العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ

قراءة في حوار «الوسط» مع السفيرة التركية

رضي السماك

كاتب بحريني

يكتسب الحوار القيّم الذي أجرته «الوسط» بتاريخ 9/6/ 2015 مع معالي السفيرة التركية هاتون ديميرير أهميته، من كونه جاء غداة إعلان النتائج الانتخابية النيابية التي أسفرت عن عدم فوز حزب العدالة الحاكم بالأغلبية المطلقة التي تمكّنها من تشكيل حكومة بمفرده، ما يضع تركيا والحياة السياسية فيها على مفترق طرق مجهولة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وأخطرها دخولها في دوّامة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتأتي أهمية الحوار كذلك لما باتت تلعبه تركيا منذ تولي حزب العدالة الإسلامي الحكم في البلاد قبل 13 عاماً، من أدوار غير مسبوقة في تاريخها السياسي الحديث على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وإذا كان من الصعوبة أن نتناول في هذه العجالة كل النُقاط التي تطرق إليها الحوار، فإننا سنكتفي بثلاث مسائل أساسية.
المسألة الأولى: تتعلق بعلاقة تركيا بالإرهاب كما جاء في السؤال الأول المطروح على معالي السفيرة حيث نفت بشدة علاقة بلادها بالجماعات الإرهابية، خصوصاً «داعش»، وأنحت باللائمة على الدول التي يأتي منها الإرهابيون، لعدم تزويد حكوماتها بأسمائهم مسبقاً. فهل يمكننا بناءً على هذا التبرير القول بأن بلادها كانت مجرد ضحية مؤامرة دولية لجعلها «بوابة» لتصدير الإرهابيين بهذه الأعداد الهائلة على مدى خمس سنوات خلت بما يفوق قدراتها الإستخباراتية العتيدة، فضلاً عن خبرتها وكفاءتها الجمركية الحدودية؟ أليس الاستطراد في التبرير ولو من باب على الأقل النقد الذاتي العادي بأن ثمة أخطاء أمنية محدودة غير مقصودة وقعت فيها حكومتنا واستغلتها الجماعات الإرهابية أكثر منطقياً وقبولاً لدى القارئ؟
المسألة الثانية: تتعلق بالمشكلة مع الأرمن، حيث رفضت معالي السفيرة وصف «الإبادة» وإن أقرّت باسم حكومتها بما عاناه الأرمن، واستطردت قائلةً إن تركيا ليست وحدها التي تمثل الإمبراطورية العثمانية، غامزةً بذلك لشركاء من من مكوّنات قومية أخرى في الدولة العثمانية (نرجو ألا يكون المقصود بهم العرب)؛ واتهمت الأرمن (هكذا كلهم دون تبعيض كما ورد في الحوار) بالخيانة لأن لهم -حسب تعبيرها- اتصالات مع القوات الأجنبية، وأنهم وقفوا ضد دولتهم العثمانية بعد ما كانوا شديدي الولاء لها؛ وأن تركيا لو كانت ترمي إلى إبادتهم وتهجيرهم لما بقيت منهم جماعات إلى اليوم في أسطنبول. والحال سواء اتفقت معالي السفيرة في الرأي بأن ما لحق بالأرمن هو من أعمال «الإبادة»، وهذا ما يجمع عليه عدد كبير من كبار المؤرخين في العالم، فإن تلك الأحداث هي من مآسي القرن العشرين الكبرى، ولا ينبغي لأي باحث متجرد يتحلى بحد أدنى من الموضوعية التقليل من حجمها وأهوالها. وتجمع أغلب التقديرات المحايدة بأن ضحايا تلك المأساة تتراوح أعدادهم بين المليون ونصف المليون... والمليونين. ثم لماذا تعتبر إدانة النظام العثماني الاستبدادي الثيوقراطي السابق الذي ثار عليه أتاتورك مؤسس النظام العلماني الحالي، بمثابة إدانة للشعب التركي بأكمله؟
مهما يكن، ففي أثناء المناسبة المئوية لتلك المأساة هذا العام، تم ويتم الكشف عن وثائق وحقائق دامغة جديدة عنها وعن حجم أهوالها، وتُنشر في وسائل إعلام الدول الحليفة والصديقة لتركيا نفسها، سواءً في الغرب أم في العالم العربي، وبضمنها دولنا الخليجية دون استثناء، دع عنك ما صدر من دراسات رصينة منذ عقود إلى يومنا هذا، عن مراكز أبحاث وجامعات عالمية ودوريات مُحكمة لها سمعتها العلمية العالمية.
المسألة الثالثة: تتعلق بالعلاقات التركية - المصرية في عهد الرئيس الحالي المنتخب عبد الفتاح السيسي بعدما حظي مقدماً بدعم الجيش وثورة 30 يونيو2013 الشعبية لخلع الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، فمعالي السفيرة وإن نفت دعم حكومتها لهذه الجماعة، إلا أنها ضمنياً لم تنفِ التدخل المباشر في شئون أكبر دولة عربية تحظى بعلاقات حميمية قوية مع معظم الدول العربية، وعلى الأخص الخليجية، بمبرر الدفاع عن الديمقراطية باعتبار خلع الرئيس مرسي يمثل انقلاباً منافياً للديمقراطية. ولنا أن نتساءل هنا مجرد تساؤل: هل حقاً لو لم يكن الرئيس مرسي الذي تم خلعه ينتمي لنفس الإسلام السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس التركي أردوغان، هل كان الأخير سيندّد بالانقلاب عليه بصورة علنية كما فعل مع خلع مرسي؟ ثم أليس من الأولىٰ أن تصل تركيا هي نفسها إلى مستوى متقدم من نضج تجربتها الديمقراطية التي مازالت نواقصها وعيوبها تحول دون ضمها إلى الإتحاد الأوروبي قبل أن تعطي دروساً لمصر والدول العربية في الديمقراطية؟
والحق فإن لغة الخطاب التدخلية في شئون مصر الداخلية صادمة لأي مراقب محايد، خصوصاً وقد ظل الرئيس نفسه يرددها في خطبه وتصريحاته بصورة حادة منذ إسقاط مرسي، وما كان ينبغي أن يحدث ذلك على الأقل من أعلى منصب في هرم السلطة في دولة إسلامية مهمة كبرى تربطها علاقات وشائج تاريخية بمصر، أكبر دولة عربية ولها وزنها الدولي والإقليمي. نقول ذلك ليس انطلاقاً من الدفاع عن مصر السيسية التي ليست بحاجة لدفاعنا ولديها حشد ضخم من الإعلاميين والكتّاب والمفكرين والمسئولين والدبلوماسيين الأكفاء للتصدي لهذه المهمة، بل انطلاقاً من معايير قانونية دولية مجردة، ومن حرصنا على صفاء العلاقات الثنائية بين الدولتين الصديقتين الإسلاميتين.
وإذ جاء حوار «الوسط» مع السفيرة هاتون ديميرير مفيداً في التعرف على وجهة النظر الرسمية لحكومتها في قضايا الساعة التركية المهمة التي تشغل بال الرأي العام والمحللين والباحثين السياسيين في عالمنا العربي، فإنه لا يسعني ختاماً إلا أن أعبّر عن إعجابي الشديد بجانبين في هذه الشخصية النسائية، السفيرة التركية المتميزة: الأول: رحابة صدرها الكبير في الرد على كل الأسئلة الصريحة والحسّاسة التي وجهتها لها «الوسط»، والثاني: ثقافتها السياسية الموسوعية وإلمامها الدقيق بتاريخ بلادها السياسي والعالم، وهذه ميزة قلّما نجدها لدى العديد من سفرائنا العرب والخليجيين بهذا العمق. وحيث جاءت ردودها مفعمةً بالثقة في النفس بلا لجلجة (كما يبدو من نص الحوار المنشور)، ومن دون قلق من غضب حكومتها منها في أية إجابة، كما هو الحال لدى أغلب سفرائنا العرب، ولكأنها في ردودها تبرز شخصيتها بامتياز كخير ناطق رسمي باسم حكومتها لا كسفيرة فقط.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4672 - الإثنين 22 يونيو 2015م الموافق 05 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:11 ص

      المواقف

      يحق لسعادة السفيرة ان تقول و تدعي ما تريد. خاصة اذا كانت ادعاءاتها في سياق الدفاع عن سياسة بلدها. في نفس الوقت يحق لنا ان نصدق تصريحاتها او ننفيها. في ظل وسائل الاتصال الحديثة لا بمكن إنكار الحقيقة و معرفتها ، مهما حاول اصحاب السلطة. فعليه و بناء علي معلوماتنا من كافة المصادر لم نصدقها.

اقرأ ايضاً