV، وكمبيوترات اللابتوب، واتصالات الوايرلس، وهي التي ابتكرت نظرية إدارة الجودة «6 سيغما»، إلخ.

في منتصف التسعينات من القرن الماضي كانت قيمتها في السوق نحو 150 مليار دولار، ولكن في العام 2011 سجلت الشركة خسائر فادحة، وتم تقسيمها إلى شركتين، وهما «موتورولا سوليوشنز»، و»موتورولا موبيليتي». وفي مطلع 2012 اشترت شركة غوغل «موتورولا موبيليتي» لدمجها في مؤسستها الكبيرة بقيمة 12.4 مليار دولار... غير أنه وحتى شركة غوغل الناجحة لم تستطع إنقاذها وباعتها في نهاية 2014 إلى الشركة الصينية «لينوفو» بقيمة 2.9 مليار دولار.

كما في تاريخ شركات عملاقة أخرى (مثل ليمان براذرز وجنرال موتورز)، فإن النجاح الكبير يمكن أن يؤدي إلى متاعب كبيرة. فشركة موتورولا كانت معروفة بثقافة تحث على المخاطرة، والاستثمار في التدريب والتطوير، وكان لها ولاء وإصرار موظفيها على النجاح.

سنواتها الأولى تمثلت في الابتكار دون توقف، وتم اختراع الكثير من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وكانت تتسيَّد السوق، ولا يوجد لها منافس. ولذا قامت قيادة الشركة حينذاك بخلق ثقافة للتنافس الداخلي بين قطاعات وإدارات الشركة من أجل تحفيزهم على الأداء. وقد ساعدت المنافسة الداخلية في إحداث طفرة في قطاعي الاتصالات وأشباه الموصلات.

ثقافة «موتورولا» كانت تصرّ على التنافس الداخلي والابتكار والجودة، وكانت أول شركة أميركية عملاقة تتمدد في الصين منذ 1980، وقد وافق المسئولون الصينيون حينها لـ «موتورولا» بالعمل في الصين بشرط تعليم موظفيها والموردين الصينيين كيفية صناعة منتجات ذات جودة على الصعيد العالمي.

بعد رحيل الجيل الريادي من قيادة الشركة في 2004، تحولت ثقافة التنافس الداخلي إلى «الاقتتال الداخلي المدمر»، وهو ما سمِّي بـ «عهد القبائل المتحاربة» داخل الشركة. وبينما كانت «موتورولا» منشغلة بخلافات إداراتها وقطاعاتها الداخلية، لم تلتفت إلا وشركة «نوكيا» من بلد صغير (فنلندا) تغزو سوق الأجهزة الرقمية. وفي 1997 تخطت «نوكيا» شركة موتورولا كأكبر صانع للهاتف المحمول في العالم من حيث الحجم، واستمر هذا الوضع للسنوات الـ 15 المقبلة إلى أن برزت «أبل» لتتسيَّد سوق الهواتف الذكية. وفي مطلع 2012، اشترت غوغل «موتورولا موبيليتي» وحاولت تغيير ثقافتها ودمجها في غوغل، ولكنها فشلت في ذلك، وباعتها في 2014 إلى شركة «لينوفو» الصينية. الغرور الذي أصاب الشركة واعتقادها بأنها كانت الأفضل وستبقى الأفضل، واشتعال الخلافات الداخلية أدى لاختفائها من السوق التي كانت هي التي أسست جذور النجاح فيها.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4570 - الخميس 12 مارس 2015م الموافق 21 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 3:37 م

      الجيل القديم هو المشكلة

      مقال جميل يا دكتور، بحسب سردك للتاريخ يتضح أن المؤسسين لهذه الشركة و الفاعلين فيها لم ينقلوا ثقافتهم لمن يأتي بعدهم لهذا السبب التطور و التحدي يختفي، و عندنا وزارة التربية و التعليم في البحرين شاهد عندما تولى الوزير الجديد المهمة من الوزير السابق، بقت الوزارة على ما هي عليه مع توفر الموارد لكن الثقافة التي كانت تسير الوزارة أختفت.

