العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ

تأثير الثقافات الوطنية على طريقة العمل داخل المؤسسات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تحدَّثنا في مقال سابق عن الثقافة المؤسسية (Organizational Culture) بصفتها مجموعة من القيم والسلوكيات التي تسهم في تشكيل بيئة اجتماعية ونفسية فريدة من نوعها للمؤسسة. وتشمل عنصر الثقافة: توقعات المؤسسة، والخبرات، والفلسفة، والقيم التي تجعل منها وحدة بشرية متماسكة. هذه الثقافة تعبّر عن نفسها عبر الصورة التي تخرج بها المؤسسة إلى الآخرين، وعبر طريقة العمل داخل المؤسسة، وعبر التفاعلات مع العالم الخارجي، والتوقعات المستقبلية التي تضعها نصب عينيها.

لقد وضع عدد من علماء الإدارة إطاراً لفهم أثر الثقافة المؤسسية على أداء العاملين، معتمدين في ذلك على النظرية القائلة بأن الأداء المميز يعتمد على مواءمة الثقافة مع الموقف والوضع.

كما أشار علماء الإدارة إلى أن ليس كل الثقافات تناسب جميع الأغراض أو المواقف أو الأشخاص، وأن هذه الثقافات تتأسس على مدى زمني من قبل الجماعات المهيمنة على المنظمة بما يناسبهم، وأن ما هو مناسب إلى المؤسسة في مرحلة من المراحل ليس بالضرورة مناسباً إلى الأبد. في نهاية المطاف، فإنَّ الثقافة تقوم على الثوابت المشتركة، والمعتقدات، والعادات، والقواعد المكتوبة وغير المكتوبة التي تمّ تطويرها على مرّ الزمن، وتعتبر سارية المفعول.

في هذا المقال نودُّ التطرق إلى واحدة من نظريات الثقافة في مؤسسات الأعمال، وهي «نظرية هوفستد» التي تسعى إلى فهم تأثير الثقافات الوطنية (الخاصة بكل بلد) على طريقة العمل داخل المؤسسات، وكيف تنعكس الثقافة الوطنية على ثقافة المؤسسة بدرجات مختلفة. هذه النظرية طرحها Hofstede مع شركاه، وهي تقيس الثقافة ضمن إطار يحدد معالم الثقافات المختلفة حول العالم، وذلك بالاعتماد على تحليل نتائج لمسح أجري حول القيم التي تؤثر في العاملين في مؤسسات تنتشر في أنحاء العالم.

تعتمد هذه النظرية على قياس الأبعاد الآتية في الثقافة السائدة في كل بلد من خلال المؤشرات الآتية:

* مؤشر Power distance index - PDI : هذا المؤشر يقيس المسافة المقبولة لدى المستويات المنخفضة في الهيكيلة التنظيمية مقارنة مع القيادة العليا. فإذا كانت المسافة قصيرة، فإنَّ ذلك يعني أن المرؤوسين يتوقعون علاقات أكثر تشاوريّة وأكثر ديمقراطية، وإذا كانت المسافة بعيدة فإنَّ العلاقات داخل العمل تميل إلى القهر والأوامر والإجراءات الصارمة.

* مؤشرIndividualis vs. collectivism - IDV: هذا البعد يقيس مدى اندماج الفرد في الجماعة. المجتمعات التي تركز على الفردانية تنحو نحو الإنجازات الشخصية والحقوق الفرديَّة. أمَّا المجتمعات التي تركز على الجماعية فإنها تنظر إلى الأفراد بصفتهم أعضاء في جماعة أو عائلة أو قبيلة أو فئة متماسكة مدى الحياة، وأن على الأفراد التضحية أكثر من أجل الجماعة حتى لو لم تحصل على أي فوائد مباشرة.

* مؤشر Uncertainty avoidance index - UAI: بعض المجتمعات تسعى دائماً إلى تقليل حالات الغموض وانعدام اليقين، وهي تقلق كثيراً عندما تزداد الحالات غير المتوقعة، وتميل إلى أن تكون أكثر عاطفية، وتلجأ أكثر إلى القواعد والشعائر المتوراثة والعادات والتقاليد. في المقابل هناك مجتمعات تقبل بالحالات غير المتوقعة، وتعتبر ذلك شيئاً ملازماً لطبيعة الحياة، ولا تمانع البيئات المتغيرة، وتميل إلى أن تكون أكثر واقعية، وأكثر تسامحاً مع المتغيرات.

* مؤشر Masculinity vs. femininity - MAS: الثقافات الذكورية تركز أكثر على قيم التنافس، وتأكيد الذات، والمادية، والطموح، والقوة، وسيادة الرجل على المرأة، في حين تركز الثقافات الأنثوية أكثر على العلاقات الأنموذجية والتوافق ونوعية الحياة. في الثقافات الذكورية، تكون الاختلافات بين أدوار الجنسين أكثر دراماتيكية، بينما تنظر الثقافات الأنثوية إلى الرجال والنساء على أسس المساواة والتواضع والرعاية.

* مؤشر Long term vs. short term orientation - LTO: المجتمعات ذات الأفق الزمني الأطول تولي أهمية أكبر للمستقبل، وتعزز المكاسب بصورة واقعية ولديها قدرة على التكيف. المجتمعات ذات الأفق الزمني الأقصر تربط رقي الأمة بالماضي، وتحن الى الماضي باستمرار، وتؤكد أهمية احترام التقاليد، والمعاملة بالمثل والوفاء بالالتزامات الاجتماعية.

* مؤشرIndulgence versus restraint - IVR: هذا المؤشر يقيس مدى محاولة أفراد المجتمع كبح جماح النزوات والرغبات وتنظيمها عبر قواعد صارمة، في مقابل مجتمع آخر لديه ميل إلى السماح بإشباع رغبات الإنسان بصورة أكثر علانية، بما في ذلك عبر اللهو والترفيه.

المؤشرات أعلاه تقيس الثقافات الوطنية وكيف تؤثر بصورة مباشرة على ثقافة المؤسسة، ومن خلال قياس تلك المؤشرات يمكن أن تتضح معالم الثقافة المعمول بها من خلال تقصي:

- وسائل المؤسسة في تسيير أعمالها، وطريقة معاملتها لموظفيها، والزبائن، والمجتمع الأوسع.

- إلى أي مدى تتوافر الحرية داخل المؤسسة في اتخاذ القرارات، وفي تطوير أفكار جديدة، والتعبير عن الآراء الشخصية.

- كيف تتدفق القرارات من الأعلى وكيف تنتقل المعلومات من خلال التسلسل الهرمي.

- مدى التزام الموظفين بتحقيق الأهداف الجماعية.

وفي المحصلة، فإنّ الثقافة المعمول بها داخل المؤسسة تؤثر على إنتاجيتها وعلى أداء الموظفين، وكيفية خدمة الزبائن وجودة المنتجات وسلامتها، والحضور في مكان العمل والالتزام بالمواعيد، والاهتمام بالبيئة. ويمتدُّ أثر الثقافة المؤسسية ليشمل أساليب الإنتاج والتسويق والممارسات والإعلانات، وتطوير منتجات جديدة.

إن الثقافة المؤسسية هي من أصعب الأمور التي يمكن أن تتغير؛ لأنها تتمثل بالقيم والأفكار والمعتقدات التي تتحكم في السلوك البشري.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً