العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ

تحقيق الكونغرس حول «جنرال موتورز»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في العام الماضي استدعت شركة «جنرال موتورز» ملايين السيارات (من نوع شيفروليه، كوبالتس، بونتياك) بهدف استبدال مفاتيحها المعيبة... وأجرى الكونغرس الأميركي تحقيقاً حول الموضوع. وبحسب «وول ستريت جورنال» في (16 مارس/ آذار 2015)، فإن عدد الذين قتلوا ما بين 2001 و2005 بسبب عطب في نظام الاشتعال (مفتاح تشغيل لبعض أنواع السيارات) قد يرتفع إلى 67 شخصاً.

لكن كيف وصلت هذه الشركة العملاقة الى ما وصلت إليه؟

«جنرال موتورز» تأسست في 1908 في مدينة ديترويت بولاية ميتشيغان الأميركية، لتصميم وتصنيع وتسويق وتوزيع المركبات والسيارات وقطع الغيار، وتربعت على عرش صناعة السيارات، وكانت الأولى في العالم من حيث المبيعات لمدة 77 عاماً متتالية، من العام 1931 حتى العام 2007. وبحسب مجلة «فوزربز» في يوليو / تموز 2014، فقد نزلت مرتبة «جنرال موتورز» الى المركز السادس عالمياً في صناعة السيارات، من حيث الحجم.

في 2009 كانت الشركة قد أعلنت إفلاسها، وسارعت الحكومة الأميركية إلى إنقاذها عبر ضخ 33 مليار دولار في موازنتها. وقدرت قيمة ممتلكاتها عند الافلاس بنحو 82 مليار دولار، بينما وصلت ديونها إلى نحو 173 مليار دولار. وفي 2013 وصل مجموع المساعدات الحكومية لـ «جنرال موتورز» إلى 51 مليار دولار، واسترجعت الحكومة 39 مليار دولار، وكان التبرير أن ذلك حمى 1.2 مليون وظيفة تعتمد على وجود «جنرال موتورز» (عدد موظفي الشركة عالمياً 212 ألف شخص).

المفاجأة كانت في ابريل/ نيسان 2014، عندما فتح الكونغرس الأميركي تحقيقاً حول نظام الاشتعال ignition system الذي اعتمدته الشركة في بعض سياراتها وتسبب في مقتل أشخاص ما بين 2001 و2005، ودفعت الشركة غرامات بسبب الخلل، والحكومة الأميركية قد تفرض المزيد من الغرامات التي قد تصل إلى 300 مليون دولار.

في يونيو/ حزيران 2014 أقالت الشركة المهندس ريموند ديجيورجيو (بعد خدمة 23 سنة في الشركة) وذلك على خلفية هذه الفضيحة. المهندس - بحسب التحقيق - وافق على استخدام نظام الاشتعال المذكور في 2001 ولكنه - لسبب ما - حاول تغييره بعد ذلك. غير أن المسئولين في أعلى الهرم رفضوا ذلك، ما اضطره إلى تغيير التصميم من دون رخصتهم في 2005.

واكتشف تحقيق مستقل (من خارج الشركة) أن وفيات لسائقي تلك السيارات حدثت بين 2001 و2005 بسبب خلل في نظام الاشتعال.

عندما حصلت «جنرال موتورز» على مساعدة الحكومة في 2009 كانت قد وعدت بتحويل ثقافة الشركة من «ثقافة الكلفة» إلى «ثقافة خدمة الزبائن». غير أن تحقيق الكونغرس اكتشف أن الشركة لم تحرك ساكناً لمدة 11 عاماً (حتى 2012) إلا عندما اكتشف خلل نظام الاشتعال طرف ثالث (من خارج الشركة) يمثل عوائل الضحايا، وأن «ثقافة الكلفة» لم تتغير، إذ لم تهتم الشركة بالزبائن إلا تحت ضغط التحقيق والغرامات.

كما اكتشف التحقيق أن عدم قدرة موظفي «جنرال موتورز» على معالجة مشكلة مفتاح الإشعال يمثل تاريخاً من الإخفاقات. فقد كان جميع من عمل على مشكلة مفتاح الإشعال لديهم صلاحيات كافية لإصلاح الخلل، إلا أنه لم يتخذ أي واحد منهم القرار الحاسم ولم يتحمل أحدهم المسئولية بصراحة وفاعلية. فقد اشتغل على هذا الموضوع مهندسون، ومحققون ومحامون - لكن لم يطرح أحد منهم المشكلة على أعلى المستويات في الشركة ولم يحلوها بأنفسهم. وخلص التحقيق إلى أنه من البداية إلى النهاية فإن الإجراءات مليئة بالفشل، وهذه أدت إلى نتائج مأساوية بالنسبة إلى الكثيرين.

