العدد 4592 - الجمعة 03 أبريل 2015م الموافق 13 جمادى الآخرة 1436هـ

بحثاً عن النظام الصحي الأفضل للبحرين

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تطرقنا في المقال السابق المنشور يوم الأربعاء (1 ابريل/ نيسان 2015)، إلى برنامج عمل الحكومة لسنوات 2015 ـ 2018 وما يتضمنه من استدامة الخدمات الصحية من خلال «العمل على تنفيذ مشروع للضمان الصحي، يضمن تحسين خيارات المواطنين والمقيمين بين المؤسسات العلاجية الحكومية والأهلية»، واستعرضنا تجربتي الولايات المتحدة وقطر، ونكمل بخمس دول أخرى: كندا، فرنسا، السويد، اليابان وبريطانيا، قبل أن نخلص إلى الرأي في القرار الأنسب بالنسبة إلى البحرين.

كندا

يتميز التأمين الصحي الوطني في كندا باتجاهه نحو اللامركزية، ويموّل من الميزانية العامة للدولة من حصيلة الضرائب العامة، ويتم توفير جميع الخدمات الصحية المتاحة لجميع السكان المؤمن عليهم وبشروط موحدة ودون تحيز على أساس الدخل أو العمر أو الوضع الصحي، مع ضمان التغطية عند غياب المواطن من مكان إقامته أو سفره في أرجاء كندا.

فرنسا

تبعاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن فرنسا لديها أفضل خدمات صحية وأكثرها متاحة، وبمتوسط تكلفة الفرد يعد الرابع على مستوى العالم، كما جاء ترتيب فرنسا الأول على العالم والخاص فيما يتعلق بالمستشفيات وتمويل الخدمات الصحية، ويُدار نظام التأمين الصحي الوطني الفرنسي بالمركزية من خلال هيئة الضمان الاجتماعي، ويعتمد على وزارة الشئون الاجتماعية والتكافل الاجتماعي في أمور التمويل، وعلى وزارة الصحة في النواحي الإدارية.

والمستفيد من هذا التأمين له الخيار ومن دون أية حدود في الوصول إلى الممارسين العاملين الذي يشكل كل من الطبيب العام والأخصائي في مجالات الوخز بالإبر الصينية وأطباء الأطفال، وكذلك إمكانية الذهاب مباشرة إلى الاختصاصي مثل الطبيب النفسي وأخصائي أمراض النساء وأطباء الأسنان وجراحي وأخصائيي رعاية القدم والقابلات، مع استرجاع رسوم خدماتهم من الضمان الاجتماعي، فضلاً عن إمكانية الذهاب إلى المستشفى دون تحويل من الطبيب. وواضح من نظام تأمين المرض الفرنسي بأنه يتم تعويض المريض من الرسوم التي يدفعها من خلال الضمان الاجتماعي مع مشاركة المريض في جزء من التكلفة، إضافةً إلى وجود بعض المنظمات التي تقدم تأميناً تكميلياً حيث يشارك فيها نحو 87 في المئة من السكان.

ويتم التعويض عن الرسوم بالكامل للخدمات الوقائية والمستشفى والرعاية طويلة الأمد، أما في العيادات الخاصة فيتم التعويض عن رسومها جزئياً، ويمكن لأي فرد أن يستفيد من الخدمات التي يقدّمها التأمين الصحي بعد قضاء 120 ساعة عمل في وظيفة بأجر في الشهر السابق على طلب الخدمة، حيث يتعامل النظام الصحي الوطني الإلزامي ضمن نظام الضمان الاجتماعي الذي يمول من مساهمات أرباب العمل ونسبة من دخل الفرد.

السويد

يغطي التأمين الصحي في السويد جميع السكان والمقيمين، ويندرج تحت هذه المظلة ثلاثة أقسام رئيسية تُدار من قبل المجلس الوطني للتأمينات الاجتماعية، وهي الخدمات الموجّهة للآباء والأطفال، وللمرضى المصابين بالعجز، والخدمات الموجهة لكبار السن والأرامل، وما يميز النظام السويدي دمج التأمين الصحي بتوفير الضمان الاقتصادي للسكان من خلال إعادة الثروة بين فترة وأخرى في حياة الفرد والمجموعات السكانية المختلفة عن طريق دفع مبالغ تتناسب مع الدخل، وذلك في حالات انقطاع الدخل في حال المرض والحوادث وغيرها.

اليابان

بدأت الحكومة اليابانية في إدخال نظام التأمين الصحي العام 1972، مع التدرج في تخفيض التكلفة التي يدفعها المؤمّن عليهم لدرجة أصبح لكبار السن الحق في التمتع بجميع الخدمات المغطاة من دون دفع نسب المشاركة في التكلفة، وللمرضى حرية اختيار العلاج في أي مستشفى أو عيادة يختارونها، كما يحظى الأطفال خلال السنة الأولى من العمر برعاية صحية مجانية.

ويوجد في اليابان ثلاث مجموعات للخطط التأمينية، الأولى تشمل التأمين المدار بواسطة المجتمع حيث تقدم خدماتها للعاملين في الشركات الكبيرة وأسرهم؛ والمجموعة الثانية تشمل التأمين الصحي المدار بواسطة الحكومة وتقدم خدماتها للعاملين في الشركات الصغيرة؛ والمجموعة الثالثة تشمل التأمين على أصحاب الأعمال الخاصة من غير العاملين في الحكومة والمتقاعدين. ووفقاً للنظام يتحتم على كل فرد أن ينضم لأحد الخطط التأمينية السالفة الذكر، ورغم اختلاف الدخل للمؤمّن عليه في كل المجموعات، إلا أنهم يتمتعون بنفس المزايا بالنسبة للخدمات التي يغطيها التأمين الصحي.

أما بالنسبة لتمويل النظام التأميني، فيتم من خلال دفع المؤمّن عليهم لاشتراكاتهم أو من الذين يدفعون عنهم، إضافةً إلى الدعم الحكومي الذي يغطي بعض المنافع وتكاليف التشغيل. وتتفاوت قيمة القسط التأميني الذي يدفعه المشترك من برنامج لآخر، إلا أنه بصفة عامة يكون بمساهمة مشتركة متساوية من ربّ العمل والموظف بما لا يتعدى 8.5 في المئة من راتب الموظف، كما تحدّد بعض أقساط البرنامج وفقاً لعدد أفراد الأسرة ومستوى دخله. وتقوم الحكومة اليابانية بوضع أسعار محددة للخدمات الصحية المختلفة ووضع الضوابط الصارمة لعدم الإخلال بهذه الأسعار، وتقوم بالمراجعة الدورية لهذه الأسعار بناءً على نسب التضخم السنوي، ويشرف على نظم التأمين المجلس المركزي للتأمين الاجتماعي الطبي.

بريطانيا

بدأت دولة الرفاهية الحديثة في بريطانيا مع صدور القانون الوطني للتأمين في العام 1911، وتم إنشاء نظام تأمين إجباري على الطبقة العاملة، ويضمن النظام توفير الفرص المتساوية لجميع السكان للحصول على الخدمات الصحية بصرف النظر عن الإمكانات المالية أو العمر أو الوظيفة. ويوفر التأمين الصحي خدمات شاملة تغطي جميع أوجه الطلب الوقائي والعلاجي، ويتم تمويل النظام بنسبة 90% من حصيلة الضرائب العامة والباقي من ضريبة الضمان الاجتماعي. ويوجد في هذا النظام ما يسمى بـ «الممارس العام»، الذي يعتبر نقطة اتصال المريض بالنظام التأميني، وللمريض الحرية في قبول أو رفض هذه الخدمة مع حريته في اختيار الممارس العام الذي يرغبه.

إن تطبيق التأمين الصحي أو رسوم الرعاية الصحية على الأجانب من حيث المبدأ، إجراء سليم ومتبع في العديد من الدول الخليجية والأوروبية، وله في تقديري انعكاسات إيجابية على معالجة الاختلالات في سوق العمل من حيث غلبة العنصر الأجنبي، حيث سيؤدي تطبيق هذا النظام إلى تقليل نسبة العمالة السائبة (فري فيزا)، كما سيكون له أثرٌ على رفع كلفة العامل الأجنبي وبالتالي تقليل الفارق بين تكاليف العمالة المواطنة والعمالة الأجنبية. وأخيراً عدم تحميل موازنة الدولة مصاريف الرعاية الصحية لأجانب إما هم زائرون أو هم عاملون لدى شركات تربح الملايين جراء توظيفهم في مشاريعها. وأخيراً يمكن من خلال عوائد التأمين أو الرعاية الصحية رفد موازنة وزارة الصحة بأموال يجب استثمارها بالشكل الصحيح لتطوير الخدمات الصحية للفئات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع.

ومن جهة أخرى، وبمقارنة سريعة بين تجارب التأمين الصحي في هذه الدول والرعاية الصحية المنفذة في البحرين، تتضح ضرورة الانتقال إلى مرحلة التأمين الصحي الشامل للمواطنين والمقيمين، حيث أصبح العلاج والوقاية الصحية من المؤشرات الاجتماعية المهمة لقياس التنمية الإنسانية المستدامة في جميع المجتمعات والدول. إلا أن ما يجب التنبه له هو أن برامج التأمين الصحي تتنوع وتختلف حسب البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والفلسفة التي تقوم عليها تلك الجوانب في كل دولة، فما هو مطبّقٌ في أميركا على سبيل المثال، والتي تنتهج الاقتصاد الحر، لن يكون صالحاً لتطبيقه في فرنسا التي تدمج بين الاقتصاد الحر وملكية الدولة لبعض القطاعات الاقتصادية.

الحاجة إلى حوار جماعي

وبناءً على ذلك، فإن أي مشروعٍ للتأمين الصحي يُراد تطبيقه في البحرين من المهم أن يسبقه حوار، ليس على مستوى أطراف الإنتاج الثلاثة فحسب (عمال وأصحاب عمل والحكومة)، بل حوار مجتمعي تشارك فيه كل المؤسسات والهيئات الأهلية، بما فيها جمعية الاقتصاديين، الأطباء، الاجتماعيين، وباحثين وخبراء في مجال الصحة والاقتصاد والتأمين، وغيرها من الجهات ذات العلاقة، بهدف البدء بعصف ذهني وخلق توافق مجتمعي للرد على تساؤلات أهمها، هل من المجدي نقل مسئولية الدولة في توفير الرعاية الصحية إلى القطاع الخاص من خلال تعميم تجربة التأمين الصحي؟ وهل ستضمن الدولة عدم تحوّل هذه الخدمة المهمة إلى سلعة يتنازعها مبدأ الربح والخسارة بحسب آليات السوق؟ وهل البحرين بحاجةٍ إلى هكذا نظام من حيث المبدأ؟

ومن ثم يمكن الدخول في حوارات حول أفضل أنواع التأمين الصحي التي تتناسب والبنية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين، آخذين في الاعتبار الطبيعة الريعية للاقتصاد البحريني وكل ما يتأسس عليه من نتائج.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4592 - الجمعة 03 أبريل 2015م الموافق 13 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً