العدد 4607 - السبت 18 أبريل 2015م الموافق 28 جمادى الآخرة 1436هـ

تغير المناخ في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التغير المناخي نتيجة فعلية للسلوك البشري غير الرشيد وعامل سلبي في معطيات نتائج آثاره البيئية والإنسانية، ويتسبّب في تراجع خطط العمل التنفيذي الموجّهة لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وتغيّر المناخ ظاهرة متواترة الآثار السلبية على النظام البيئي لكوكب اﻻرض، وهي معضلة عالمية متصاعدة المخاطر على واقع الأمن البيئي للإنسانية.
الكتاب السنوي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة للعام 2009 وضمن معالجته لواقع تغير المناخ، يؤكد على أنه «يدفع المناخ المتغير العديد من النظم الأرضية إلى حدود بالغة الخطورة من شأنها تغيير التوازنات البيئية العالمية والإقليمية، وتهديد الاستقرار على مستويات متعددة».
ويشير إلى أن «تغيّر المناخ يمثل كارثة متزايدة ذات أبعاد اقتصادية وصحية، وأبعاد تتعلق بالسلامة وإنتاج المواد الغذائية وغير ذلك من أبعاد». وذلك يجري الإحاطة بشأنه في مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20)، حيث يشير في المبدأ (25) إلى أن المجتمع الدولي» يعترف بأن تغيّر المناخ أزمة شاملة ومستمرة، ونعرب عن قلقنا لأن الآثار السلبية لتغيّر المناخ تؤثر بحكم نطاقها وخطورﺗﻬا على كافة البلدان، وتقوّض قدرة كافة البلدان، ولا سيما البلدان النامية، على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وﺗﻬدد استمرارية الأمم وبقاءها».
وتعبر الدول عن موقفها في المبدأ (190) بالقول «ونؤكد من جديد أن تغيّر المناخ هو أحد أكبر تحديات العصر، ونعرب عن جزعنا الشديد إزاء استمرار ارتفاع مستوى انبعاثات غازا ت الدفيئة على الصعيد العالمي» .
الحديث عن ظاهرة تغيّر المناخ يتطلب معالجة الأسباب الفعلية في بروزها وتعاظم مخاطر هذه الظاهرة، وذلك يستدعي أيضاً تبيّن مسئولية الأطراف الداخلة ضمن معادلة النشاطات المؤثرة في بروز الظاهرة، كطرف متسبب في تزايد حدة الآثار السلبية للتغير المناخي، وكعنصر مسئول ينبغي أن يؤكّد التزامه الفعلي في بناء وتبني منظومة المخارج والإجراءات والأنظمة القانونية والرقابية، وتنفيذ ما يجري التعاقد بشأنه للحد من تفاقم المؤثرات السلبية للظاهرة على نظام البيئة العالمي.
ومن المؤكد أن لظاهرة التغيّر المناخي ارتباطها الفعلي بالمصالح السياسية والاقتصادية للدول، لذلك وفي سياق معالجة أبعاد هذه المعضلة العالمية، ينبغي أن ﻻ نغفل أيضاً عامل المصلحة الذاتية المتعددة الأبعاد كمقوّم رئيس في تصاعد مستويات أنشطة الدول الصناعية الكبرى في المجالات الاقتصادية والإنتاجية والصناعية، بمختلف أشكالها وأنماط نشاطها الإنتاجي المتسبّب الرئيس في تفاقم حدة مخاطر ظاهرة التغيّر المناخي، وذلك مؤشر يؤكد الخلل في منظومة الالتزامات الدولية بشأن التقليل من الانبعاثات المتسببة في زيادة مخاطر هذه الظاهرة على الأمن البيئي للبشرية.
إن تلك السياسات تحدّد مفاهيم السلوك البشري ضمن معادلة نهج النفي والإثبات، وصناعة المبررات الذي تتبعه الدول لتوظيفه في بناء الحجج للدفاع عن ما تمارسه من أنشطة ضارة، وتعميم مصادر الظاهرة وتمكين حقيقتها وجعلها واقعاً مسلماً بوجوده في منظومة القانون والعلاقات الدولية. والعمل في سياق ذلك النهج على توسيع خارطة الأطراف الداخلة ضمن منظومة العناصر المتسببة في هذه المعضلة الكارثية وإن لم تكن لأنشطتها الاقتصادية والإنتاجية أدوار فعلية في التسبب بما هو حادث من آثار ضمن معادلة مسببات معضلة التغير المناخي، وذلك من أجل إيجاد مخارج لتقليص مسئولياتها وتحجيم التزاماتها الدولية للمساهمة الفعلية في تنفيذ الإجراءات المحدّدة في التعهدات الدولية بشأن تخفيض مستوى الانبعاثات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.
وتشير دلائل الأحداث الدولية ضمن واقع التصدي لظاهرة تغير المناخ، إلى أن الدول الصناعية الكبرى، على الرغم من مؤشر المعطيات الحسابية لبيانات مصادر تلوث الغلاف الجوي لكوكب الأرض والتي تشير إلى دورها الفعلي في ما هو حاصل من تدهور في مكونات النظام البيئي للغلاف الجوي، تعمل بحزم على تعزيز واقع الضمانات القانونية التي تشرع تقسيم كعكة المسئولية الدولية في شأن تغيّر المناخ العالمي. ويمكن تبيّن ذلك في السياسات التي تتبناها الدول الصناعية وتعتبر بموجبها الدول المصدرة للنفط متساويةً في مسئولية تصاعد ظاهرة التغير المناخي. لذلك صارت تسعى لتسويق ضريبة الكربون لجعلها قاعدةً قانونيةً في منظومة التشريع الدولي للمسئولية البيئية.
المجتمع الدولي في سياق جهوده المشتركة للتصدّي لظاهرة الاحتباس الحراري والتغيّرات المناخية، عمد إلى التوقيع على عددٍ من المواثيق الدولية، تمثّلت في «اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون» في العام 1985؛ وبروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون (1987)؛ واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (1992)؛ وبروتوكول كيوتو الملحق بالاتفاقية (1997).
وأخذاً في الاعتبار الأهمية الاستراتيجية لهاتين الوثيقتين، وجّهت الدول نداءها في المبدأ (192) في وثيقة مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) للتوقيع عليها بالقول:» ونحثّ الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والأطراف في بروتوكول كيوتو، على الوفاء الكامل بالتزاماﺗﻬا وبالقرارات المتخذة بموجب هذين الاتفاقين .
ووعلى الرغم من ذلك فإن حقائق امتثال الدول بالالتزامات الدولية لاتزال دون المستوى المطلوب، ما يضعف من فاعلية الجهود الدولية للحد من الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4607 - السبت 18 أبريل 2015م الموافق 28 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً