العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ

الحرب في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الأهمية الاستراتيجية لمعادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة صارت في مقدمة أولويات مبادئ المشروع الدولي البيئي، وتمثل تلك المبادئ توجهاً مهماً لبناء النهج الدولي المؤسس في بعده الاستراتيجي لمنظومة السلوك البشري الرشيد الذي يُكون الأركان الرئيسة لمعادلة خطة العمل الدولية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. ويتجسّد ذلك في النظرة الاستراتيجية في معالجة العوامل المكوّنة للخطر البيئي على الأمن الإنساني وتحديد الاتجاهات المنهجية لاستبعاد مؤسسات السلوك البشري غير الرشيد كعامل رئيس في منظومة ذلك الخطر.

الحروب المتصاعدة وآثارها التدميرية في العديد من البلدان والمناطق في العالم، من أكثر السلوك البشري غير الرشيد خطراً على صحة الإنسان والبيئة، وتشكّل أداة التدمير بعيدة المدى في آثارها السلبية على منظومة الأمن الإنساني والبيئي، وذلك جانب تنبهت إلى مخاطره البشرية وعملت على إقرار المبادئ والإلتزامات القانونية للحد من مضاعفاته السلبية على الأمن البشري قبل التنظيم الدولي الحديث لضبط الممارسات والأنشطة السلبية، والحد من تداعيات مخاطر السلوك البشري غير الرشيد على الأمن الإنساني والبيئي.

ويمكن الإشارة إلى عدد من الوثائق الدولية التي تعالج في قواعدها القانونية علاقة السلوك البشري بالبيئة، ومنها على سبيل المثال، اتفاقيتا لاهاي 1899 و1907 الخاصتان بقوانين وأعراف إدارة الحروب البرية والبحرية، وبروتوكول جنيف الخاص بحظر استعمال الغازات السامة والوسائل الجرثومية في إدارة الحروب للعام 1925، والقرار رقم (2603) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والعشرين المنعقدة في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1969، الذي أكّدت فيه على «أن استخدام المواد الكيماوية والجرثومية في العمليات العسكرية يتعارض وقواعد القانون الدولي المعروفة والمحدّدة في بروتوكول جنيف للعام 1925».

وكذلك اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين في ظروف النزاعات المسلحة للعام 1949، والبروتوكولات المكملة لها للعام 1977، واتفاقية حظر استحداث وإنتاج الأسلحة الجرثومية والكيماوية 1973. وتعد مبادئ هذه الاتفاقيات من القواعد القانونية الدولية المهمة التي تتناول علاقة الإنسان بالبيئة وقضايا أمن وسلامة الإنسان في ظروف النزاعات المسلحة.

المجتمع الدولي وأخذاً في الاعتبار بالحقائق المحيطة بواقع المعضلات الدولية وتطور التقنيات العسكرية وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من استخدام تلك التقنيات في التعدي على منظومة البيئات الطبيعية في عملياتها الحربية، جرى التوقيع على اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى (1976)، وتضمينها بالالتزامات التي تحرّم الأنشطة ذات الأبعاد السلبية على الإنسان والبيئة، والتأكيد في الفقرة (1) من المادة الأولى، على أن «تتعهد كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بعدم استخدام تقنيات التغيير في البيئة ذات الآثار الواسعة الانتشار أو الطويلة البقاء أو الشديدة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى كوسيلة لإلحاق الدمار أو الخسائر أو الإضرار بأية دولة طرف أخرى».

وبينت المادة الثانية أنه «يقصد بعبارة «تقنيات التغيير في البيئة» كما هي مستعملة في المادة الأولى، «أية تقنية لإحداث تغيير- عن طريق التأثير المتعمد في العمليات الطبيعية - في دينامية الكرة الأرضية أو تركيبها أو تشكيلها، بما في ذلك مجموعات أحيائها المحلية (البيوتا) وغلافها الصخري وغلافها المائي وغلافها الجوى، أو دينامية الفضاء الخارجي أو تركيبه أو تشكيله».

القضايا المحيطة بواقع الآثار السلبية المحتملة للأنشطة الحربية على منظومة المعالم البيئية والأمن الإنساني، دفعت المجتمع الدولي للعمل على إحاطتها بمنظومة من المبادئ والالتزامات التوافقية ضمن استراتيجية المشروع الدولي البيئي، وجرى معالجتها منذ الخطوة الأولى للدول المتمثلة في حرصها المشترك على العمل على تنظيمها للمؤتمرات الدولية التي تعالج المعضلات البيئية العالمية، حيث جرى في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة (1972) التأكيد في المادة (26) على أنه «يجب أن يكفي الإنسان وبيئته الآثار المترتبة على الأسلحة النووية وأسلحة التدمير الشامل الأخرى. ويجب أن تسعى الدول جاهدةً، في إطار الهيئات الدولية المختصة، إلى تحقيق اتفاقٍ في أقرب الآجال بشأن إزالة هذه الأسلحة وتدميرها بالكامل».

وبالاتساق مع ذلك النهج، جرى الحرص في إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (1992) بالنص على جملة من الالتزامات، تمثلت في ما نص عليه المبدأ (24) الذي أكّد على «أن الحرب بحكم طبيعتها تدمر التنمية المستدامة، ولذلك يجب أن تحترم الدول القانون الدولي الذي يوفّر الحماية للبيئة وقت النزاعات المسلحة، وأن تتعاون في زيادة تطويره عند اللزوم».

وبالتوافق مع ذلك شدّد المبدأ (25) على أن «السلم والتنمية وحماية البيئة أمور مترابطة لا تتجزأ»، والتأكيد في المبدأ (26) «على الدول أن تفض جميع منازعاتها البيئية سلمياً وبالوسائل الملائمة، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة». وفي السياق ذاته تؤكد الدول في المبدأ (56) من وثيقة مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة (2002) على «أن النزاعات المسلحة والحروب هي بطبيعتها مناوئة للتنمية المستدامة»، وتتبنى في المبدأ (67) عدداً من الالتزامات، وتنص «نحن ملتزمون بالعمل على جميع المستويات اللازمة لحماية كوكبنا، والنهوض بالتنمية البشرية، وتحقيق الرفاه والسلم العالميين».

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4605 - الخميس 16 أبريل 2015م الموافق 26 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً