العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ

القواقع والأصداف: رحلة البحث عن الأسماء

المحادين يحاور الشيخ الناصري حول هواياته في العام 1996
المحادين يحاور الشيخ الناصري حول هواياته في العام 1996

لقد دفعني الفضول لمعرفة أهمية دراسة القواقع والأصداف في الدراسات الآثارية، لقضاء سنوات طويلة في جمع المعلومات التي تتعلق بالأصداف في البحرين، لاسيما، المعلومات الشفهية غير الموثقة وبالخصوص المتعلقة بالأسماء العامية، ومطابقة ذلك بالأسماء العلمية والعربية. وخلال تلك السنوات تمكنت من جمع أكثر من سبعين اسماً محلياً وخليجياً للقواقع والأصداف، ولم أتوقف عند هذه النقطة، بل تابعت البحث في أهمية القواقع والأصداف في دراسة التاريخ؛ فتتبعت الدراسات الآثارية التي تناولت أهميتها في الحضارات السابقة بالبحرين، منذ حقبة دلمون، وصولاً للحقب الإسلامية. وفي سلسلة مقالات سابقة تطرقنا لها بشيء من التفصيل.

ويعتبر البحث في المسميات العامية للقواقع والأصداف من الدراسات الصعبة وذلك حَمَلة التراث البحري الذين بمقدورهم التعرف على أسماء الأنواع المختلفة من القواقع والأصداف، ناهيك عن قلة الدراسات التي اهتمت بذلك. على مستوى الخليج العربي، يوجد عدد من الدراسات التي اهتمت بالأسماء المحلية لهذه الكائنات، ففي عمان صدر في العام 1983م كتاب «الأصداف البحرية بحظيرة السلطان قابوس الطبيعية بالقرم»، والذي وثق الأسماء العامية في عمان لأكثر من سبعين نوعاً من الأصداف. أما في بقية دول الخليج العربي فهناك عدد بسيط من الدراسات التي وثقت عدداً بسيطاً جداً (لا يتجاوز العشرة) من الأسماء العامية للأصداف، من هذه الدراسات، على سبيل المثال، كتاب «الحداق»، و «معجم المصطلحات البحرية في الكويت»، و«معجم المصطلحات البحرية في دولة الإمارات». كذلك، تم توثيق عدد من مسميات الأصداف في العديد من المقالات التي نشرت في الصحف الخليجية، وكذلك، اهتمت بعض المواقع المتخصصة بالتراث بتوثيق أسماء الأصداف وأهميتها، يذكر منها، على سبيل المثال، موقع النهام التراثي (alnahaam.com).

أما فيما يخص البحرين، فلا توجد أي دراسة اهتمت بالأسماء المحلية للأصداف، إلا أن وجود الكتب والمقالات والمواقع، السالفة الذكر، سهّل عملية جمع الأسماء في البحرين؛ فالعديد من الأسماء العامية متشابهة. يذكر أن هناك دراسة واحدة وثقت الأسماء المحلية للأصداف على سواحل البحرين، وهي دراسة قام بها الشيخ محمد علي الناصري منذ أكثر من عشرين عام إلا أنها لم تنشر بعد.

الشيخ الناصري والأسماء المحلية للأصداف

أول من عمل على توثيق الأسماء المحلية للقواقع والأصداف في البحرين هو الباحث في التراث الشعبي والشاعر والخطيب الشيخ محمد علي الناصري الذي كتب كتاباً كاملاً عن القواقع والأصداف على سواحل الخليج العربي، وهذا الكتاب لم يطبع حتى بعد رحيل الباحث عن هذا العالم، بقي الكتاب مخطوطاً، إلا أن أجزاء عديدة من هذا المخطوط نشر على صورة محاضرات أو مقالات أو مقابلات أو في الكتب المنشورة للباحث نفسه ككتاب «موسوعة الأمثال الشعبية في الخليج العربي». وفي العام 1996م أجرى عبدالحميد المحادين مقابلة مع الناصري حول هواياته، ونشر نص المقابلة في مجلة البحرين الثقافية (العدد العاشر 1996م). في هذه المقابلة تحدث الناصري عن أبرز هواياته:

«أولها (أي أولى هواياته) جمع القواقع البحرية والأصداف، وقد لفت نظري إليها وجودها على السواحل البحرينية، وهي هواية أمارسها منذ عشر سنوات فقط، وقد ألقيت محاضرة حول هذه القواقع في جمعية الآثار والتاريخ البحرينية، وتكلمت ساعة وربعاً عن هذه الهواية وعرضت شرائح وسلايدات عليها صور وأدلة حول هذا الموضوع. وعندي كتاب بعنوان «القواقع والأصداف على ساحل البحرين»... وقد نظمت أرجوزة تتضمن أسماء الأصداف البحرية قلت فيها:

سبحان ربي خلق الحالوسا

في البر والبحر لقى مغروسا

وخالق الحويت والفص معا

في شكله ولونه مذ لمعا

ومنشئ الدويك والخالوفا

والقير في أوصافه معرفا

والصصل المعروف ثم الحصما

نراه في أنواعه منمنما

وبارئ الزبوط والبرشوما

بشكله لدى الورى معلوما

والكوز والحصباء والصبانا

نلقاه في كثبانه نشوانا

ومبدع الإفساق ثم الوشلا

إبداعه لدى الورى مبجلا

والودع المشهور والطبيشا

يفرح في أشكاله منقوشا

والقرن والفراش والمحارا

في صنعه ذوي الحجا قد حارا

والخرز الخريز في ألوانه

والقرقمان الغض في أوانه

وبارئ الخنبوب والحلزونا

حيوانه في جوفه مكنونا

والبوش والبزمة والشلقلقا

نلقاه في تخطيطه منمقا

والنو والشويل والقرنفلا

رؤياه مفتاح لقلب مقفلا

وخالق الفقاع في تنظيمه

كذلك المصير في تصميمه».

أهمية كتاب الناصري

بلاشك فإن هناك أهمية كبيرة لمخطوط الشيخ الناصري حول القواقع والأصداف في البحرين، إلا أن هذه الأهمية تتمثل فقط في توثيق الأسماء المحلية للأصداف، وكذلك الأمثلة الشعبية التي ترتبط بهذه الأسماء. أما من الناحية العلمية، فيتضح من خلال مسميات القواقع التي ضمنها القصيدة السابقة أن الناصري خلط بين أربع مجموعات من الكائنات الحية وجمعها تحت مسمى واحد وهو القواقع والأصداف. فنلاحظ مثلاً الاسم «القرقمان»؛ فالقرقمان، وينطق عند العامة گرگمان وگرگمانه، فهو نوع من أنواع القنافذ البحرية وهو من مجموعة الحيوانات المسماة شوكيات الجلد وليس من الرخويات، ويسمى كذلك في الإمارات گرگمانه وگرگمبه (حنظل 1998).

وكذلك ذكر النو والخنبوب وقد سبق الإشارة، في الحلقة السابقة، إلى أن هذه الكائنات الحية تنتمي للقشريات وليس للرخويات. ومنها أيضاً «المصير»، وهذا ليس من القواقع بل هو ما يشبه الأنبوب الحجري تعيش فيه أنواع من الديدان. أما بقية الأسماء التي ذكرها الناصري في هذه القصيدة فهي لأنواع من القواقع والأصداف، وغالبيتها معروفة في مناطق مختلفة من الخليج العربي. وسنحاول في الحلقات القادمة تناول هذه المسميات بشيء من التفصيل من خلال البحث عن روابط مختلفة تربط المسمى بالتاريخ أو الموروث الشعبي.

العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً