العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ

دعاة العنصرية والتمييز

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استن الأمين العام للأمم المتحدة الحالي بان كي مون، سنّةً جديدةً، باهتمامه بتعيين أيام محدّدة من العام، لإثارة موضوع معين يهم العالم المعاصر، شعوباً وحكومات، وفئات ومنظمات.

السبت قبل الماضي (21 مارس/ آذار 2015) تحدّث عن «اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري»، وهو موضوعٌ لايزال معاصراً حتى في دولة قانون ومؤسسات وديمقراطية عريقة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي استطاعت في لحظة تاريخية فارقة أن تتغلب على عُقَد خمسةِ قرونٍ من العنصرية والتمييز، وتنتخب أكثرية الشعب رجلاً من أصول إفريقية.

العنصرية آفة بشرية متأصلة، لم تنجح الأديان السماوية ولا المواعظ الأخلاقية في اجتثاثها من النفوس، حتّى داخل الدين الواحد، والبلد الواحد. وهي فلسفة منحرفة، وممارسة مريضة، تترك ندوباً غائرة في نفوس الضحايا، وكلما طالت ممارستها تم توريثها للأجيال التالية، وبالتالي تعقدت سبل معالجتها.

البيئات العنصرية المريضة تورّث الظلم والعنصرية واستباحة حقوق الآخر من جانب، ومن جانب آخر تورث نوازع مقاومتها الطبيعية لدى الضحايا. وحتى لو حصلت مصالحةٌ ما، فإن الرواسب تطفح على السطح كلما حصلت إثارةٌ ما، كما يحصل في الولايات المتحدة كل عدة سنوات، في صورة تفجّر الأعمال الاحتجاجية وما يرافقها من أعمال عنف، وآخرها أحداث مدينة فيرغسون، ما يدعو إلى التساؤل: أين كان يختفي كل هذا الغضب؟ وهل كانت المصالحات مجرد مرهم مخدر خادع؟ ولماذا لم تنفع مرور السنوات على اندمال الجروح، وتضميد حالات النزيف النفسي بعد عقود؟

بان كي مون، من موقعه المشرف على خارطة العالم، يقول إنه في كل يوم، يعاني أشخاص من جميع الأعمار من الكراهية والظلم والإهانة والتمييز، بسبب لون بشرتهم أو السلالة التي ينحدرون منها أو بسبب أصلهم الوطني أو الإثني، أو حتى الانتماء الديني والطائفي. و «هذا التمييز هو ما يرتكز عليه القمع والفقر والرق والإبادة الجماعية والحرب».

التمييز بشاعةٌ يرفضها الإنسان بفطرته، في أيّ بلدٍ وُلد وفي أية قارةٍ عاش. والإنسان السويّ، الحر، لا يقبل أن يمارس تمييزاً كما لا يقبل أن يُمارس عليه تمييزٌ أو يُعامل بعنصرية. وهو مفهومٌ عقلي واضح، حتى أيام الجاهلية، فالشاعر القديم كان قول:

ولا يقيم على ذُلٍّ يُراد بـــه إلا الأذلان... عير الحيّ والوتدُ.

فالشاعر العربي حتى في عصر الجاهلية، لم يكن في وارد تفكيره أن يقبل إنسانٌ بالذل والمهانة والتمييز، التي لا يقبل بها إلا الحمارُ ووتدُ الخيمة. وهو تصويرٌ بليغٌ استوحاه من بيئته حيث يمتد بصره. ولا يعني ذلك أن العنصرية لم تكن تُمارس في تلك الأيام، فهناك أعداد كبيرة من الرقيق الذين وُلدوا أحراراً، لكن الأنظمة والأوضاع والحروب والمجاعات حوّلتهم إلى عبيد. تماماً كما تفعل الحروب والظروف الاقتصادية والسياسية والاستبداد اليوم، في خلق هذه الموجات المتتابعة من اللاجئين وضحايا المتاجرة بالبشر والرقيق الأبيض.

بان كي مون (1944)، كان وزيراً للخارجية والتجارة الدولية في بلاده (كوريا الجنوبية)، ومثّلها دبلوماسياً في عدة بلدان، ومن واقع تجربته الممتدة نحو خمسين عاماً، يدعو إلى أن «نتعلم من دروس الماضي ونعترف بالأضرار الجسيمة التي نجمت عن التمييز العنصري، والحرص على حفظ الذاكرة التي تختزن الأخطاء التاريخية حتى يتسنّى لنا استخدام معارفنا من أجل القضاء على الإجحاف، وبث التسامح وعدم التمييز، واحترام التنوع ولصالح الجميع».

ويشير إلى أن هذا العام هو الذكرى الخمسين للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وخلال هذه الفترة شهد العالم نهاية الاستعمار وتفكك نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وبلدان إفريقية أخرى كانت تخضع لحكم الرجل الأبيض، مع ظهور حركة عالمية تدعو إلى المساواة. ومع ذلك فإن «التمييز العنصري، على نحو ما يشهد عليه التاريخ والأحداث الراهنة، مازال يشكل خطراً يهدّد الناس والمجتمعات في جميع المناطق. ولا يمكن بناء سلام دائم إلا على أساس تمتع جميع الناس بالمساواة في الحقوق والكرامة».

مثل هذه الأفكار الإنسانية البديهية الواضحة، ليست غريبةً عن حضارتنا، فنحن الذين شهدت منطقتنا تجربة المساواة الرائدة، بين الحبشي والرومي والعربي والفارسي، الذين انصهروا في بوتقة الرسالة الجديدة. ومن دواعي انتكاستنا الحضارية أن تتنابز شعوبنا اليوم بأصولها وعناصرها ما قبل الإسلام. وإذا كان للساسة أهدافهم في نشر الفتن وتشطير المجتمعات، فإن مصيبتنا الكبرى في نُخبنا وبعض مثقفينا وحملة الشهادات الأكاديمية، وبعضهم إسلاميون متنطعون وبعضهم ليبراليون أو ماركسيون سابقون... الذين تحوّلوا إلى دعاة ورعاة للعنصرية الجديدة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:27 ص

      أسوأ انواع العنصرية

      أسوأ انواع العنصرية هي العنصرية الطائفية. حتى الدين لا يردعها. لا اخلاق ولا مبادئ.

    • زائر 5 | 4:15 ص

      العنصرية

      اصبحت دين من دون الله. يتبعهم هؤلاء المتعصبون والطائفيون في هذه القنوات والجرائد المريضة.

    • زائر 3 | 1:40 ص

      التمييز والعنصرية لا تحتاج الى بان كيمون ولا غيره

      فلدينا ما يكفي ويزيد من العنصريين والتمييزين ما يكفي ويزيد وآخرها.................الرأي المطروح اليوم هو رأي واحد فقط بطول البلد وعرضها ويتفنون بالسب والشتم والأستهزاء والقانون المفصل معهم الق نظرة على باقي الصحف وسترى حجم النشوة التي يمتلكها العنصريين والتمييزين وهم يتكلمون مع انفسهم لأن الصوت الآخر ليس له الحق ان يبدي رأيه ( وهذا قمة التمييز والعنصرية )

    • زائر 1 | 11:56 م

      يجب سن القوانين

      التي تمنع التمييز وتتيح تكافؤ الفرص والله البحرين ستدخل في نفق لا تعرف كيفالخروج منه

اقرأ ايضاً