العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ

الاستهلاك المستدام في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الاستهلاك المستدام مطلب إستراتيجي للأمن المعيشي للمجتمعات ومؤشر للعلاقة الرشيدة في استغلال الرأسمال الايكيولوجي ويتقاطع هذا النمط من الثقافة مع ثقافة الاستهلاك غير المستدام التي تؤكد حضورها وبشكل بارز في السلوك الاجتماعي في شهر رمضان وتبرز علائم هذه الثقافة السلبية في مظاهر اإسراف والتبذير والاستغلال غير الرشيد للمواد الغذائية، حيث تشهد أسواق المواد الغذائية في هذه المرحلة حراكاً مجتمعياً يشبه حالة الاستنفار الاجتماعي التي ترافق عملية التمويل للتحضير لحرب محتملة، ويقابل ذلك الواقع ما تشهده مكبات القمامة من تراكم بقايا الأطعمة والفضلات ونفايات المواد الغذائية الفائضة عن الحاجة التي يجري رميها، ما يشكل معضلة متداخلة في آثارها السلبية، في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية والإدارية، حيث يتسبب ذلك في التأثير السلبي على الواقع المعيشي لقطاع واسع من المجتمع ويُحمل ميزانية الدولة مصروفات مالية كبيرة للتخلص من أكوام النفايات المتراكمة ويتسبب في تلويث المحيط البيئي للإنسان وإحداث الأضرار الصحية نتيجة انبعاث الروائح الكريهة التي تنتجها فضلات الأطعمة الى جانب تفريخ الحشرات الضارة كما تتسبب في إحداث المعوقات الإدارية في كيفية التخلص من الحجم الكبير للنفايات الغذائية المتراكمة في حاويات القمامة.

الاستهلاك غير المستدام كمفهوم ومعضلة اجتماعية وإنسانية يشخصها الإسلام في مفهوم ثقافة التبذير والإسراف ويعالج الإسلام هذه المشكلة بشكل جذري حيث يحدد منظومة من القيم والمبادئ التوجيهية للحد من هذه الظاهرة ويبين القرآن الكريم هذه التوجيهات في قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (وَلَا تُطِيعُوا أَمْر الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ) (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

السلوك الاجتماعي غير المسئول في الاستهلاك وما يمثله من أثر سلبي على الواقع المعيشي والاقتصادي للمجتمع جعله في محط معالجات الاقتصاديين البحرينيين ويؤكد الاقتصادي جعفر الصائغ في تحقيق منشور في صحيفة «الوسط» البحرينية 19 يونيو 2015م الموافق 02 رمضان 1436هـ ، «إن الإحصاءات العامة تتحدث عن ارتفاع إنفاق الأسر البحرينية في شهر رمضان بمقدار يرتفع ليتراوح بين 50 و80 في المئة عما كان عليه قبل رمضان، ويقفز لدى البعض إلى 100 في المئة» ويشير «في الأساس لدينا خلل في نظامنا الاستهلاكي وهذا الأمر لا يقتصر على شهر رمضان، فليست هنالك رؤية ترتكز على نظرة مستقبلية، وليس لدينا نظام استهلاكي يتم من خلاله استغلال مواردنا أفضل استغلال».

إن الخطر الذي تُسببه هذه الظاهرة على الأمن الاجتماعي والإنساني نتيجة فقدان الموارد وشيوع حالة الفقر في العديد من المناطق في العالم تشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية المختصة في الشأن الغذائي والبيئي، وساهم النقص المتصاعد للموارد الطبيعية والاستغلال الجشع للرأسمال الايكيولوجي في دفع برنامج الأمم المتحدة للبيئة «يونيب» رفع شعار «سبعة مليارات حلم على كوكب واحد، فلنستهلك بعناية» للاحتفال بيوم البيئة العالمي - 2015، وفي ذات السياق المدير والممثل الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لغرب آسيا إياد أبومغلي في الكلمة المنشورة في كتاب «وثيقة دبي حول التنفيذ الإقليمي العربي لمخرجات (ريو+20) الصادر عن مؤسسة زايد الدولية للبيئة» يشير الى جوهر شعار يوم البيئة العالمي لعام 2013 «فكّر، وكُل، ووفِّر - لتقلِّل من بصمتك الغذائية» ويقول «يعكس الشعار الكميات الهائلة من فضلات الطعام التي نهدرها من الانتاج حتى الاستهلاك، علماً بوجود أعداد كبيرة من السكان في مجموعات أخرى من البلدان ليس لديها ما يكفي من قوتها اليومي. وفي المتوسط، فإن العالم يهدر ثلث ما ينتجه، في حين أن هذا المبلغ يكفي لإطعام كل جائع من النساء والاطفال على وجه الارض».

التقرير العربي حول التنمية المستدامة - الإصدار النموذجي، يشير الى أنه «على الرغم من إحراز تقدم كبير في بعض المناطق الفرعية، مازال نقص التغذية مستمراً في المنطقة العربية، ولن تتحقق غاية الجوع الخاصة بالهدف الإنمائي للألفية. فنسبة الأطفال الذين يعانون نقص الوزن تبلغ 14 % (خاصة في البلدان الأقل نمواً) ومعدلات السمنة آخذة في الارتفاع، إذ تضاعفت في دول مجلس التعاون الخليجي وتصل الى ما يقارب من 20 % في منطقة المشرق، كما تزيد المتوسطات الإقليمية كثيراً على المعدلات العالمية (12 % لدى الاطفال 23.6 % لدى البالغين في المنطقة). وتبلغ نسبة سوء التغذية المزمن بين الاطفال دون سن الخامسة، المقاسة بالتقزم، 22.4 %. ويؤكد التقرير أن المنطقة العربية تواجه «افتقاراً حاداً في الأمن الغذائي وأمن المياه والطاقة يهدد الأسس الاجتماعية والإنمائية والمكاسب الإنمائية الموجودة. ومما يفاقم الوضع أكثر أنماط الاستهلاك والانتاج غير المستدام التي استنزفت الموارد الطبيعية في المنطقة استنزافاً خطراً وأثر على نوعية الحياة».

التقديرات الاحصائية المتخصصة تشير الى أن بعض المجتمعات تستهلك كمّاً كبيراً من الموارد يزيد عن حاجتها المعيشية، فيما تعيش مجتمعات أخرى في فقر مدقع، ويرى عدد من المفكرين الاقتصاديين والاجتماعيين أن ذلك الواقع نتيجة لانتفاء العدالة الاجتماعية في تكافؤ الفرص للوصول الى الموارد ويشخص الإمام علي (ع) هذه المعضلة في قوله المشهور «ما رأيت نعمة موفورة إلا إلى جانبها حق مضيع»، ونتفق مع وثيقة دبي حول التنفيذ الإقليمي لمخرجات (ريو+20) «إن القضاء على الفقر وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام، وحماية الموارد الطبيعية اللازمة للتنمية، هي شروط أساسية لتحقيق التنمية المستدامة».

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:06 ص

      دروس للبشرية

      الجوع يبصرك الاختياري ليس كما الجوع القسري فالجوع الذي تتحدث عنه مدرسة يتبصر فيها الانسان حقيقة مآسي الفقر ويبصر الانسان بالطريق الصحيح من اجل لا يغرق في الجوع القسري.
      الانسان يمتلك عقل يوجهه للطريق الصحيح وللتفكر في حقائق تاريخ الامم التي هلكت لاستخفافها بما انعم الله عليها من نعمز
      الكاتب ينبه الى تلك الحقائق التي هي دروس للبشرية.

    • زائر 1 | 5:28 ص

      رمضان كريم

      ما هو الحل ؟
      الناس تقرا المقال وتتفق معه ولكن الجوع كافر وشهية الصايم مفتوحه ..

اقرأ ايضاً