العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ

مآذن زاهرة... رحلات إلى دول آسيا المسلمة والهند

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

العنوان أعلاه «مآذن زاهرة» صدر في القاهرة العام 2015، هو اسم كتاب في أدب الرحلات بقلم أستاذ الاقتصاد ونائب وزير التعاون الدولي ونائب وزير الاقتصاد ومدير عام في مجموعة البنك الإسلامي للتنمية سابقاً، وهو الدكتور علي عبدالعزيز سليمان. وهو خبير دولي في الشئون الاقتصادية والمالية التقليدية والإسلامية، وهو مغرم بالرحلات وكتب أكثر من كتاب في هذا الصدد، منها كتاب بعنوان «رحلات في ظل الهلال» نشر في لبنان (2005)، وله ثمانية كتب في علم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية الدولية.

ومن خلال عمله في مصر وفي جدة حيث مقر بنك التنمية الإسلامي، سافر للعديد من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، ويمتاز بالأدب الجم ودماثة الخلق، ويمتاز ككاتب بالأصالة في فكره والسلاسة في أسلوبه، ويحرص ضمن مؤلفي أدب الرحلات، على أن يسجل كل ملاحظاته ومشاهداته أولاً بأول، فلا تفوته واردة ولا شاردة. ومن زاوية أخرى يوثق لرحلاته وزياراته الرسمية ونشاطه من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية والإسلامية، ويقدّم لها برامج للتدريب والتعليم والتعاون الفني والمالي لمساعدتها لتحقيق النمو الذي فاتها في عصور الاستعمار الأوروبي الفرنسي والبريطاني والسوفياتي، حيث تركت هذه القوى الاستعمارية الثلاث البلاد التي احتلتها متخلفة اقتصادياً وتنموياً وبشرياً، ولم تدرك أبعاد مأساتها حتى تحرّرت بالطريق السلمي عندما انهار الاتحاد السوفياتي وقرّرت دول آسيا الوسطى الإسلامية والدول الاوروبية، مثل أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق الثلاث، كما استردت دول أوروبا الشرقية قرارها السياسي المستقل وحقها في تقرير مستقبلها بل وانضمامها للناتو عسكرياً وللاتحاد الأوروبي سياسياً.

أما دول آسيا الوسطى الإسلامية فقد عاشت مرحلة من التخلف كشأن باقي الدول الإسلامية في أفريقيا والعالم العربي وغرب وجنوب آسيا، فمن بينها دول لها استقلال حقيقي بمعنى الاعتماد على النفس والسلوك السياسي والاقتصادي الذي يحقق لها التقدم والاستقلالية في اتخاذ القرار والقدرة على الدفاع عن ترابها الوطني. وهذه الأمور نسبية، فقد حققت بعضها تقدماً اقتصادياً، ولكنها ثقافياً تعيش في فكر العصور الوسطى وفكرياً أقرب للجاهلية قبل الإسلام، ومنها خرجت الحركات المتخلفة أمثال «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«جندالله» و»جند بيت المقدس» وغيرها من المسميات التي تحمل معانٍ دينية وإن ابتعدت في سلوكها ومواقفها وسياساتها عن الإسلام الصحيح. فلا جند بيت المقدس يعمل من أجل تحرير بيت المقدس بل من أجل تخريب مصر، وكذلك جند أنصار الله وحزب الله وغيرها من المسميات لا علاقة لها بلفظ الجلالة المقدّس لأنها تسير على نهج سياسي يخلط بين الإرهاب وسيلة، والطموحات السياسية غاية، وأحياناً تسيطر عليها النزعات الطائفية ومن ثم فهي تسعي لتخريب الأوطان ونشر عدم الاستقرار ونبش القبور والمتاجرة في الآثار بعد تحطيمها باسم الإسلام وهلم جراً.

