العدد 47 - الثلثاء 22 أكتوبر 2002م الموافق 15 شعبان 1423هـ

لماذا التصعيد الأميركي في إطار حرب خطوط العرض؟

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

كثفت الطائرات الانجلو أميركية من عمليات قصفها لاهداف عراقية خلال الشهرين الماضيين في ما يسمى بحرب خطوط العرض المستمرة منذ نهاية العام 1988 وحتى الان، والحجة الاميركية لتصاعد وتيرة عمليات القصف هو تزايد تعرض الطائرات، التي تجوب منطقتي الحضر الجوي التي تفرضهما لندن وواشنطن جنوب خط عرض 32 وشمال خط عرض 36 في العراق، لنيران المضادات الارضية وصواريخ ارض جو العراقية. وفيما يعلن العراق دائما التصدي لهذه الطائرات من قبل دفاعاته الجوية المختلفة يقول ان عمليات القصف التي تقوم بها الطائرات الانجلو اميركية انما تستهدف مواقع مدنية وخدمية.

ويقول المراقبون المحايدون ان العراق يستخدم مواقع متحركة لدفاعاته الجوية، وهذا ما يجعل الطائرات المغيرة تخطئ اهدافها.وهذا على ما يبدو تسبب في بروز مقاومة في حرب خطوط العرض صارت تزعج الاميركيين وربما كانت السبب وراء تكثيف عمليات قصفهم للمواقع العراقية. وتكمن حقيقة هذه المفارقة في ان الاعلانات العسكرية الاميركية عن الانجازات التي تحققها الطائرات الاميركية لا تتوافق مع تصاعد قدرة الدفاعات الجوية العراقية. اذ على رغم مما اعلنته المصادر العسكرية بشأن الانجازات التي حققتها منذ عملية «ثعلب الصحراء» نهاية العام 1998 وحتى الآن في اطار المواجهات شبه اليومية بين الطائرات الأنجلو اميركية والدفاعات العراقية والتي قامت خلالها هذه الطائرات بأكثر من 40 ألف طلعة جوية واسقط خلالها قرابة (5500) قذيفة على نحو 1600 هدف وقامت بتدمير - بحسب الجيش الاميركي - ما يقدر بحوالي 440 مدفعا مضادا للطائرات و 120 رادارا و49 منصة متحركة للصواريخ المضادة للطائرات و 29 مركز قيادة. فالملاحظ ان العراق لم يستمر فقط في صموده وقدرته على منازلة الآلة الحربية بكل ما تملكه من وسائل تقنية عالية ومتطورة، بل وحقق انجازات بعضها اعترف بها الجيش الاميركي وبعضها لم يعترف بها علنا. فهناك على الاقل بحسب التأكيدات العراقية نحو 17 طائرة مقاتلة اصيبت بنيران الدفاعات العراقية، فضلا عن الطائرات المسيرة التي اعترفت اميركا بتمكن العراق من اسقاطها، واخرها السيطرة على احدى هذه الطائرات اليكترونيا وإعادة توجيهها لتهبط في مكان محدد من قبل الجهات العراقية. وكانت اعترافات المسئولين العسكريين بهذا الصدد تحمل دلالات على تطور قدرات العراق الدفاعية. مدير غرفة العمليات الجوية لمراقبة شمال العراق العقيد (باك بيرغيس) - قال في مطلع صيف العام الجاري «ان الاخطار تكثفت على حياة الطيارين الاميركيين، ولم يكن يمضي يوم واحد من دون تعرض الطائرات للنيران العراقية»، موضحا ان العراقيين اكتسبوا خلال الاشهر الماضية مهارة ملموسة في التسديد والتكهن بمواقع الطلعات واوقاتها. هذا وكانت «الواشنطن بوست» نقلت عن احد جنرالات الجيش الاميركي العاملين في قاعدة «انجرليك» التركية ان العراقيين باتوا يمتلكون مدفعية مضادة ومتقدمة لم تكن في حوزتهم اثناء حرب الخليج، وان كثيرا ما يصل مرمى المدفعية العراقية إلى مسافة 500 قدم واحيانا اقل من ذلك من جسم الطائرة، وهي مسافة قصيرة جدا، مؤكدا ان الخيار الذي بات يسلكه الطيارون في حال تعرضهم لخطر المضادات العراقية هو تجنب الاشتباك والخروج من منطقة الخطر، واحيانا يذهبون إلى مناطق اخرى ليلقوا بقذائفهم ليصبح القصف بلا معنى وبلا اهداف حتى انه ترددت انباء عن توصية قدمها الجنرال (تومي فرانكس) قائد القيادة المركزية للقوات الاميركية والجنرال (جوزيف رالستون) رفع مسئول عسكري اميركي في اوروبا إلى البنتاغون، وتقول هذه التوصية التي سربت الـ (واشنطن بوست) بادخال تغييرات واسعة في طلعات المراقبة بما يؤدي إلى خفضها فوق الجنوب وقصرها لرصد التحركات العسكرية باتجاه الحدود مع السعودية والكويت. في حين فضل - بحسب المصادر - الجنرال رالستون وقف الطلعات الجوية بشكل كلي.

