العدد 4616 - الإثنين 27 أبريل 2015م الموافق 08 رجب 1436هـ

سمنة فكرية!

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كيف نصاب بالسمنة الفكرية؟ نعرف جيّداً السمنة ومخاطرها ومشكلاتها التي تؤرّق البعض، كما نعلم بأهمّية إنزال الوزن والإبقاء على الوزن المثالي، في عصرٍ زادت فيه السمنة البدنية، وخصوصاً في البلدان العربية، ولكن السمنة الفكرية هي سمنة خطيرة أيضاً، وأصحابها خاملون جاهلون بأبعادها، فما هي السمنة الفكرية؟

إنّها تلك السمنة التي تجعلنا نعتقد بأنّنا نعلم كلّ شيء، وأن نتعالى على كل فكر، ونبتعد عن الكتاب الذي يُغذّي الفكر، ذاك الكتاب الذي قلّ قرّاؤه في الوطن العربي، بل في العالم أجمع، وأصبح الهاتف الذكي أهم مليون مرّة من الكتاب، هذا الكتاب الذي يعطينا الرشاقة في الفكر، والتعمّق فيه، ويجعلنا في صحّة تامّة، من خلال العلم والمعرفة.

أتذكّر أستاذتي ومربّيتي خلود آل محمود، فلقد كانت تربّينا على تلك الرشاقة الفكرية، فكانت تطلب منا القراءة، وتناقشنا فيما نقرأ، ولم تكلّ أو تملّ أو تبتعد عن المناقشة أو التحفيز، ففي تلك الأيام الذهبية كان المعلّم هو المحور الرئيسي في حياة الطفل، وكان القدوة الحقيقية للقراءة والفكر العميق، وما أصبحنا عليه اليوم هو نتاج أولئك الذين أحبّوا مهنتهم كخلود آل محمود وغيرها من المربّين، فكنّا نشاهدهم يقرأون ويُعيروننا كتبهم، ومن ثمّ تبدأ عملية زيادة المعرفة وتقويم السلوك الاجتماعي عبر الثقافة والنهل من العلم.

لماذا ابتعدنا عن القراءة؟ ولماذا نجد أغلب أبنائنا مشغولين بالهواتف الذكيّة والألواح الالكترونية والحواسب الآلية؟ لقد ذهبت المعارف والمهارات الكتابية والقرائية إلى مهب الريح، وحلّت لدينا سمنة جديدة هي سمنة الفكر، وأصبح هؤلاء الأبناء لا يعرفون عن تاريخ فلسطين شيئاً، ولا يعرفون عن ماهيّة القومية العربية ومن سبقنا إليها من الأوّلين، ولو سألتهم عن حدود البحرين كمثال، فإنّك لن تسمع إلاّ واحدا يجيب، إن كان هناك من يجيب.

تأثر الجيل الجديد بجاستين بيرر وغيره، ولم نساعدهم على معرفة التراث القيّم الذي درسناه في يوم من الأيام، فمن حظّنا نحن أبناء السبعينيات أن درسنا آخر كتب التاريخ التي تكلّمت عن القومية العربية وعن فلسطين الغرّاء بفكر رائع زاد من إيماننا بهذه القضيّة.

كانت تلك الكتب بمعيّة المعلّم المربّي تزيد من حصيلتنا، فلم نشعر بالسمنة ولا بـ «الترهل» الفكري، بل كانت العقول نشطة آنذاك، فمسلّة حمورابي كانت وجهتنا قبل الإلياذة، وكنّا نتمتّع في الحديث عن العراق الجريح اليوم، هذا العراق العظيم الذي حوى 5 حضارات في مكان واحد، وكان فخراً للعرب أجمع على مر العصور.

اليوم نحدّثهم عن العراق، فيسألوننا ما هو العراق؟ ونكلّمهم عن فلسطين فيقولون لماذا أنتم متعصّبون لهذه القضيّة القديمة ولا تعترفون بـ «إسرائيل»؟ أسئلة تطرحها الأجيال الجديدة، التي ابتعدت عن الكتاب وعن العلم والمعرفة، أجيال نشعر بالحزن عليها لأنّها لم تنشأ إلاّ في عصر السرعة وزيادة السمنة والإجهاد والتعب والخمول!

ليتنا نستطيع مساعدة الأجيال القادمة، عبر تشجيع القراءة والبحث العلمي، وليتنا نساعدهم للتخفيف من السمنة الفكرية التي أُصيبوا بها، وليتنا نخلق جيلاً قرّاءً مثقّفاً، لا جيلاً ضيّق الأفق سريع الغضب، ولا يعلم من دنياه إلاّ ما يصل إليه عبر الشبكة العنكبوتية فقط!

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 4616 - الإثنين 27 أبريل 2015م الموافق 08 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:31 ص

      طارق

      اكتبوا أحسن ما تسمعون واقرأوا أحسن ما تكتبون واحفظوا أحسن ما تقرأون وتحدثوا بأحسنِ ما تحفظون .

    • زائر 7 | 4:26 ص

      الله يرحم

      راح زمن القراءة

    • زائر 6 | 4:25 ص

      موضوع حلو

      اختي مريم اكبر شاهد على كلامج جمهور معرض الخريف وجمهور معرض الكتاب

    • زائر 5 | 3:23 ص

      123

      في الصميم .. شكرا لطرح مواضيع حية .. كانت على بالي مؤخرا

    • زائر 4 | 2:46 ص

      رائعة

      مقالك في صميم الروح

    • زائر 3 | 1:25 ص

      إيه ليتني أستطيع بث الوعي في بعض الجماجم

      رغم قلة المتعلمين في ذلك الزمن إلا أن كانت ثقافتنا عاليه وحبنا للقراءة ما له حدود واليوم أكثر الناس أصبحو متعلمين يجيدون القراءه والكتابه ويعمل بعضهم في أعمال مرموقة ولكنهم للأسف غير مهتمين بالثقافة حتى من خلال الأدوات الحديثة تراهم يجلسون ساعات وساعات ليلعبون العاب تافهة بدل أن يفتحون على مواقع علمية وحتى في دردشات مع بعضهم البعض يتكلمون في أمور تافهة فقول الشاعر لا حياة لمن تنادي

    • زائر 2 | 12:50 ص

      سلمت أناملك

      أختي مريم انت نعم القلم الشريف أختي لقد فلت زمام الأمور الأولاد تبعوا الغرب في التحرر وهذه مصيبة كبرى معظم أوقاتهم بل كلها في الشبكة العنكبوتية وكلما قلت لهم هذا لايجوز ياإبني قال لك ياأبي الزمن تطوّر وانت عايش في القرون الوسطى الله يعينا عليهم . أختي الغالية أريد منك أن تكتبي موضوع عن أوضاع المتقاعدين فأوضاعنا صعبة وليس لها حل في في الأفق فكيف نعيش بهذا الراتب في هذا الزمن الصعب أولادنا في المدارس والجامعات ونحن نحتضر من شدة الفقر والعوز والفاقة فشكراً لكي ياأختي العزيزة

    • زائر 1 | 11:07 م

      الكاسر

      والله ويش احجي ويش اقول الجيل الجديد مال كرة وسينماء وتلفونات وسيارات وكشخة و و و
      وفي الأخير المخ فاضي عشان يصبح الانقياد سهل من قبل القادة اعتقد كلامي واضح ما ابي أوضح اكثر

اقرأ ايضاً