كتاب «مآذن زاهرة» لا يتدخل في السياسة، وكذلك «رحلات في ظل الهلال»، فالأسماء تشير إلى أن الهلال كان يرفرف على تلك البلاد، والمآذن كانت يوماً زاهرة ولكنها اليوم ربما خفت صوتها ولم تعد زاهرة إلا من حيث الاسم أو التاريخ. فآسيا الوسطى قدمت أعظم هدية للحضارة الإسلامية، وإليها ينتمي كثير من العلماء في الفقه والحديث بل واللغة العربية والعلوم والطب والكيمياء والفلك والرياضيات. ويكفي أن نشير إلى بعضها مثل البخاري ومسلم في علم الحديث، والفارابي في الفلسفة والمنطق والسياسة، والخوارزمي في علم الجبر والبيروني في الجغرافيا والآثار والرحلات، وابن سيناء وابن النفيس في الطب، وأشهر الصوفية خصوصاً أبي حامد الغزالي في الفقه والتصوف وابن الرومي، نسبة لبلاد الروم حيث ولد، رغم أنه انتشر في بلاد فارس حيث نبغ عمر الخيام في الرياضيات. كما انتقلت عن طريقها قصة «ألف ليلة وليلة» و»كليلة ودمنة»، وهما من أشهر الكتب الأدبية في الحضارة الإسلامية الزاهرة والتي نهل منها علماء من العديد من الدول، بما في ذلك كثير من علماء الهند والباكستان الذين وصلت إليهم العلوم العربية عبر الفرس الذين لعبوا دوراً مزدوجاً في نقل حضارة الهند العريقة للحضارة الإسلامية ونقل الحضارة الإسلامية للهند.

يعرض كتاب «مآذن زاهرة» لجغرافيا وتاريخ دول آسيا الوسطى، ويخصص فصلاً للمدن التي زارها المؤلف، وهي طهران، شيراز، أصفهان، المآتا، بخارى، سمرقند، دوشامبي، كراتشي، دلهي، ـجرا وتاج محل. والرحالة يمتاز بقدرة فريدة على اختصار سمات كل بلد، فيطلق على شيراز «مدينة الفواكه والشعراء»، وباكو «عاصمة البترول»، المآتا «عاصمة التفاح»، وبخاري «مدينة السحر والأسرار»، وسمرقند «بلد الأمير تيمور»، الذي أنقذها من الدمار واتخذها عاصمة لملكة، أما «دوشامبي» عاصمة طاجكيستان، فيبدو أنه لم يسحره شيء فيها، فألصق بها الصفة التقليدية وهي عاصمة الدولة، أما كراتشي فيطلق عليها «نافذة باكستان على بحر العرب»، ودلهي «عاصمة سبعة ممالك»، ويختمها بمدينة أجرا والأثر المشهور هو تاج محل، وأطلق عليها أجمل اسم في الحياة بأنها «معبد الحب»، لأن الحاكم المنغولي المسلم أقام بها ضريحاً ومسجداً يخلد ذكرى حبيبته.

ويذكر المؤلف أن رحلاته لتلك الدول (غرب وجنوب آسيا وآسيا الوسطى) امتدت على مدى عشر سنوات (1998 – 2009)، وشملت زياراته 11 مدينة إسلامية في 7 دول (إيران، أذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، طاجكيستان، باكستان والهند). وحرص الرحالة على أن يتجنب أي نقد سياسي لأية دولة أو مدينة زارها، فعندما تحدّث عن طهران ذكر أن الغموض يلف الحياة والثقافة، وأكد أن إيران جزء أصيل من الشرق الأوسط ومن ثقافته. وزار المحلات والأنشطة الاقتصادية لأن مهمته في هذه الزيارات كانت اقتصادية، ولكنه بعين البصير الثاقبة كان يسجل المشاهدات لهدفين، أولهما استمتاعه بالسياحة والتراث الإسلامي؛ وثانيهما حرصه على نقل تلك المشاهد الإسلامية للقارئ المصري والعربي ليعرف تاريخ دول هي جزء من حضارته وثقافته الإسلامية التي كانت زاهرةً يوماً ما. وثمة أمل يراود كثير من المسلمين أن يعود للإسلام مجده في القرن الحادي والعشرين، قرن التقدم والعلوم والتكنولوجيا والسياحة والآثار والتراث، وأيضاً قرن التسامح والمحبة والتعاون.

ويعبر الرحالة عن أسفه لما شاهده أحياناً من مظاهر التخلف والقمع باسم الدين أو الأمن الوطني، كتراث ينتمي للعهد السوفياتي الذي مارس القمع طوال فترة سيطرته على تلك الدول، أو القمع من الاستعمار البريطاني في الهند وباكستان.

وقد لاحظت أن المؤلف لم يكن مهتماً بأهم صناعة برزت في إيران، وهي صناعة السجاد، فهو تحدث عن شيراز وهناك أنواع من السجاد باسمها، كذلك أصفهان، ولكن لم يفته أن يذكر شاعر إيران الأشهر، وهو حافظ الشيرازي، والسعدي كما لم ينس الإشارة إلى برسبوليس حاضرة فارس القديمة، والتي كان من أشهر ملوكها جمشير الذي بنى قصراً منيعاً، كما احتفل آخر امبراطور لإيران (الشاه محمد رضا بهلوي) بذكرى مرور 2500 عام على نشأة الحضارة الفارسية. وقد ذكر مدينة اصفهان التي يقال لها «نصف الدنيا» بالفارسية، كما يقول المصريون أن مصر هي أم الدنيا والذي أطلق عليها ذلك هو ابن خلدون عندما زارها، ووجدها أكثر تقدماً من الدول الأخرى في المنطقة، وتأثر بعراقة حضارتها.

أما باكو عاصمة أذربيجان، فيراها تبحث عن جذورها، ويذكر أنها حائرة بين المشرق والمغرب. ومدينة المآتا عاصمة كازاخستان أو دولة القازاق، وهو شعب ذو أصول منغولية، فقد أشار المؤلف إلى ما قامت به مصر من تعاون معها وبناء مسجد جميل بمآذن مملوكية. أما بخارى فيراها تعبر عن أزهى عصور الإسلام، ويكفي أن ينتسب إليها الإمام البخاري وابن سيناء والمتصوف أبو حامد الغزالي، وأطلق الدكتور سليمان على سمرقند «عاصمة تيمورلنك» لأنه اتخذها عاصمة لمملكته، وبذلك حماها من الاندثار تحت سنابك خيل جنكيزخان.

ومن الملاحظ أن معظم دول آسيا الوسطى الإسلامية يتحدثون اللغة التركية القديمة، ما عدا طاجكستان التي تتحدث اللغة الفارسية وهي في حضن عدة جبال تكون 97 في المئة من مساحة الدولة، والدولة مشهورة بالعنب والنساء الجميلات، وهو ما سيطر على أحاديث الرحالة سليمان مع كبار مضيفيه الذين أقاموا حفلاً للعشاء على شرفه ولم يرغبوا في التحدث في قضايا مهمة مجالها المباحثات الرسمية في الاجتماعات، ولذا ركزوا حديثهم على العنب والنساء باعتبار أن المناسبة اجتماعية وليست اجتماعاً لبحث الأعمال.

وأشار سليمان إلى مدينة كراتشي «العاصمة الاقتصادية لباكستان»، وبها ضريح قائد أعظم محمد علي جناح مؤسس الدولة، وربما الزعيم الوحيد الذي يتفق عليه جميع الباكستانيين لكثرة اختلافاتهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية في شتى المجالات والأحزاب ما عدا الوحدة التي تجمعهم وهي حب وتقدير جناح.

وتناول الرحالة الهند مشيراً لضخامة حجمها وكثافة سكانها، فهي الثانية سكاناً بعد الصين، وهي بلد المتناقضات وبها تراث حضاري إسلامي في مدينة دلهي ونيودلهي، حيث المساجد والمقابر المغولية. ويختم كتابه عن رحلاته إلى مدينة أجرا وتاج محل الذي الذي بناه الأمبراطور جلال الدين أكبر، المؤسس الحقيقي لمملكة المغول بعد موت أبيه همايون، والذي تميز بالاعتدال والتسامح تجاه الأديان الأخرى في الهند، بل بحث عن دين يمثل القاسم بين كل الأديان ويحظى بالاحترام والتقدير لدى كل الهنود، مسلمين وهندوس. وضريح تاج محل يخلد قصة حب الأمير الشاب الذي تعرّف على حبيبته الجميلة في قصر والده جهانجير «ممتاز محل» التي كانت ابنة رئيس الوزراء وهو شقيق زوجة أبيه «نورجيهان»، واستغرق بناء تاج محل 22 عاماً، وهو تحفة معمارية رائعة.

وختاماً لا يسعني إلا أن أعبر عن تهنئتي للكاتب المبدع والأستاذ الجامعي المتفاني في خدمة العلم والمجتمع. ونتطلع لمزيد من هذا العطاء الثقافي المهم في التعريف بمختلف دول العالم وعلاقاتها الحضارية مع مصر وبلاد العرب.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4655 - الجمعة 05 يونيو 2015م الموافق 18 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:33 ص

      نعم انها تحررت

      ربما يكون في كلامك شئ من الصحة بان هذه الدول التي ذكرتها قد تحررت من الدول الاستعمارية ولكن اعلم انها اي الدول الاستعمارية هي التي تحررت من تلك الدول مثلما قال احد وزراء فرنسا بان فرنسا هي التي تحررت من الجزائر وها هو اليوم الشاب الجزائري والافريقي كل امنيته هي ان يهاجر الى تلك الدول التي تسميها استعمارية ومثلما تحررت هذه الدول كما تقول فان اسبانيا ايضا قد انقذها الله تعالى من الاستعمار الاعرابي الاسلاموي الاموي المتخلف وبذلك تخلصت من الارهاب الذي تصدره دولهم
      علي جاسب . البصرة

اقرأ ايضاً