العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ

حتّى لا ينحرف الحل عن مساره

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

كما اهتزّ العالم بأسره في مطلع الألفية الثالثة لحوادث تفجيرات برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، اهتزّ الفكر السياسي العربي مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بحدث لاتزال أصداؤه إلى اليوم، ألا وهو سقوط أنظمة حكم استبدادية متغطرسة في لحظة تاريخية، وبسرعة فائقة لم تستشرفها أحدث الدراسات ولا أكبر مراكز البحوث الاستشرافية العالمية. لكن كيف حاد قطار الثورة العربية عن مساره؟ وما منطق الحل الملائم للظاهرة الإرهابية؟

قد يكون الأسبوع الماضي من أشد الأسابيع دموية في العالم العربي من مغربه إلى مشرقه؛ فبعد حادثة متحف باردو في تونس يوم الأربعاء الماضي، التي راح ضحيتها أكثر من عشرين سائحاً، ها هي اليمن تدفع فاتورةً أخرى، وتحصد جراحات وآلاماً حيث سقط 142 قتيلاً ومئات الجرحى في مساجد صنعاء بتفجيرات استهدفت الأبرياء. وفي الحالتين، التونسية واليمنية، يتباهى تنظيم الدولة (داعش) بتبني هذه الأعمال «الإجرامية»، لكن هل اعتماد التنظيمات الإسلامية المتشددة نهج القوة المسلحة في تعاطيها مع الشأن السياسي والاجتماعي أمر جديد جاء مع «القاعدة» أو «تنظيم داعش»؟

لا شك أن العامل الديني كان وازعاً لكثير من حركات التحرر الوطني في العالم العربي الإسلامي، تلك الحركات التي قادت شعوبها لنيل استقلالها، ثم انخرطت في بناء الدولة. غير أنّ العديد من أنظمة الحكم في الدول العربية ظلت في صراع مع بعض التنظيمات ذات الطابع الجهادي المتشدّد كما حصل في مصر (اغتيال السادات).

ولا أحد ينسى العشرية الدموية السوداء في الجزائر بعد أن تدخل الجيش للحيلولة دون وصول «جبهة الإنقاذ» للحكم، فارتفع صوت السلاح على صوت الحوار والديمقراطية المنشودة آنذاك، وراح ضحية هذه الصراعات ما يربو عن 100 ألف قتيل. ورغم مبادرة المصالحة الوطنية فإن إصرار الجماعات الإسلامية المتشدّدة على رفع السلاح دفعهم إلى التحصن بالصحراء وإعلان ما يعرف بـ «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي» لتتواصل حكايتهم إلى اليوم.

كما كانت اليمن ولاتزال تربةً خصبةً استعصمت بجبالها عناصر من تنظيم «القاعدة» ونسجت علاقات مع الجماعات الخارجة عن سلطة الدولة والمتحدية لها، ولا تزال اليمن بعد الإطاحة بنظام علي عبد الله صالح أرضاً خصبة لاستزراع مثل هذه الكيانات الجهادية.

وأمّا سورية فبعد الصراع الدموي في حماة العام 1981 ها هي تنحرف بثورتها السلمية إلى حرب أهلية وطائفية وصراع إقليمي استطاعت معه مجموعات جهادية متشددة اقتطاع جزء من أرض سورية لإقامة ما يسمى بـ «الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام»، وتعلن الخلافة الإسلامية ويبايعها الشباب المسلم في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

كما لم تسلم تونس، رغم تماسك نسيجها الاجتماعي ومرونة طبقتها السياسية ونجاح تجربتها الديمقراطية الوليدة... لم تسلم من عمليات استزراع هذه الكيانات الجهادية، وهو ما يشكّل خطراً على مسارها السياسي ونموها الاقتصادي. أما الحالة الليبية فقد سمح امتدادها الجغرافي وامتلاك الجميع للسلاح والمال، وعجز أي حكومةٍ عن السيطرة على كامل البلاد... سمح كل ذلك بانتشار أعمال إرهابية اختلط فيها الحابل بالنابل، وضاعت فيها الثورة على نظام القذافي.

ولئن كانت الظاهرة الإرهابية المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة منتشرةً في المكان ممتدةً تاريخيا، فإنها قد وجدت في اللحظة التاريخية الراهنة التربة الخصبة خصوصاً في الدول التي حدثت فيها تغييرات سياسية إثر موجة الربيع العربي، ما جعل سؤال الثورة ينحرف عن مساره؛ فبعد أن رفعت الشعوب في هذه الدول مطلب الكرامة والحق في العمل وحرية التعبير والديمقراطية... ها هي الأنظمة العربية والعالمية ترفع متحدةً مطلب القضاء على التنظيمات الجهادية وعلى رأسها «داعشط.

نعم لقد انحرف «تنظيم الدولة الإسلامية» بسؤال الثورة عن مساره وخلق هاجساً اجتمع حوله قادة العالم وشعوبها ألا وهو القضاء على الإرهاب. ولكن، كما انحرف «داعش» ومَن وراءه بسؤال الثورة وحادت به عن مسارها، يكاد ينحرف العالم اليوم بجواب الحل وبكيفية التعاطي مع هذه الظاهرة، حيث ينادي الجميع إلى القضاء على «داعش» عسكرياً، لكن السؤال: هل تمّ القضاء على «القاعدة» و»طالبان» بعد احتلال أفغانستان وغزو العراق؟ وهل انتهى فكر «القاعدة» بعد مقتل أسامة بن لادن؟

طبعاً لا، بل تحولت «القاعدة» من تنظيمٍ جرى إضعافه عسكرياً، إلى فكرةٍ انتشرت في أماكن عدة من العالم، لأن الفكرة لن تطالها الصواريخ ولا الدبابات.

لاشك اليوم أن الحالة في العديد من الدول العربية مستعجلة وتقتضي تدخلاً عسكرياً للحفاظ على أمن البلاد والعباد والأمن الدولي والإقليمي، لكن بشرط المحافظة على السيادة الوطنية لهذه الدول، وألاّ يُتخذ ذلك ذريعةً لاستنزاف طاقاتها واقتسام ثرواتها كما حصل في العراق وليبيا، وتلك معادلة صعبة.

إن شجرة التطرف الديني الذي يتخذ من الجهاد وسيلة لتحقيق أهدافه قد تذبل، وربما تبيد بالضربات العسكرية، لكن الفكرة تظل وإذا لم يقع تعديلها وتصويبها فإنها يمكن أن تنبت من جديد كلما توفر المناخ، فتثمر أشكالاً وكيانات أشد تعصباً من ذي قبل.

إن المعالجة الأمنية مطلوبةٌ، ولكن المعالجة الحقيقية هي إيقاف تمدّد أفكار التنظيمات الجهادية بإيجاد البدائل والحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحول دون تبنّي الشباب العربي لهذا الفكر المتطرف.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4581 - الإثنين 23 مارس 2015م الموافق 02 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:14 ص

      حتّى لا ينحرف الحل عن مساره

      خلاص انحرف ومال لمن له مال

    • زائر 5 | 4:19 م

      حتّى لا ينحرف الحل عن مساره

      مقال جيد أستاذ
      مشكور

    • زائر 4 | 5:26 ص

      من خطفها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      تحقيق مفتوح في جامعة الدول العربية من خطف هذه الثورات؟
      نبيل العربي سيجيب في القريب
      ولا قريب ولا من مجيب
      واحسرتاه على شباب قصفت أعمارهم

    • زائر 3 | 2:26 ص

      فعلاً مقال رائع ليتعض منه المتعصبين دينيا ومذهبيا 0915

      جميع الثورات في العالم نجحت واستقرت بلدانهم ونعمت بالديمقراطية إلا في عالمنا العربي والإسلامي انحرف الحل بسبب اختطاف هذه الثورات من التيارات الدينية والمذهبية وتحولت من طلب العيش بكرامة والمساواة والديمقراطية إلى تحارب وكراهية بين الشعوب دينيا ومذهبيا

    • زائر 2 | 12:59 ص

      مشكور

      ياريت يهتمون بمصارعة العقول وتطهيرها

    • زائر 1 | 11:27 م

      شكرا سا استاد مقال رائع

      إن المعالجة الأمنية مطلوبةٌ، ولكن المعالجة الحقيقية هي إيقاف تمدّد أفكار التنظيمات الجهادية بإيجاد البدائل والحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحول دون تبنّي الشباب العربي لهذا الفكر المتطرف.

اقرأ ايضاً