تحقيق الكونغرس أشار الى «ثقافة سامة» داخل الشركة منعت إثارة القضايا أو معالجة المشاكل. ووصف أحد الشهود ظاهرة GM Salute، وهي أن كل مسئول يضرب تحية للآخر ولكن كل واحد منهم يتجنب المسئولية، ولسان حاله يردد: «إن المسئولية تقع على شخص آخر».

وكشف التحقيق عن انتشار ظاهرة GM Nod، وهي ظاهرة الإيماء بالموافقة أثناء الاجتماعات من دون أن تترجم تلك الإيماءة الى عمل تصحيحي... فعندما يومئ الجميع بالاتفاق على خطة العمل المقترحة، تراهم يخرجون من الاجتماعات من دون نية للمتابعة.

كما قال تحقيق الكونغرس إن الشركة مبتلاة بانتشار «ظاهرة اللجان»، إذ مرت هذه القضية على عدد مذهل من اللجان، وتم اقتراح الحلول بعد الحلول لكنها ماتت في اللجان ذاتها، من دون تحديد هوية صانع القرار الفعلي.

وبينما تقول الشركة إنها لا تهتم بالكلفة عندما يتعلق الأمر بالسلامة، اكتشف التحقيق رسالتان من الإدارة العليا تقول: «الكلفة هي كل شيء»،مما يشير ثقافة متغلغلة في نسيج الشركة لم تتغير.

وخلص التحقيق إلى أنه لم يوجد في الشركة استعجال لحل المشكلة على رغم تعرض سلامة الزبائن للخطر، وأنه كان هناك عدد كبير من الناس (15 شخصاً) ممن تعاملوا مع المشكلة لكن من دون نتيجة إيجابية، ما يعزز القول إنها مشكلة تتعلق بثقافة المؤسسة السامة.

وقد وصفت «نيويورك تايمز» سبب المشكلة في تقرير لها بتاريخ (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014) «بيروقراطية مختلة وثقافة سامة».

الرئيس التنفيذي لجنرال موتورز «ماري بارا»، وهي أول امرأة تتسنم مثل هذا المنصب، أصبحت المسئولة الأولى في الشركة نهاية 2013، وكانت هذه أكبر مشكلة تواجهها في بداية رئاستها، وقالت أمام لجنة تحقيق الكونغرس «سنبذل كل ما في وسعنا للتأكد من أن مثل هذا لن يحدث أبداً مرة أخرى... ونحن سوف نفعل الشيء الصحيح بالنسبة لأولئك الذين تضرروا».

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4577 - الخميس 19 مارس 2015م الموافق 28 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:49 ص

      احمد

      كنت اعمل في شركه اتصالات اذا حصلت مشكله علي طول المدير يحط المسوليه علي الموظفين او علي المسوءل الي سبقه

    • زائر 5 | 3:56 ص

      تأتى المشكلة من تراكم الاخطاء

      هكذا هو الحال حتى فى شركات الطيران العملاقة تكون الكوارث احيانا بسبب تراخى فى استبدال قطع الغيار او ترقيع المشكلة دون اصلاحها جذرياً او تأجيل المشاكل البسيطة الى وقت اخر وتكون الفضيحة فى الذروة عندما تتكشف جهات التحقيق ان سبب التأجيل هو نوع من البيروقراطية فى سير عملية الصيانة !
      11 عاما تعنى ببساطة اخفاء المشكلة تحت البساط وامر اخر ليس هناك من يريد ان يتحمل المسؤلية , والاخطر ليس هناك من عندة الشجاعة لكشف المشكله للعلن

    • زائر 4 | 2:55 ص

      وهكذا

      وهكذا جميع مصنعي السيارات او الغالبية الساحقة الكلفة اولا وسلامة الركاب اخيرا.

    • زائر 3 | 2:40 ص

      دروس مجانية

      واللهِ مقالاتك تقدم دروس مجانية ليستفيد منها من يحب الوطن

    • زائر 1 | 11:27 م

      آه يازمن

      مثل الي صاير في الشركه التي اعمل فيها وأرجو من الله ان يحفظ الزبائن والعمال

اقرأ ايضاً