    • زائر 16 | 2:06 م

      الرصاصي لوني المفضل

      الخلافات عندما تنشب بين أي جماعة ما فإنها وما من شك تعصف بها وتفرقها وتقضي عليها، وهي ليست قاصرة على الشركات انما تنال من أصغر جماعة كالأسر وتؤدي الى تفكيك دول كما حدث للخلافة الاسلامية عندما تفتت الى دويلات كالدولة الفاطمية ودولة الادارسة .... وووالخ. والحل للنجاة هو في محاولة الاتفاق وبذل كل المحاولات والتواصل المستمر لحل اية إشكالات بين أي مجموعة

    • زائر 15 | 12:34 م

      أين جوهر الخلل ؟

      شكراً دكتور لطرحك هالموضوع الجميل
      واضح إن المشكلة في ظاهرها هي حالة الـ «عهد القبائل المتحاربة»
      السؤال هو: هل كانت موتورلا غير واعية ومدركة إلى أهمية تفادي هذا النوع من المشاكل
      فكرة إن التحدي هو ليس الوصول للقمة بل البقاء فيها أعتقد واضحة .. فليش هم ما فكروا فيها ومنعوا من اللي صار إنه يصير ؟
      الأمر مشابه حالياً لأبل وهي متزعمة للسوق، هل يعقل إن إدارييها سوف يسمحون بأخطاء مشابهة عندهم ؟

    • زائر 14 | 10:44 ص

      عامل سابقا في موتورلا

      دكتور ،انا كنت اعمل في موتورولا اكثر من ثلاث سنوات ،،اسوأ مرحله عاصرتها معهم عندما استحوذت العمالة الباكستنيه والهندية في اقسام الاداره ،وبدأ الفساد الاداري فيها ظاهره .والتمييز صفه ملاصقة بهم ،،مما كان مناقض في السنوات الاولي عند العمل لديهم ..فكان الاداره الامريكيه تقدر الموظف وتحاول تطويره ..لكن انقلب الفكر وادي الي الانحدار في الجود،اول من ابتكر مبدا 6سيجما في فنون الاداره هي موتورولا،للاسف دمرت ،واحد اسبابها دخول عمالها هما المال والعنصرية ،،مهندس عاش تجربه في شركه موتورولا،

    • زائر 13 | 3:29 ص

      لؤلؤة الخليج

      نعم كانت لؤلؤة الخليج وعروسه ... اصبحت اليوم في المؤخره تشتكي من الامراض والمشاكل والله يستر بعد وين بتنتهي!!

    • زائر 8 | 2:57 ص

      Great article

      Realy great article with deep message.

    • زائر 6 | 12:51 ص

      آخر سطر

      الشاطر اللي يفهم ثنايا آخر سطر و يقرأ معناه بسن الحروف

    • زائر 5 | 12:00 ص

      شكرا دكتور على هذا المقال ذي المغزى

      دائما في كل موقع الغرور والتشبث بالأنا لايؤدي إلى الإيجاب بل العكس ربما هذا التشبث يهدم كل مابنيته منذ سنوات في لحظة غرور والله يكفينا شر هذا المرض

    • زائر 4 | 11:47 م

      الرسالة وصلت

      الرسالة وصلت يادكتور لكني ساحاول الاستفادة من المعلومات القيمة التي طرحتها في عمودك حيث ارى انك لم تتطرق الى العملاق الجديد والذي اصبح مسيطرا على السوق العالمي منذو عدة سنوات الا وهو samsung الكوري

    • زائر 1 | 11:27 م

      هناك من لا بعقل

      دكتور
      المشكلة فى من يقرأ التاريخ ولا يعي!
      التغيير سنة كونية

اقرأ ايضاً