العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ

استعادة أمجاد الجاهلية الأولى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كتابه الممتع الجميل «تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، يذكر ابن بطوطة ما تعرّض له حين شاهد عرضاً من أعمال السحر في بلاط أحد سلاطين الهند.

يصف ابن بطوطة صعود الساحر في الهواء، ثم سحبه شخصاً آخر إلى الأعلى، ثم بدأ بقطع أطرافه عضواً عضواً، ورميها لهم على الأرض. كان المنظر فظيعاً لم تحتمله أعصابه، فما كان منه إلا أن تهاوى غائباً عن الوعي. وسارع الجماعة لرشّه بالماء حتى استعاد وعيه. وأسرّ له أحد الجلساء بأنه لم يكن هناك صعودٌ للساحر في الهواء، ولا قطعُ أطرافٍ ولا دماء، وإنما كلها من أعمال خفة اليد.

لو جاء المرحوم ابن بطوطة هذه الأيام وشاهد ما تعرضه القنوات التلفزيونية من أعمال قتل وتنكيل همجية يقوم بها تنظيم «داعش»، ماذا كان سيحدث له؟ وماذا كان سيكتب لو شاهد طرق القتل التي يتفنّن بابتكارها عتاة «داعش»، ويصوّرونها بأحدث آلات التصوير، ويبثونها عبر شبكة الانترنت، ليشاهدها كل شعوب الأرض، ويروا ما بلغته الساديّة في أعلى درجات التوحش والبطش.

قبل عام، حين بدأت «داعش» غزوتها في العراق، عرضت صوراً للرؤوس المقطوعة معلّقةً على أسوار الحدائق والمنتزهات العامة. والمؤسف أن هذه الجرائم البربرية استثارت موجات من الفرح لدى جماعات غير قليلة من شعوب هذه المنطقة التي تطربها رائحة الدم. ولم يحدث أي تغيير في هذا الموقف السيكولوجي المريض إلا حين أُسر الطيار الأردني، الذي أسقطت طائرته أثناء قصف مواقع «داعش»، فقامت بحرقه في قفص، في واحدةٍ من أبشع صور البربرية في العصر الحديث. حوادث الحرق تكرّرت لاحقاً، وراح ضحيتها مدنيون وأسرى عراقيون دون أن تثير ردود فعل.

في هذا الأسبوع، الأول من شهر رمضان المبارك، خرج «داعش» بعمليات قتل جديدة أشد ابتكاراً، حيث تفنّن في قتل مجموعةٍ من أسراه، بعضهم بالصعق الكهربائي، وبعضهم بقطع الرؤوس جماعياً، وبالإغراق وهم مقيّدون في أقفاص حديدية. وهي فظائع تدل على عقليةٍ سيكوباثيةٍ مريضةٍ ممعنةٍ في الإجرام، لإيقاع أكبر قدر من الأذى والتنكيل قبل إزهاق الروح البشرية.

في التوجيهات الدينية، هناك أحاديث تحثّ القصابين على الرفق بالحيوانات قبل قتلها، وهناك أمورٌ مستحبة من قبيل عرض الحيوان على الماء ليشرب في لحظاته الأخيرة؛ وعدم قتل حيوانٍ أمام آخر لما قد يلحق به من رعب، خصوصاً إذا كان فصيلاً صغيراً أمام أمه. فكيف بهؤلاء الذين يذبحون بشراً بأيديهم؟ أية قلوب يحملونها في صدروهم؟ في أي حاضنةٍ اجتماعيةٍ تربّوا؟ ومن أي فكر تغذّوا؟

من المؤكد أن هذه الجرائم التي تجاوزت كل التصورات، لم تكن وليدة صدفة، وإنّما نتاج سنوات من الزرع في البيئات النتنة المظلمة التي لا يصلها الضوء. ورغم يقيننا بما تلعبه المخابرات الدولية من دور ضخم في إدارة هذه اللعبة الدموية، إلا أن هذه المجازر لم تكن لتحدث لو لم تكن بيئاتنا الاجتماعية مهيّأةً للاستخدام بهذه الصورة الوحشية، من حيث تدفّق المقاتلين والمتطوّعين والمتطوعات من أكثر بلادنا العربية والإسلامية لقتل الشعبين الشقيقين في سورية والعراق.

آخر فصول هذه الملهاة، ما أقدم عليه «داعش» من قطع المياه عن عدة محافظات عراقية، لقتل ملايين المدنيين عطشاً، في إحياءٍ للتقاليد البربرية التي حرّمها الإسلام وأحيتها الجماعات التكفيرية التي أعادت للجاهلية أمجادها.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4675 - الخميس 25 يونيو 2015م الموافق 08 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 11:14 ص

      وهل جزاء الاحسان الا الاحسان

      كيف يستشهد بالقراآن من يعتلي المنبر ويسب المسلمين في صلاة الجمعة ويعتبرها احسان..قدمت الاحسان لمن؟

    • زائر 23 زائر 21 | 6:50 م

      ا

      على حكومة البحرين ان تعيد النظر في الخلايا النائمه لداعش البحرين وهم كثر على الأقل من ظهرو للعيان وذهبو سوريا وهم معروفين قبل وقوع الفاس بالراس

    • زائر 19 | 7:43 ص

      جريمة اخرى هذه المرة في الكويت الشقيقة

      لَمْ تذهب بعيداً يا سيد. الجريمة اليوم في الكويت العزيزة. حمى الله المسلمين من شرور هؤلاء الخوارج الاشرار.

