العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ

والأمة في أزمة... أين العلماء والمفكرون؟

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

قرأنا كثيراً، مذ كنا في المرحلة الابتدائية، في كتب القراءة وفي القصص التي عشقناها في مكتبة المدرسة وفي مسابقات الإنشاء والتعبير، أن علماء الدين المخلصين وفئة المثقفين والمفكرين في الأمة، هم النخبة التي تعتمد عليها الأوطان لنهضتها ونموها وحصانتها وصيانتها من الأزمات، وهم صمام الأمان.

لكن، أين اختفى علماء ومثقفو ومفكرو الأمة العربية والإسلامية طوال، على الأقل، السنوات الأربع الماضية والأوضاع في هذه الأمة تزداد اشتعالاً ودماراً؟ أين قائمة من أسماء لامعة في فضاء الفكر والثقافة والفلسفة والعلوم والجامعات والأبحاث، وكذلك في مجالات العلوم الإنسانية وغيرها... كنا نرى لمعان أسمائهم في الصحف ونسمع عنهم في الإذاعة ونشاهد بعض حواراتهم في التلفزيونات والفضائيات ويسبق البعض منهم كلمات المفكر، الفيلسوف، الباحث، الأستاذ؟ أين هم ولماذا غاب صوتهم تماماً؟

لعل الإجابة مفيدة إن كانت صريحة، ففي الأمة العربية والإسلامية، ولنركز على دول الخليج العربي، هناك شخصيات في مجالات الفقه الإسلامي والشريعة وفي العلوم والسياسة والفكر والثقافة، لكن لهم ثلاثة اتجاهات ولربما رابع وخامس الله أعلم، الاتجاه الأول: إما أن ينضووا تحت عباءة السلطة ويصبحوا صوتها وقلمها ومدادها؛ أما الاتجاه الثاني: فإنهم يفضلون ثلاثية (لا أرى – لا أسمع – لا أتكلم)؛ فيما الاتجاه الثالث هو ذلك العدد اليسير من المخلصين المؤمنين بقضايا أمتهم وشعوبهم ممن حاولوا التكلم بما ينفع فكتمت السلطة أنفاسهم، فابحث عنهم في مصر والعراق والشام والمغرب العربي وفي دول الخليج العربي، ستجدهم قلةً مغلوبة على أمرها.

كثيراً ما قرأنا عنوان «دور المثقفين في استنهاض الأمة»، لكن يبدو ذلك المعنى تعريفاً وتطبيقاً يتحرك وفق الظروف الاعتيادية النظرية للغاية، أما في وقت الجد واحتدام الأزمات، فالمثقف العربي يتحول إلى كيان يرتدي أكثر من وجه! ولعل المختلفين معي قبل المتفقين مقتنعون تماماً بأن أشد مراحل الأمة في كل تاريخها الحديث، بدأت في العام 2011 أو ما يسميه البعض «الربيع العربي»، فيما أنا مصر على التسمية التي اخترتها لنفسي وهي «ربيع المطالبة بالحقوق المشروعة للشعوب». ولعل المختلفين معي قبل المتفقين يتأملون هذا السؤال: متى وكيف وأين كان الدور البارز لعلماء الدين وللمثقفين والمفكرين والنخب في المجتمعات العربية والإسلامية والخليجية في الوقوف إلى صف الشعوب من جهة، ومخاطبة الحكام والحكومات ودعوتها إلى تبني منهج الشراكة في صنع القرار والحكم الرشيد من جهة أخرى؟

سيكون الجواب: بعضهم أصبح تحت عباءة السلطة، والبعض الآخر أصبح في غياهب السجون، والبعض الثالث تجده بلا بوصلة تحدد مساره.

ولابد من أن تدخل في بعض دهاليز التعقيد وأنت تناقش السؤال! فالبعض سيغرقك في المصطلحات: مدخلاتها ومخرجاتها، من قبل «المثقف العضوي» ثم «المفهوم الجمعي»، وبالتأكيد سيعرج بك نحو فلسفة «غرامشي» مؤسس الحزب الشيوعي الإيطالي وصاحب نظرية الكتلة التاريخية فلسفياً، وسيدافع البعض عنه نفسه بإدخال الآخرين معه في دائرة الاتهام مع أنه معه بالفعل! سيتحدث عن تقصير علماء الدين ورجال الأعمال والاقتصاد وسائر الفئات ذات الفعل المؤثر في المجتمع. نعم، نحن هنا نتحدث عن غياب كل أولئك، وتقزيم وتهميش آخرين، بل وتقديم دعاة الفتنة والطائفية والمصالح الفئوية والمتاجرين بالوطنية ومثقفي الظروف الطارئة ليقودوا المشهد من سيء إلى أسوأ بالتأكيد. إن الهم الأول بالنسبة لهم تحقيق مصالحهم الشخصية والحصول على (الدسم) والأعطيات ورضا السلطان، ولا تهمهم الأوطان على الإطلاق، وكذبتهم (بالوطنية المخلصة) لا تنطلي إلا على من خف عقله ليصدق ما يقولون.

هي حقيقة مرة، لم يكن لتلك الفئة دور واضح على الرغم من كفاءة ووطنية وجدارة الكثير من الأسماء، وكان البعض منهم قد أثار بضع محاولات خجولة على صعيد الثوابت الوطنية والمشاركة في القرار السياسي والعملية التنموية والمجتمعية والإنتاجية، وكتب بضع مقالات خجولة هي الأخرى فيما يتعلق بالتغيير الاجتماعي ومعالجة الأزمات التي تمر بها الأمة بتقديم مصلحة الشعوب أولاً وليس الحكام والحكومات والسياسيين والمتمصلحين، إلا أن كل ذلك لم يحقق أثراً في التصدي لاستبداد المستبدين وتسلط المتسلطين.

تحتاج الأمة للنخبة من العلماء المخلصين والمفكرين والمثقفين في الربط بين المواطن والسلطة، وفق ميزان الحقوق والواجبات والمواطنة والعدالة الاجتماعية، ويلزم أن يقوموا بدورهم الحقيقي (الصعب) أمام الحكام لإرساء الحكم الرشيد والتحول الديمقراطي الجاد والفعال، وترك التكرار المتعب وإلقاء التبعات على مؤامرات الخارج وتكالب الدول العظمى.

باختصار: ليس أفضل من إزالة الحواجز بين الحاكم والمحكوم، وبين الشعوب والحكومات... فالشعوب هي صاحبة السيادة ومصدر السلطات.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 4662 - الجمعة 12 يونيو 2015م الموافق 25 شعبان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:23 ص

      زائر 4 هاده الرد اسمعه

      رسول الله \\ص\\ كان عالم ونبي وسياسى يعنى قالو اليه المسلمين لاتتدخل فى السياسة وهو كان ادير الحروووب تعرف لو مومجلس العلمائى وشيخ عيسى قاسم وسيد عبدالله الغريفى وبعض العلماء الشرفاء الي اخافون على مصلحة البلد شان البلد من زمان صارت فيه حرب طائفيه وانت جاي اتقول اشيلون ايدهم عن السياسة

    • زائر 9 زائر 8 | 1:00 م

      إلا تشاهد الحرب المذهبية في المنطقة

      الوطن العربي والإسلامي لم تكون فيه أي فتنة من قبل إلا تكفي هذه الدماء هذا مرت به الشعوب الأوربية المسيحية ولم ينصلح حالها إلا بعزل الكنيسة عن السياسة

    • زائر 5 | 3:22 ص

      المال لعبة لعبته في شراء الذمم العلمائية

      حين يصبح المال هو سيد الموقف فالقليل من الناس ومن العلماء ايضا من يستطيع مقاومة بريق المال والقول له كفّ عني . حقيقة مرّة لكنها حقيقة الوضع السائد
      مواقف علما تتبدل حسب الطلب وكله من اجل المال

    • زائر 4 | 2:26 ص

      الع.... هي الحل

      يجب منع رجال ..... من التدخل في السياسة فهم يفسدون كل شيء و يفرقون الناس و لا يوحدونهم فالسني لن يقبل أبداً بمن يلبس العمامة و لا الشيعي سيقبل أبداً باللحية الطويلة فالحل هو منع هؤلاء من التدخل في شؤوننا

    • زائر 3 | 1:16 ص

      الأمة في أزمة وستظل كذلك إلى أن تقنع شعوب الأمة العربية والإسلامية

      بما اقتنع به الشعوب المتحضرة العريقة في الديمقراطية ب بتحجيم دور علماء الدين والمذاهب من لعب أي دور في العمل السياسي وجر شباب الأمة خلف أحزاب دينية مفكرة لبعض وإنشاء قنوات دينية ومذهبية تلعن بعضها بعض على مدار الساعة فهل بعد هذا يبقى أي دور لعلماء العلوم الدنيوية في جميع المجالات

    • زائر 2 | 1:08 ص

      صباح الخير.

      محد خمبق الأمه غير بعض العلماء والمفكرين. قال وين قال.

    • زائر 1 | 1:06 ص

      مقال رائع .

      كثير منهم اصبح مسايرا للبلاط , وقليل منهم ثابت على الحق ومجاهد , والبعض منهم اصبح شيخا كبيرا , والامل كل الامل مع شباب الشعب وانتظار صاحب العصر والزمان والفرج من عند الله والحرية للمعتقلين والضعفاء والفقراء والمحتاجين , ألف تحية لكل من قال كلمة حق..... . اللهم صل على محمد وآل محمد .

اقرأ ايضاً