ويبدو ان البيت الابيض والبنتاغون رفضا هذه التوصيات، لاسيما في ظل التحضيرات لشن حرب واسعة على العراق، ان تكثيف عمليات القصف للمواقع العراقية من قبل الطائرات الانجلو اميركية ليست بعيدة عن اعداد مسرح العمليات للحرب الواسعة النطاق. كما ان تصاعد مقاومة الدفاعات الجوية العراقية باتت مزعجة ومحرجة للاميركيين، مزعجة لأنها في تصاعد وربما تمكنت في المستقبل من إحداث إصابات مؤكدة للطائرات . ومحرجة لان العراق يصر على التصدي لهذه الطائرات التي تنتهك اجوائه ولا تحظى بالتأييد من قبل مجلس الأمن، فبغداد التي أبدت مرونة عالية في موضوع عودة المفتشين، بقيت متشددة في موضوع التصدي للطائرات الاميركية والبريطانية التي تنتهك اجواء العراق. فبغداد بموجب اتفاق فيينا اكدت انها تضمن سلامة كل العمليات الجوية للمفتشين الدوليين خارج منطقتي الحظر الجوي، و«تتخذ كل الاجراءات الممكنة لضمان سلامة هذه العمليات» داخل منطقتي الحظر، باعتبارها انها لا يمكن ان تتصدى للطائرات الاميركية والبريطانية التي تقصف المواقع العراقية في انتهاك فاضح لقرارات مجلس الأمن. بل ان البعض اثار هذا الموضوع داخل مجلس الأمن على هامش المناقشة التي جرت بين اعضاء مجلس الأمن وبليكس والبرادعي، إذ طرح البعض ان العراق يجب ان يتوقف عن فتح راداراته ودفاعاته الجوية، فأكد بليكس ان بغداد وعدت في حال علمها قيام المفتشين بعمليات جوية ستوقف دفاعاتها الجوية مؤقتا، وانه في حال توقف الطائرات عن انتهاك المجال الجوي العراقي فانها ستوقفها طيلة فترة عمل المفتشين.

بدورها موسكو انتقدت عمليات القصف التي تقوم بها الطائرات الاميركية والبريطانية للمواقع العراقية، واعتبرت عمليات القصف هذه مؤشرا لتصعيد التوتر وتأزيم الامور مع العراق في الوقت الذي يتم بحث الملف دبلوماسيا، على اي حال اختبار القوة بين بغداد وواشنطن في ظل المرحلة التي تقع في منتصف الطريق ما بين الحل الدبلوماسي والحل العسكري للأزمة بينهما صار يأخذ تعبيراته في ظل تكثيف قصف الطائرات للمواقع وتصاعد كثافة نيران الدفاعات الجوية العراقية

العدد 47 - الثلثاء 22 أكتوبر 2002م الموافق 15 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً