العدد 4689 - الخميس 09 يوليو 2015م الموافق 22 رمضان 1436هـ

المفترون على عليّ!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في السنوات الأخيرة، بتنا نترقب ما يصدر من جديدٍ في كلّ موسم ديني، من كلمات منسوبة لكبار مفكّري وكتاب الغرب، عن بعض عظماء تاريخنا الإسلامي.

هذه الشخصيات، وبسبب عقدة النقص الحضاري التي نعاني منها، لا تجد لها جواز سفرٍ إلى قلوبنا كما يبدو، إلا من خلال الاستشهاد بكلمات أولئك الكتب والمفكّرين الغربيين. آخر هذه الإصدارات الغريبة ما نُسب لجان جاك روسو: «ما وجدت في التاريخ من يستحق كلمة أستاذ بمفهومها سوى رجل واحد هو علي بن أبي طالب». وعرّف مخترع هذه الكلمة روسو بأنه «فيلسوف فرنسي»، ليُعلي من شأن علي ابن أبي طالب!

ويحقّ لنا كقرّاء، أن نسأل عن مصدر مثل هذه الكلمة، وهل كتبها روسو في أحد كتبه النثرية أم الشعرية؟ الفلسفية أم المسرحية؟ وهل قرأ روسو عن حياة عليٍّ (ع) واطلع على فكره ومنهجه السياسي وفلسفته في الحياة، حتى خلص إلى هذا الرأي؟ وكم كتاباً أُلّف عن عليٍّ باللغة الفرنسية قبل ثلاثة قرون حتى يطّلع عليه روسو؟

في كلّ موسم ديني، تصدر لنا مثل هذه الكلمات التي تشير إلى وجود جماعةٍ من أنصاف الكتبة المغمورين الفاشلين، ممن يعانون من عقدة نقص حادة، يعوّضونها بنشر مثل هذه الكلمات المزعومة بحقّ الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الكرام، ممن امتلكوا ناصية الفصاحة والبلاغة والبيان، حتّى قال عليٌّ: «نحن أمراء الكلام، وفينا تشبّثت عروقه، وعلينا تهدّلت أغصانه».

إننا أمام عملية تدليس وتضليل وكذب، والكذب على الله ورسوله من المفطرات، كما في كتب الفقه الإسلامي. وهؤلاء الذين يستحلون الكذب إنّما يسيئون إلى أنفسهم وأمتهم، مهما كانت بواعثهم على ذلك، على طريقة من يخترع أحاديث وينسبها للرسول (ص) بغرض حثّ الناس على الصلاة والصوم، فلا يُمكن أن تخدم الحق بوسائل الباطل.

في موسم عاشوراء الماضي، نُشرت مجموعةٌ من كلمات المديح بحق الإمام الحسين (ع)، ونسبت لبعض المفكّرين والكتاب والزعماء الغربيين، مثل فيكتور هيغو وشارل ديغول، ونسبت كلمتان إلى تشي غيفارا وراجيف غاندي. فهذه الماكنة الصدئة لم تعد تنتج إلا مثل هذه النتاج الذي تستغفل من خلاله العقول.

هذه البيئة الدينية التي تنشر مثل هذه المفتريات، إنّما تدلّ على ما وصلت إليه من موات فكري، وفراغ ثقافي، بعدما وصلت إلى حافة الإفلاس. فلا تستغرب حين يغيب عن الساحة المفكرون الكبار، أن يبرز بعض الهزل غير الواثقين بأنفسهم، فيتخفون تحت أسماء غيرهم، ليملأوا الفراغ بمثل هذه النتاجات الرثّة. لقد أخفينا علياً بجهلنا، ودفناه تحت ركامٍ من قصص الغيبيات والمعجزات، فلا غرابة أن يكون أول من أحيا كتابه في العصر الحديث العالم الأزهري محمد عبده بعدما اكتشفه في منفاه ببيروت؛ وأول من ابتكر فهارسه بحيث لم يعد لك غنى عنه الشيخ اللبناني صبحي الصالح، وأول من دوّن تاريخه المفصل على هامش كتابه الشيخ المعتزلي ابن أبي الحديد.

عليٌّ لم يكن بحاجةٍ إلى شهادةٍ من روسو، مع تقديرنا لدوره التحرّري الكبير، واحترامنا لكل ثقافات الشعوب الأخرى وعطاء مفكريها وفلاسفتها.

لقد قال المعرّي يوماً: «لقد كذب الناس على الله، ثم على رسوله، ثم على أنفسهم..»، ولو عاد اليوم إلى عصر «التويتر» و»الواتس أب»، لأضاف: «... حتى كثر الكذّابة في هذا الزمان على أهل بيت الرسول، فمنهم من ينسبون لهم أقوالاً لم ينطقوا بها، ومنهم من ينسب أقوالاً فيهم لآخرين لم يعرفوهم ولم يقرأوا عنهم حرفاً واحداً».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4689 - الخميس 09 يوليو 2015م الموافق 22 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 7:18 م

      احترم هذا الكاتب

      اتابع كل مقالات قاسم حسين فهذا فكر وسط وهذا الفكر المتزن المنظبط حقا... تحياتي قاسم حسين

    • زائر 21 | 9:27 ص

      غاندي مثلا اخر

      مع قدوموشهر محرم تنتشر كلمة منسوبة لغاندي ( تعلمت من الحسين كيف اكون مظلونا فانتصر) قرأناها ونحن صغار ولكن لم نر لها مصدر في كلمة لغانظي او كتاب فمت أين جاءت هذه الكلمة ؟

    • زائر 19 | 7:32 ص

      فى

      فى عهد الرسول وال بيته عليهم افضل الصلااة والسلام فى بعض الرجال الي يدعون انهم اصحاب الرسول زورو احاديث كثيرة لاجل مصالحهم ولخدمة الطفاة لقتل الابرياء وفى هاده الزمن يوجد كثيرين منهم اهمشى عندهم مصالحهم ولو عن طريق الحرام انهم يتلذذون بالحرام واخرتهم معروفة جهنم وبئس المصير الله ياخد حقكم يا اهل البيت وخلصكم من اعدائكم وياخد حق شعب البحرين المظلوووووووووووم

    • زائر 18 | 7:25 ص

      طهه

      كلام مرسل يا سيد هذه المرة. لم تثبت أنت أيضاً بالأدلة صحة كلامك!
      ما أدراك بأن روسو لم يقرأ عن الإمام علي؟ أو حتى للإمام علي (ع) ؟
      -
      خذني أنا مثلاً قبل 75 سنة كنت أقرأ لجان جاك روسو و ديكارت وفولتير و ماكسيم جوركي وتولستوي وإقبال و عمر الخيام والفردوسي والشيرازي وكونفوشيوس ... رغم أني لا أعرف الفرنسية ولا الروسية ولا الأوردو ولا الفارسية ولا الصينية.

    • زائر 20 زائر 18 | 8:19 ص

      ظاهرة واضحة

      وكل ما لها تزيد.كل سنة يطلعون لنا بكلام. منسوب لقلان وعلان. زاد الماي على الطحين. من وين يجيبون هالكلام. اعتقد هذه عصابة محترفة في الكذب

    • زائر 22 زائر 18 | 10:12 ص

      القول الفصل

      من يأتي بكلام وينسبه لآخر فعليه ان يثبت ذلك بالمصدر. صارت المسألة لعبة. اين المصدر؟

    • زائر 17 | 6:13 ص

      لطالما كان الامام علي وسيظل هو الفيصل بين الحق والباطل .

      .

    • زائر 15 | 5:52 ص

      قامة عظيمة كالامام علي بن أبي طالب لا تحتاج لتلميع .

      ___________________________________________

    • زائر 14 | 5:39 ص

      المقال عليه واليه

      نسيت جورج جرداق والعقاد.
      وانت كيف ياسيد تصدق ان الخليفة ضرب عنقه بمجرد قال للرسول اعدل في مقال لك سابق.

    • زائر 13 | 4:52 ص

      قليلون هم المفترون ونستطيع اسقاطهم

      صحيح سيد كلامك هناك اناس بهذا المنظور ... ولكن حذار من الوقوع في الفخ الذي يقود المتلقي الى التشكيك في كل شئ .. فيبدأ الشك في الشخصية ثم في المذهب ثم العقيدة .. فلتكن عندنا بوصله توزن الامور دون ان نقع في متاهات الشكوك

    • زائر 8 | 3:48 ص

      ........

      وهل علي يحتاج الى شهادة من الشرق والغرب؟

    • زائر 3 | 11:17 م

      سنابسيون

      كلامك على الجرح سيدنا من زود الكلام المنسوب الى شخصيات والاحاديث المؤلفة والمنسوبة للنبي واهل بيته صرنا ما نصدق شي واي شي يوصلنا نطلب رابط او دليل على صحته لدرجة أننا شككنا فيما هو صحيح وما هو غير صحيح ولا نعلم من وراء هالشي هل هو موالي او مسلم او كتابي اوناس تريد نشر التخاريف والخزعبلات وسط شبابنا لتشككنا في عقائدنا !

    • زائر 1 | 9:44 م

      مكانة الامام علي عند الله . ... 1..... ام محمود

      " عن أبي ذر الغفاري قال: كنت عند رسول الله ص ذات يوم في منزل أم سلمة رض ورسول الله يحدثني وأنا له مستمع إذ دخل علي بن أبي طالب ع فلما أن بصر به النبي ص أشرق وجهه نوراً وفرحاً وسروراً بأخيه وابن عمه، ثم ضمه إلى صدره وقبل بين عينيه ثم التفت إلي فقال: يا أبا ذر تعرف هذا الداخل إلينا حق معرفته؟ قال أبو ذر: يا رسول الله هو أخوك وابن عمك وزوج فاطمة وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال رسول الله ص
      يا أبا ذر هذا الإمام الأزهر ورمح الله الأطول وباب الله الأكبر، فمن أراد الله فليدخل من الباب

    • زائر 11 زائر 1 | 4:29 ص

      حبذا اذا نقلنا اي حديث ذكر المصدر والصفحة والطبعة

      نفتقد الى ذكر المصادر لذا ينبغي ان نرفض اي كلام بدون مصدر لوقف التحريف الذي انتشر بجهل او بعلم أصحابه

اقرأ ايضاً