العدد 4640 - الخميس 21 مايو 2015م الموافق 03 شعبان 1436هـ

القانون في معادلة بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

القانون أداة مهمة في بناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وللقانون وظائفه المتنوعة والمتداخلة في أدواتها الإجرائية والتنفيذية، وتتفاعل ضمن منظومة عمل متبادلة التأثير في تعضيد آلية صون معالم النظام البيئي. وتتمثل منهجيات عملها الاختصاصي في الجوانب التوعوية والعقابية ووسائل الردع والرقابة، والإجراءات التنظيمية والبرامجية لبناء السلوك البيئي الرشيد كمدخل لإنجاز الأهداف الاستراتيجية للتنمية المستدامة.

الناشط البيئي سامي عباس في إطار جلسة حوارية خاصة لكوادر «جمعية البحرين للبيئة» جرى تنظيمها بهدف دراسة واقع التحول السلبي في السلوك الفردي مع الأنظمة البيئية، وبالأخص منها المرتبط بواقع العلاقة مع نظم البيئة البحرية التي تصدرت صفحات الصحف المحلية في بلادنا، وأخذاً في الاعتبار الجدل المتصاعد بين البحارة والمؤسسات المختصة من جهة ونشطاء العمل البيئي من جهة أخرى الموجّه للبحث عن الأسس المنهجية في معالجة هذا السلوك، قدّم رؤيته المتداخلة في بعدها الإجرائي ومنظومة العمل التكاملي للقانون في بناء السلوك البيئي للمجتمع وإنجاز أهداف التنمية المستدامة. وفي سياق معالجاته طرح جملةً من الأسئلة المهمة: ما الغاية من القانون؟ وما الهدف من تطبيقه؟ ومن يحمي القانون ويحفظ له هذه الغايات التي من أجلها شُرّع؟ وكيف يمكن تطوير القانون بما يتلاءم وحاجات المجتمع؟.

ويقول إننا نعتقد أن السؤالين الأخيرين أكثر صلة بالمحور الثاني، ونعني الشراكة المجتمعية، وبالنسبة للسؤال الأول فإن غاية وهدف أي قانون هو تنظيم العلاقة بين مختلف الأطراف توافقاً واختلافاً، وبما يحفظ لكل طرف حقوقه وإلزامه بواجباته، ويسهم في تكامل الأدوار صغرت أو كبرت، وبما يحقق استدامة الموارد المتاحة ماديةً كانت أو معنويةً أو بشرية... «ومن المهم هنا التعامل مع القانون كعملية أو نظام وجزء أساس في العلاقات البشرية، وتجنب التعاطي مع القانون كأداة أو وسيلة كما هو حاصل، إذ يعتبرها القوي عصاه الغليظة، فيما ينظر الضعيف للقانون بأنه حاجز وأداة تعطيل لمصالحه الفردية أو الفئوية الضيقة، مهما اتسع المنتفعون، أمام هذا الواقع يفقد القانون جوهره ومعناه».

الرؤى المختلفة في شأن وظائف القانون تؤكد على الوظائف الموجهة لتنمية الوعي وبناء السلوك البيئي الرشيد، وذلك اتجاه مؤسس في منهجيته لبناء ثقافة مجتمعية بمضامين القانون البيئي وضروراته، لصون الأمن البيئي للمجتمع. وهي محور رئيس في قواعد التشريع البيئي، ويشكل مطلباً مهماً وركيزة استراتيجية في أدوات إنفاد القوانين وفرض الالتزام بمحدّدات النظام القانوني المعني بصون معالم النظام البيئي. لذلك تركن غالبية التشريعات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المختصة بالشأن البيئي إلى وضع مبادئ تنمية الوعي البيئي للمجتمع في مقدمة أولويات آلياتها التنفيذية، ويؤكد ذلك التوجه وتجارب العمل البيئي أيضاً على أنه لا يمكن تطبيق قواعد التشريع البيئي، من دون أن يكون هناك وعي حقيقي بفوائد وضرورات وظائف ومكونات النظام البيئي للحياة على كوكب الأرض؛ وكذلك ضرورة فهم المجتمع بما يتسببه السلوك البيئي غير الرشيد في الإخلال بتوازن النظام البيئي وما يشكله من خطر فعلي على الأمن البيئي للمجتمع.

القانون رقم (21) لسنة 1996 بشأن البيئة في البحرين (المادة4، فقرة 13) يؤكّد «العمل على تنمية الاهتمام بالنواحي التربوية والإعلامية والاجتماعية والثقافية، لزيادة وتطوير الوعي البيئي، وذلك لتمكين المجتمع من المساهمة الفعالة لتحقيق الأهداف المرجوة للحفاظ على البيئة وتطويرها»، وذلك المبدأ تأخذ به مجمل التشريعات البيئية.

الرقابة البيئية بمختلف اتجاهاتها المؤسسية والاجتماعية مطلب عصري وظاهرة حضارية، وتشير تجارب العمل البيئي إلى فوائدها الاستراتيجية في الحدّ من ظواهر السلوك غير الرشيد وبالاتساق مع الخصوصية التنفيذية لوظائف الرقابة البيئية في بناء السلوك البيئي للمجتمع، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة صارت محوراً رئيساً في قواعد التشريع البيئي الدولي والإقليمي والوطني.

كما تشير التجارب أيضاً إلى أن الخلل في آلية الرقابة بمختلف اتجاهاتها المؤسسية والاجتماعية والفنية، يضعف من فاعلية تطبيق قواعد القانون وإنجاز أهدافه الموجّهة في صون الثروات الحيوية للنظام البيئي، كما هو عليه الحال في ما نشهده من خلل في تطبيق قرار حظر صيد الربيان في البحرين، حيث تشهد مواقع حضانة الربيان نشاطات جائرة وغير رشيدة، إلى جانب الكميات الكبيرة من الربيان صغيرة الحجم المعروضة للبيع لدى الباعة الجوالين. وتلك ظاهرة في حاجة إلى معالجة مؤسسة في منظومة آلياتها القانونية والإدارية والإجرائية والتوعوية.

وسائل الردع والعقاب وظيفة قانونية مهمة ضمن منظومة العمل التنفيذي للحد من الظواهر السلبية في العلاقة مع معالم النظام البيئي، وتؤكد تجارب العمل البيئي على أنه لا يمكن تحقيق منجز فعلي في تحسين السلوك الاجتماعي البيئي وإنجاز أهداف التنمية المستدامة دون أن تكون هناك منظومة من القوانين المؤسسة في قواعدها الإجرائية والتنفيذية والعقابية قادرة على الحد بل قمع الممارسات والأنشطة غير الرشيدة التي كما تشير الحقائق تمثل العنصر الفعلي في الإخلال بتوازن النظام البيئي. بيد أنه من أجل تمكين قواعد التشريع البيئي في إنجاز أهداف بناء السلوك البيئي للمجتمع وإرساء مبادئ التنمية المستدامة كهدف إنساني، ينبغي أن يراعي القانون في قواعده مبدأ الإنصاف في معادلة تطبيق أحكامه.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4640 - الخميس 21 مايو 2015م الموافق 03 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً