العدد 4658 - الإثنين 08 يونيو 2015م الموافق 21 شعبان 1436هـ

كيف يحمي الناس أرواحهم من خطر «داعش»؟

رضي السماك

كاتب بحريني

خلصنا في مقالات سابقة تتعلق بـ «داعش»، إلى أنه لا سبيل للخلاص النهائي من خطر هذا التنظيم والذي بات اليوم يهدد شعوب مجلس التعاون قاطبة، إلا من خلال استئصاله جذرياً، فكراً وتنظيماً، عبر إطلاق مشاريع إصلاحية ديمقراطية سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية ودينية جذرية شاملة.

لا تساورنا بطبيعة الحال أية أوهام بإمكانية إقدام دول المجلس على مثل تلك المشاريع في المنظور القريب، لأسباب موضوعية وذاتية ليس هنا موضع تناولها، على أن ما لا يدرك جله لا يُترك كله.

وفي اللحظات المصيرية التاريخية الراهنة فإن المملكة العربية السعودية، كبرى مجلس التعاون ومقر أمانته العامة، هي أكثر دول المجلس استنفاراً لمواجهة الخطر الداعشي الداهم على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والإعلامية. وإذا كان من المفهوم حالة التأهب القصوى في الدولة التي نُكبت بتلك العمليات الإجرامية الأخيرة لـ «داعش»، فذلك لا يعني أن دول المجلس الأخرى، هي بمنجاة من أيدي التنظيم الارهابية، وخصوصاً في ظل وجود قيادات مرجعية مُنظّرة تتربع في أعلى هرم التنظيم بعضها ينتمي للبحرين، ناهيك عن أعداد غير قليلة من الخلايا النائمة أو السرية الفاعلة، ومن ثم تُخطئ هذه الدول إن نامت على سرير من حرير الطمأنينة قريرة العين، بمنأى عن خطر «داعش»، فسكاكين هذا التنظيم أقرب إليها من حبل الوريد.

وثمة فرصة ذهبية تتشكل الآن لدول المجلس التي لم تُنكب شعوبها بمذابح جماعية على أيدي انتحاريي «داعش» كالتي نُكب بها الشعب السعودي الشقيق، ينبغي أن تغتنمها في الحال قبل فوات الأوان، وتتمثل في الاستفادة من التجربة السعودية باتخاذ التدابير والإجراءات الاحترازية اللازمة أمنياً وسياسياً وإعلامياً، والتي من شأنها الحيلولة دون تمكن «داعش» من تحقيق مآربه الإجرامية بارتكاب المزيد من المذابح الجماعية. ولا ريب في أن المشاركة الشعبية في اتخاذ هذه التدابير بتقاسم الأدوار حكومةً وشعباً، تلعب دوراً حاسماً في إفشال مخطط «داعش» الإرهابي، كما برهنت بقوة الأحداث الأخيرة في السعودية، ولا سيما عملية مسجد الحسين في الدمام، فلولا يقظة واستبسال الشباب الأربعة لطاولت المذبحة آلاف المصلين. ولعل هذا الدور البطولي الذي سطره بكل شجاعة أولئك الشبان الأربعة الذين قاموا بحراسة المصلين، وتصدّوا بكل قوة بأجسادهم العارية للمجرم الانتحاري لحماية المصلين من كيده الإجرامي، هو الذي دفع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى وصف المواطن «بأنه رجل الأمن الأول»، لما يعول عليه من آمال في الشراكة المجتمعية بين الدولة والمجتمع في حفظ أمن المواطنين.

وبطبيعة الحال فإن تطوّع بضعة شباب لحماية المصلين لا يعني بالضرورة شكلاً من أشكال اللجان الشعبية، فأهل مكة أدرى بشعابها. وهكذا يمكن فهم الدور البطولي الجسور الفريد من نوعه، الذي اجترحه الشباب الأربعة في التصدّي بكل همة وشجاعة مقدامة للإرهابي وهو مزنّرٌ بحزامه الناسف أمام مسجد الدمام، وخصوصاً الدور الذي أداه الشاب الشهيد عبد الجليل الأربش، والذي ألهمت بطولته كتّاباً سعوديين من مختلف الطوائف، بعيداً عن الحسابات والحساسيات المذهبية الضيقة الأفق.

كما كانت تلك البطولة، حسب صحيفة «الحياة» السعودية، مثار إعجاب وانبهار وسائل إعلام أميركية عديدة بالأربش، كما قررت حكومة «كنساس» -الولاية الأميركية التي يدرس فيها- تكريمه. ومن هنا أيضاً يمكن فهم القرار الذي اتخذه العاهل السعودي بمعاملة شهداء مسجد الدمام الأربعة كشهداء الواجب الوطني، ومنحهم نوط الشجاعة والذي لا يمنح عادةً إلا للعسكريين ومن أدوا بطولات شجاعة خارقة في ميادين القتال والعمليات الحربية والأمنية؛ وأن يُصرف لعائلة كل شهيد مليون ريال، ويُمنح للشهيد أعلى درجة في الوظيفة سواء أكان يشغل وظيفةً عند استشهاده أم عندما يُوظف أحد أبنائه، إن يكن له أبناء، في وظيفة والده، وإسقاط كل ديون الشهيد ويصرف راتب لوالديه بعد استشهاده قدره خمسة آلاف ريال (راجع «الحياة»، 4 يونيو).

الأهم من كل ذلك، أن السعودية اتخذت جملةً من التدابير الأمنية الاحترازية الجديدة لإحباط أية عمليات إرهابية ينوي «داعش» ارتكابها، وهي تدابير جديرة بالاحتذاء من قِبل دول مجلس التعاون، لاسيما الأكثر عرضةً للخطر الداعشي، ومن ذلك مضاعفة دوريات الأمن العام، وتوفير مراقبين أثناء صلوات الجمعة في مساجد المملكة، ونشر دوريات أمنية على بوابات المساجد، ومنع الصلاة في الباحات الخارجية للمساجد لتعزيز حماية المصلين، ورصد مكافآت مالية مغرية تصل إلى سبعة ملايين ريال لكل من يدلي بمعلومات تسفر عن إحباط عملية إرهابية. (المصدر السابق نفسه). هذا عدا ما قامت به وسائل الإعلام السعودي من تصعيد وتشديد لحملتها القوية ضد تنظيم «داعش» سياسياً وفكرياً ودينياً، وتنسيق حملة هجوم موازية تقوم بها وزارة الشئون الإسلامية ضد «داعش» يشارك فيها كل خطباء وأئمة المساجد، لتوعية المصلين بمخاطر الفكر الداعشي كفكر منحرف، على الإسلام وأمن المسلمين.

في البحرين جرى مؤخراً تداول في وسائل التواصل الاجتماعي لائحة إرشادات تحت عنوان «علامات تساعدك على التعرف على الانتحاري»، وتتضمن 13 نقطة في كيفية تفادي شرور المجرم الإرهابي الانتحاري قبل تنفيذ عمليته، نعتقد بأنها جديرةٌ بالعناية والتعميم بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، ومن أبرز هذه النقاط شرح لكيفية الاستدلال على الانتحاري: من خلال ملابسه غير الملائمة، ومن طريقة مشيته، ومن علامات الوجه، ورائحته، وطريقة نظراته، وغير ذلك من النقاط الأخرى المبين شرحها في اللائحة.

وفي تقديرنا أنه بإمكان دول مجلس التعاون، وخصوصاً من لديها مكون في نسيجها الاجتماعي مستهدف بالإسم بالإبادة من قبل «داعش»، أن تستفيد من هذه اللائحة الإرشادية عبر تطويرها وتوعية المواطنين بها في وسائلها الإعلامية وخصوصاً الفضائية، شريطة أن يكون هناك إحساس فعلي مسبقاً بالخطر الداعشي الداهم، وعدم إخضاع التعامل معه لاعتبارات أي محاذير أو توازنات طائفية متى توفرت الإرادة والإحساس الفعلي بأن وباء الخطر الداعشي بات فعلاً يهدّد دول مجلس التعاون شعوباً وحكومات بلا استثناء.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4658 - الإثنين 08 يونيو 2015م الموافق 21 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:54 م

      الشراكة المجتمعية

      اتفق مع الكاتب في ان الشراكة المجتمعية مع الدولة هي السبيل الانجح لحماية ارواح الناس من هولاا المجرمين الارهابين ولقد كان لدولة تجارب سابقة في ذلك فلماذا تطبق في وقت دون اخر

اقرأ ايضاً