    • زائر 17 | 6:54 ص

      الفكر الظلامى

      أن هذه الاعمال الاجراميه التى ليست لها علاقه بالدين الاسلامى الاصيل انما نتاج فكر ظلامى مندوا السنين مبنى على أن كل انسان لا ينهج منهجهم ويسير على فكرهم كافر ولابد ان يقتل اويحرق او او .

    • زائر 20 زائر 17 | 8:20 ص

      من اي مذهب

      من اي مذهب هولاء الإرهابين

    • زائر 16 | 6:21 ص

      جرائم غريبة

      نعم ينكر العالم كله هذه الجرائم البشعة التي تفعلها داعش رغم وجود حس استخباراتي عالي فيها.
      السؤال ماذا عن السلب والنهب التي مارسها الحشد الشعبي بغطاء أمريكي. وحرق الجثث مارسها ويمارسها شبيحة الأسد منذ 2011 ومع ذلك يمنع عليك وعلى غيرك. انتقادها لأن من يقوم بها محسوبين على .... أليس هذا عجبا أن تكون مشاعرنا رهينة طوائفنا ؟؟

    • زائر 15 | 5:32 ص

      لتاريخ يعيد نفسه

      آخر فصول هذه الملهاة، ما أقدم عليه «داعش» من قطع المياه عن عدة محافظات عراقية، لقتل ملايين المدنيين عطشاً، في إحياءٍ للتقاليد البربرية التي حرّمها الإسلام وأحيتها الجماعات التكفيرية التي أعادت للجاهلية أمجادها.
      هذا بالضبط ما فعله ابو جهل وابولهب وابوسفيان مع النبي وصحابته وبعدها كرره الامويون في صفين وكربلاء مع الامام علي والحسين .

    • زائر 14 | 5:29 ص

      نحن والجاهليه

      وصدق الله عندما قال ان مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم فهم رجعو الي جاهليتهم الاولي وهذه الممارسات هي ثقافتهم التي تمتد لإلاف السنين ولن تتغير حت ياذن الله

    • زائر 12 | 4:49 ص

      المقاتلين ليسوا من دول عربية فقط

      حسب ما نقرأ هناك جنسيات اجنبيه متورطة وباعداد ليست قليلة في ... الداعشي عليهم لعنة الله وقد يكونون من المسلمين الجدد الذين تم اغرائهم بالتطرف والمال لنشر الفوضى في جميع البلدان االعربية والمسلمة.

    • زائر 10 | 4:01 ص

      الاسلام الاصيل

      المشكله بااستاذي العزيز هم في تكاثر من دول الشرف الى الغرب حتى امريكه اصبحت خائفه من انتشارهم لديها لا حول ولا قوة الا بالله

    • زائر 9 | 4:00 ص

      لعنة الله على الدواعش ومؤيديهم

      سيأيك الان بعض الاغبياء والسذج ليقارنوا بين هذه الجرائم الوحشية الدنيئة وعملية حرق إطار في الشارع ويطالبوك بمساواتهم!!

    • زائر 6 | 2:51 ص

      البركة في داعمي الإرهاب

      الإرهاب وليد التحريض والتمويل
      والبركة في تلك الدول التي تفتح حدودها لتسهيل عبور الأرهابيين وتلك الدول التي تمول الدواعش بالمليارات والملايين

    • زائر 4 | 2:18 ص

      لعنه تلعنهم

      الاسلام بريء من هذه الافعال الاجراميه .لا اعلم لمذا يقمون بالتمثيل بهذه الطريقه الوحشيه بامكانهم عن طريق رصاصه واحده في الراس .لكن السؤال لو قام الحشد الشعبي في العراق بمثل هذه الاعمال الاجراميه ماذا سوف تكون ردة الفعل من القنوات الفضائيه

    • زائر 3 | 2:09 ص

      في الأخبار الرسمية قبل يومين

      الدور الذي تلعبه المخابرات الدولية وإسرائيل والذي انفضح بشكل رسمي في حادثة سيارة الإسعاف الإسرائيلية والتي كانت تنقل جرحى سوريين من جماعة النصرة الإرهابية والتي هاجمها دروز الجولان وقتلوا واحد منهم وتوعدت اسرائيل بملاحقتهم ومحاكمتهم والذي خرست الالسن الاسلاموية عن الإشارة الى الحادثة وهو يشير الى الدور المشبوه الذي تلعبه هذة الجماعات بالتعاون مع اسرائيل وهم من يدعون محاربتها ، حيث لم نسمع عن اي عملية انتحارية ضد اسرائيل من قبلهم وهم من يعيثون قتلا وتفجيرا في اوطانهم

    • زائر 22 زائر 3 | 11:17 ص

      الشره مو عليهم

      الشره على الحكومات اللي ساكته عنهم وهم يسرحون ويمرحون. لكن بجي يوم.
      ان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون
      يوم يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني كنت ترابا

    • زائر 2 | 1:55 ص

      بلاء العالم هي امريكا

      هي الحاضنة للإرهاب في العالم لذلك ترى ازدواجيتها مع الدول دول ترغب بشطبها ودول تحميها وكلتاهما منتهكة لحقوق الانسان وتستعبد شعوبها ولذلك هي توفر الحماية لتلك البلدان الحاضنة للتشدد فلذلك هي واقصد بريطانيا وأمريكا هي مصنعة داعش

    • زائر 1 | 9:53 م

      نتاج سنوات من الزرع في البيئات النتنة المظلمة التي لا يصلها الضوء

      جملة دقيقة حقا.

اقرأ ايضاً