العدد 4588 - الإثنين 30 مارس 2015م الموافق 09 جمادى الآخرة 1436هـ

العالم «باردو»... معاً ضدّ الإرهاب

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لم يكن الأمر بالهيّن حين تُقرّر تونس أن تستقبل وفوداً دبلوماسية للمشاركة في مسيرة دوليّة ضدّ «الإرهاب»، بل هو نوعٌ من التحدي الكبير الذي استطاعت أن تكسبه رغم التهديدات؛ حيث انتشر آلاف من رجال الشرطة والجنود في العاصمة لتأمين المسيرة الدولية المناهضة للإرهاب، والتي انتظمت يوم الأحد (29 مارس/ آذار 2015)، بتونس العاصمة، وانطلقت من «باب سعدون» نحو متحف «باردو» مكان العملية الإرهابية الآثمة التي راح ضحيتها أكثر من عشرين سائحاً يوم الأربعاء الماضي (18 مارس).

نعم، مسيرةٌ دوليةٌ تحاكي تلك التي انتظمت في باريس بعد أحداث «شارلي إيبدو» لتكون تونس عاصمة العالم حيث شارك في مسيرة «العالم باردو» عدد من رؤساء الدول كالرئيس الفرنسي ورئيس السلطة الفلسطينية والرئيس الغابوني والرئيس البولندي، إضافةً إلى رئيس وزراء إيطاليا ونظيره الجزائري، ووزير الداخلية الألماني ووزير خارجية أسبانيا إلى جانب رئيس البرلمان الفرنسي والمفوضة الأوروبية للشئون الخارجية ورئيس البرلمان العربي وممثلين عن السفارات الأجنبية بتونس، وعدد من السفراء العرب وغيرهم من الشخصيات السياسية والوفود البرلمانية والأسماء الفنية والرياضية والثقافية اللامعة من شتى دول العالم، جاءوا ليتضامنوا مع تونس وليقولوا بصوت واحد «معاً ضد الإرهاب»، فتونس ليست وحيدة في مواجهة هذا الخطر الأخطبوطي، وليؤكّدوا أن هناك حرصاً دولياً من أجل مساعدة تونس في إنجاح نموذجها السلمي في الانتقال الديمقراطي.

نعم، مسيرةٌ خرج فيها عشرات آلاف المتظاهرين يحملون الراية الوطنية التونسية ويندّدون بعدو واحد مشترك هو الإرهاب، حيث ردد المتظاهرون «تونس حرة، والإرهاب على برا»، فيما لوّح كثيرون منهم بالأعلام التونسية في الشارع المؤدي إلى «باردو».

نعم، مسيرةٌ من الحجم الثقيل، إن جازت العبارة، لا تذكّرنا إلا بالمسيرات الضخمة في تونس أواخر حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مثل مسيرة 12 أو14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي انتهت بهروب بن علي آنذاك. وما أشبه اليوم بالأمس؛ فهاهم التونسيون وبمؤازرة أصدقائهم في العالم الغربي وأشقائهم في العالم العربي، يتظاهرون من أجل طرد الإرهاب، كما طردوا ذات يوم بن علي الذي كان أحد أسباب زرع فيروس الإرهاب بسياسته الغاشمة وقبضته الحديدية الفاسدة.

نعم، مسيرة «العالم باردو» يسعى من خلالها التوانسة إلى طرد عدوّ أحدث في البلاد هزّات عنيفة في السنوات الأربع الأخيرة، عدوّ اقترف جرائم استهدفت أمن تونس منذ اغتيال السياسي والحقوقيّ شكري بلعيد، ثمّ النائب في المجلس التأسيسيّ محمد البراهمي، مروراً ببعض العمليات المتفرقة في صفوف قوات الأمن والجيش الوطني، انتهاءً بعملية «باردو» التي استهدفت السياحة التونسية. كل تلك العمليات لا يمكن إلاّ أن تزيد من وحدة الشعب التونسي في تحدّيه لظاهرة الإرهاب، وتزيد في ثقته في الأجهزة الأمنية التي تتعقب الجماعات التي تخطّط لضرب استقرار البلاد وإفشال «نموذجها السلمي ومسارها المثالي في مجال الديمقراطية والتعددية والدفاع عن حقوق المرأة»، على حد عبارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمناسبة مشاركته في المسيرة التضامنية.

ولعل أجمل هديةٍ قدّمتها قوات الأمن، في يوم المسيرة المشهودة هذه، هو خبر قتل تسعة مسلحين من الجماعات الإرهابية الليلة السابقة للمسيرة، من بينهم المُكنَّى لقمان أبو صخر زعيم ما يعرف بـ «كتيبة عقبة نافع» التابعة لـ «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي».

إنّ هذه الهبّة التونسية المدعومة بعددٍ من الأجانب، سواءً من الذين ذهبوا إليها خصيصاً بالمناسبة، أو ممن كانوا في تونس منذ أول الأسبوع الماضي بمناسبة انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي، أو من السياح الذين لم يقطعوا إقامتهم، وهذه المشاركة في المسيرة التضامنية عقب اعتداء باردو، تدلّ على أن تونس وبدعمٍ من أصدقائها في العالم، استطاعت أن ترسم صورةً ناصعةً جميلةً بلون الياسمين ورائحته، تمحو بها صورة دماء الأبرياء من الضيوف وشهداء الأمن الوطني.

لقد أكّد الشعب التونسي أنّ الإرهاب غير قادر على تحقيق مبتغاه في تغيير نمط المجتمع أو تقويض المسار الديمقراطيّ للبلاد؛ خصوصاً مع تضامن دول العالم بمثل هذه المشاركة، وأنّ أيّ تغيير لنظام الحكم لا يكون إلاّ بالطرق السلمية وصناديق الاقتراع التي استرجعت مصداقيتها في تونس بعد عقودٍ من الاستبداد والتزوير. وعليه فإنّ المجتمع التونسيّ يبقى وفيّاً لتقاليده، مضيافاً لزائريه، مرحّباً بأشقائه وأصدقائه. وقد أكّدت هذه المسيرة مدى التعاطف الدولي مع تونس شعباً وحكومةً، ومدى التزام تونس أيضاً، حكومةً وشعباً، بمناهضة الإرهاب.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4588 - الإثنين 30 مارس 2015م الموافق 09 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:44 م

      بن علي هرب

      نعم، مسيرةٌ من الحجم الثقيل، إن جازت العبارة، لا تذكّرنا إلا بالمسيرات الضخمة في تونس أواخر حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مثل مسيرة 12 أو14 يناير/ كانون الثاني 2011، التي انتهت بهروب بن علي آنذاك

    • زائر 4 | 3:21 م

      «تونس حرة، والإرهاب على برا»

      مسيرةٌ خرج فيها عشرات آلاف المتظاهرين يحملون الراية الوطنية التونسية ويندّدون بعدو واحد مشترك هو الإرهاب،

    • زائر 3 | 5:42 ص

      معاً ضدّ الإرهاب

      نعم كلنا ضد التطرف والإرهاب تحت أي غطاء
      الله يحفظ أمة محمد عليه الصلاة والسلام

    • زائر 2 | 4:43 ص

      العالم «باردو»... معاً ضدّ الإرهاب

      فهاهم التونسيون وبمؤازرة أصدقائهم في العالم الغربي وأشقائهم في العالم العربي، يتظاهرون من أجل طرد الإرهاب، كما طردوا ذات يوم بن علي الذي كان أحد أسباب زرع فيروس الإرهاب بسياسته الغاشمة وقبضته الحديدية الفاسدة

    • زائر 1 | 11:21 م

      تونس يا خضراء

      الله يحميك

اقرأ ايضاً