العدد 4603 - الثلثاء 14 أبريل 2015م الموافق 24 جمادى الآخرة 1436هـ

اليمن... حتى لا يتكرر سيناريو حرب 1994

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في مايو/ أيار 1994، اقتحمت القوات اليمنية الشمالية مع ميليشيات حزب الإصلاح عدن، وتصرفت في عدن كغنيمة حيث استباحت العاصمة التجارية لدولة الوحدة، وعاصمة الشطر الجنوبي سابقاً، وذلك بعد 5 سنوات فقط من تجربة الوحدة. لكن إسقاط عدن وإخضاع الجنوب اليمني لم يؤمّن لصنعاء السيطرة أو القبول وإن أمّن لها الإخضاع ولو إلى حين. ومع مرور الزمن تشكلت المعارضة الجنوبية لما يعتبر هيمنة شمالية تحت يافطة الحراك الجنوبي، الذي يقود المقاومة اليوم أمام زحف تحالف قوات الحوثيين وعلي عبدالله صالح.

ثم وصلت رياح الربيع العربي إلى صنعاء وحيث شهد اليمن حركة جماهيرية سلمية، وحّدت مختلف مناطق وقوى وقبائل اليمن، وكانت ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء هي عنوان الحراك. لكن عوامل عديدة أحبطت تكلل الثورة بالنصر، منها قصر نفَس قوى المعارضة في أحزاب اللقاء المشترك، وعدم انحياز الجيش والأمن وخصوصاً الحرس الجمهوري، القوى الضاربة بقيادة أحمد ابن الرئيس علي صالح حينها، ثم جاءت المبادرة الخليجية لتشكل خشبة خلاص لعلي صالح وحزب المؤتمر، والوحدات العسكرية والأمنية المرتبطة به، ولتطرح حلاً تلفيقياً يقوم على جمع حزب علي صالح (المؤتمر الشعبي) وأتباعه وأحزاب اللقاء المشترك في حكومة ائتلافية برئاسة سالم باسندوة، ورئيس انتقالي هو عبدربه منصور هادي، نائب علي صالح.

وهكذا وبموجب المبادرة الخليجية ورعاية الأمم المتحدة ممثلة في جمال بنعمر، جرى الإشراف على الحوار الوطني، الذي أنتج مخرجات يفترض أن تشكّل – إلى جانب مشروع الدستور- أسس الدولة القادمة غير المركزية والتعددية والديمقراطية، كما جرى انتخاب الرئيس عبدربه مرشحاً توافقياً وحيداً في يناير/ كانون الثاني 2014، ليكرّس شرعية المرحلة الانتقالية. لكن الأمور لم تسر كما كان مخططاً، فقد كان علي صالح وأبناؤه وأتباعه بما يملكون من نفوذ، يلعبون دوراً تخريبياً، خصوصاً أنه مُنح الحصانة والحق في ممارسة العمل السياسي.

ودخل عنصر جديد وهو حركة أنصار الله (الحوثيون) وهم الذين خاضوا ستة حروب مع نظام علي صالح وتمكنوا من إقامة منطقة نفوذ لهم في شمال الشمال ومركزها صعدة، وزعيمهم عبدالملك الحوثي، هؤلاء أقاموا تنظيمهم (الشباب الإسلامي) لاحقاً، أما علي صالح فقد تحالف معهم، لتقويض نفوذ تحالف بيت الأحمر وحزب الإصلاح (إخوان مسلمين). وفي ظل ضعف الدولة، وغياب القرارات الحاسمة، تمكّن الحوثيون تدريجياً من قضم المناطق، منطقة تلو أخرى، انطلاقاً من صعدة، والاستيلاء على المعسكرات والتسلح وتشكيل قوة ضاربة حتى وصلوا إلى صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014.

وبعد سلسلةٍ من المناورات العسكرية والسياسية، سيطروا على مفاصل الدولة في صنعاء، وحوّلوا الرئيس عبدربه إلى دمية، وخلخلوا أجهزة الدولة وملأوها بعناصرهم وشكّلوا اللجنة الثورية إثر استقالة عبدربه ووزارته برئاسة خالد بحاح، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، وحلّهم لمجلس النواب لتكون هذه اللجنة بمثابة قيادة الدولة برئاسة حسين الحوثي، وبتوجيهات من عبدالملك الحوثي في صعدة، كما شكلوا لجنة أمنية برئاسة وزير الدفاع تتولى القيادة العسكرية والأمنية.

القوى السياسية أصيبت بالارتباك والخوف وهي ترى ما عمله الحوثيون بالرئيس ووزارته، لكنهم لم يستسلموا لإملاءات الحوثيين ويمنحوهم الشرعية. كما أن الرئيس عبدربه تمكن من الهروب من الإقامة الجبرية في صنعاء والوصول إلى عدن، ليطرح نفسه رئيساً شرعياً لليمن، معلناً عدن عاصمة مؤقتة وصنعاء عاصمة محتلة، فيما رفض رئيس الوزراء والوزراء تسيير الأمور كما طلب الحوثيون، واستطاع وزير الدفاع وبعض الوزراء اللحاق بالرئيس في عدن.

وهنا يواجه اليمن وضعاً شبيهاً بوضع اليمن في 1994، حينما تحرك علي سالم البيض نائب الرئيس علي صالح حينها، من صنعاء ومعه قيادات الحزب الاشتراكي الجنوبيون إلى عدن، حيث أعلن استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وقد نشبت إثر ذلك حرب أهلية طاحنة، تمكّن فيها علي صالح من هزيمة الجنوب ولكن بثمن باهظ، ألا وهو الانقسام السياسي بين الشمال والجنوب، وزرع بذور المقاومة في الجنوب والتي ستثمر لاحقاً في الحراك الجنوبي، علماً بأن الدولة اليمنية اعتذرت للحوثيين والجنوبيين لما لحق بهم من ظلم بسبب الحروب العدوانية ضد مناطقهم.

لقد كانت هناك فرصة ذهبية أمام اليمن بعدها وخصوصاً بعد شمول الحوثيين في العملية السياسية من خلال مشاركتهم في لجنة الحوار، وتعديل مشروع الدستور، ومجلس مستشاري الرئيس، أن يتحوّلوا إلى قوة سياسية مؤثرة تعكس نفسها في تركيبة وبنى وسياسة الدولة القادمة. لكنهم استدرجوا إلى فخ علي صالح الذي كان مصمّماً على تخريب العملية السياسية، والذي أغراهم بمواصلة إخضاع باقي مناطق اليمن جنوباً ومواصلة الاستيلاء على الدولة، وتحويل ما هو موجودٌ منها إلى واجهات، وهو ما كان.

وقد أغراهم سقوط محافظة تلو أخرى في ظل اختراق علي صالح لمؤسسة الجيش وخصوصاً قوة الحرس الجمهوري الضاربة، حتى الاصطدام بالمقاومة الجنوبية في الضالع ويافع وأبين ولحج وبالطبع عدن.

في هذه الأوضاع حزمت السعودية أمرها لتقود تحالفاً خليجياً عربياً إسلامياً للتدخل بعد أن طلب منها عبدربه منصور الذي لجأ للسعودية ذلك، وهكذا استجد عنصر جديد في الأزمة اليمنية، أي حرب داخلية وخارجية، تلحق دماراً هائلاً ببنية الجيش والأمن اليمني، وبالطبع سيصاحبها تدمير للبنى الاقتصادية وخسائر بشرية، في بلد يعاني أصلاً من الأزمات، ومستمر بفعل المساعدات الدولية والخليجية.

من الواضح أنه مهما كانت النتيجة فلن يعود اليمن كما كان أو متصورا،ً أي دولة لا مركزية ديمقراطية، بل سيتشظى إلى عدة كيانات، فاليمن الجنوبي ذاهبٌ إلى استعادة دولته، بل إنه قد يقسم إلى شطرين، حيث يلاحظ ابتعاد حضرموت والمهرة عن الدخول في الصراع، ما يفسر أنه نية لتشكيل كيان خاص.

أما الشمال فهو أيضاً مفتوح على احتمالات تمزّقه إلى كيانات فرعية، فالتحدّي الأكبر أمام مجلس التعاون والمجتمع العربي والدولي هو إطفاء نار الحرب الداخلية، ونزع الصبغة العسكرية عن القوى السياسية وفي مقدمتها الحوثيون والحراك الجنوبي، وإنهاء نفوذ صالح في الجيش، ودفع القوى السياسية مرةً أخرى إلى طاولة الحوار لاستئناف الحوار الوطني في ظل سلطة توافقية وضمان مجلس التعاون والمجتمع العربي والدولي لمخرجات الحوار وللعملية الانتقالية. وهذا يقتضي - وهو ما فشلت فيه المبادرة الخليجية ومؤتمر المانحين - تقديم مساعدات فورية للشعب اليمني وتدشين مشروع مارشال حقيقي للنهوض بالاقتصاد اليمني، وتحييد اليمن عن الصراعات والمحاور الإقليمية.

هناك خطورةٌ أخرى وهي تصوير الصراع في المنطقة بأنه صراع إيراني سعودي، أو صراع شيعي سني، وبالفعل فإن منظّري ومروّجي التكفير والطائفية يعملون على تصوير الحوثيين كرافضة كفرة، فيما الطرف المقابل يصوّرهم كمجاهدين في سبيل الله يقاومون الطاغوت وسينتصرون حتماً.

إن هناك عناصر تنافس إقليمي في الصراع، لكن الصراع هو من أجل السلطة، ويتخذ من الدين شعاراً وتبريرات. وإذا استمر هذا الشحن الطائفي، فإنه سيقود إلى مزيد من الكوارث والانقسامات في اليمن وفي المنطقة.

إن هناك حاجة ماسة لتسوية سياسية يمنية، بتفاهم إيراني سعودي، وتوافق عربي ودولي، حتى لا يتحوّل اليمن إلى صومال آخر، وهناك إمكانية لتحوّله إلى تونس أخرى.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4603 - الثلثاء 14 أبريل 2015م الموافق 24 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:09 ص

      أين ما تضع إيران يدها ترى الفرقة بين أبناء البلد الواحد والفتنة 1400

      السياسة الخاطئة التي تشعل الحروب ودائما لا تأتي للدولة من الباب الصحيح وتساعد الشرعية والشعب كله دائما تقسم الشعب طاءفين واذا حلة المصيبة المتوقعة لا تملك إلا الصراخ والاستجداء والعالم كله ضدها وأصبحة منبودة من الأمة العربية والإسلامية

    • زائر 5 | 1:51 ص

      اليمن خرج من بيت الطاعة.

      المشكلة في اليمن أستاذي العزيز انه يريد أن يبني دولته المستقلة بعيدا عن نفوذ الأشقاء الأعداء بينما الأشقاء يرون في هذا التحرك خروجا عن طاعته وولاة نعمه.

    • زائر 4 | 12:53 ص

      عاصفة الحزم لحماية اليمن 0845

      أطماع المخلوع وتحالفه مع الحوثي والعدو الأجنبي في الطريق إلى الزوال وإرجاع الشرعية ومايصح إلا الصحيح إرجاع اليمن إلى أحضان الأمة العربية

    • زائر 3 | 12:22 ص

      عاصفة الحزم

      الحل هو عاصفة الحزم

    • زائر 2 | 11:40 م

      رأي

      إذا إستمر اليمن على هذا الوضع من تدمير وتخريب بنيته التحتية فلن يسلم جيرانه من المشاكل و الإنهيار وملاحظة فل يفهم من لايفهم عصر الوصاية ولى وحفظ الله اليمن من من يستنقصه ويهينه.

    • زائر 1 | 11:26 م

      إيراني ؟؟؟؟؟؟وهل اليمن بلد تابع لايران

      ...الم تسمع عن عاصفة الحزم ؟؟؟ وكأنك تقول لرفاقك """لقد نمنا يوما او بعض يوم """ لقد قاربت على الانتهاء عاصفة الحزم ، وتم القضاء على أسلحة ايران المودعة في مخازن الحوثيين

اقرأ ايضاً