العدد 4700 - الإثنين 20 يوليو 2015م الموافق 04 شوال 1436هـ

أعلام في التسامح والسلام: مُلا يونس اتروشي

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

في منطقة تزخر بالأطياف الدينية المختلفة (الايزيدية والمسيحية والمسلمين) كان المغفور له بإذن الله تعالى الإمام والخطيب ملا يونس اتروشي رمزا لنشر التسامح والتعايش ونبذ الحقد بين أتباع الأديان والطوائف؛ فقد عمل طيلة حياته حتى وفاته في مارس/ آذار 2012 على نشر قيم العيش المشترك من خلال خطبه في جامع قضاء الشيخان شمال الموصل بالعراق.

لقد كرّس ملا يونس اتروشي حياته من أجل تحقيق التعايش السلمي بين مكونات المجتمع التعددي الذي نشأ فيه وتحمّل بكل جرأة مسئوليته الدينية والاجتماعية فكان المثال الأعلى بين جيله في هذا المجال الذي كثيرا ما شكك في جدواه من يصفون أنفسهم بالعلماء.

ويرى الشيخ ملا يونس أنّ التسامح بالمعنى الحديث يدل على قبول اختلاف الآخرين سواء في الدين أم العرق أم السياسة أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم على التخلي عن آخريتهم».

وعرّف التعايش السلميّ بأنّه: «تقارب فعليّ عمليّ للأفكار والقلوب والأهداف التي يشترك بها الجميع كبشر، كمواطنين تجمعهم رسالة وهدف»، وهو ما يمكن أن تحققه جميع أطياف المجتمع في شيخان «إذا عادوا إلى مبادئهم وقيمهم الإنسانية المشتركة التي جمعتهم عبر العصور، بلا شك سيكتشفون معا مشروع بناء بلاد جديد متطور على جميع الأصعدة». على حدّ عبارة ملا يونس.

ويستند ملا يونس في تفكيره هذا إلى أنّ اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم سنّة قدّرها وقضاها رب العالمين لحكمة عظيمة وغاية جليلة وهي الابتلاء والاختبار، ويستشهد بقول الله تعالى «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين» (هود:118 -119) ويعتبر أنّ المراد بالاختلاف هنا: الاختلاف في الدين وليس في الألوان والأذواق واللغات.

وكان الشيخ شديد التفاعل مع واقعه، حيث يرى أنّ المنطقة حاليا أشدّ حاجة إلى التسامح الفعّال والتعايش الإيجابيّ بين أفراد المجتمع أكثر من أي وقت مضى، نظراً إلى أن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات.

واشتهر ملا يونس في شيخان كثيراً بأنه من دعاة التسامح والتعايش السلمي بين الأديان بالحديث عن التقريب بين المذاهب والاديان واعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة الاجتماعية المعاصرة.

و لفت ملا يونس بالقول: «إن كل الديانات المتواجدة على الأرض تهدف إلى خدمة الأهداف الإنسانية السامية وتحقق المصالح البشرية العليا وأهمها استتباب الأمن وانتشار السلم في الأرض وردع العدوان والظلم والاضطهاد الذي يلحق بالأفراد والجماعات والشعوب شرط أن يكون هذا التعايش محكوماً بالاحترام المتبادل بين أصحاب الديانات والإنسانية جمعاء بما يدعم التقدم وخدمة القضايا الإنسانية العادلة وقيم الخير والعدل».

وإن ننسى فلن ننسى كلامه وهو يودع أهالي قضاء الشيخان بكل أطيافه الدينية في آخر خطبة له عندما قال: «علينا جميعا أن نحمي قيم التسامح الديني ونتخذ من العيش المشترك نهجا في حياتنا ونصون العيش المشترك، عندما ندافع عن قيم التسامح الديني من خلال الفهم الديني العميق للايزدياتي والمسيحية والإسلام، وأن يجرد الدين من ثقل التاريخ والتصورات النمطية المشوهة في المخيلة الشعبية، ويقود المؤمنين إلى التزام الإنسان الفرد الحر بعيدا عن دينه ولونه وعرفه وأصله».

وترأّس الشيخ مـلا يونس علي منظمة التعايش السلمي والتسامح الديني في منطقة قضاء الشيخان والتي تأسست العام 2007 لغرض نشر روح المحبة والأخوية الصادقة والعمل على حل المشاكل كافة التي يمكن حلها دون اللجوء إلى القوة أو العنف.

وقد كان رجلا تجسدت فيه كل معاني الانسانية وعدم التفرقة حيث عرفه الجميع إماما وخطيبا نادرا ينتظر الايزيديون قبل المسلمين أيام الجمع لكي يستمعوا الى خطبته، وقد كان مع نائبه في رئاسة المنظمة البير حســن علي مختاروهو من الإيزيديين يكمل الواحد منهما الآخر وكثيرا ما تراهما معا ينفتح القلب لهما وتشعر بأن الخير موجود والأخوة موجودة والتعايش السلمي موجود.

وفي تأبينه نعاه الإيزيديون والمسيحيون قبل المسلمين وتحسروا على وفاته فقد قال مدير شئون الايزيدية في دهوك هادي دوبان إن وفاة ملا يونس فعلا خسارة كبيرة؛ لأنه كان قدوة كبيرة في العمل للتقريب بين أتباع الأديان والتعارف والتشارك في جميع المناسبات الايزيدية والمسيحية والإسلامية معا وبالأهمية نفسها.

لقد كان ملا يونس مصدرا مهما لحل العديد من المشاكل وسد الطريق أمام حدوث العديد منها بين أبناء المنطقة على اختلاف انتماءاتهم الدينية؛ لأنه كان يحب عمل الخير و يساهم في نشر روح التأخي.

لقد كان فعلا رمزاً للأخوة ومن أوائل الذين بادروا بنشر روح التسامح وقبول الآخر وكان يتقدم الصفوف دوما ليشارك أعياد الايزيدية والمسيحيين ويشارك في مراسم العزاء وينصح في سبيل تقوية أسس العيش المشترك.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4700 - الإثنين 20 يوليو 2015م الموافق 04 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:15 م

      أعلام في التسامح والسلام: مُلا يونس اتروشي

      سلسلة مقالات جيدة هادفة كم نحن في حاجة إلى مثلها
      بارك الله في كاتبها وناشرها

    • زائر 4 | 9:56 ص

      دور العلماء

      لا بد من تدخل رجال العلم لضبط جموح الفكر التكفيري

    • زائر 3 | 9:30 ص

      انه رحمه الله حالة

      شاذة من القوم لانه ان وجد شخص مثل الملا يونس فلابد انه يكون مطارد والا فان الكل اما مؤيد للارهاب او صامت يبرره و يبرر افعال هؤلاء المجرمين من القاعدة الى الدواعش

    • زائر 2 | 5:36 ص

      أين امثاله

      نرجو من كاتب المقال المحترم مزيد التعريف بامثاله

    • زائر 1 | 3:56 ص

      ملا يونس اتروشي شمعة ضائعة في الظلام

      فلا بد من مساهمة الجميع في التصدي للكراهية و التكفير ؛ و إخراج العلماء الساكتون إلى الإسهام في ذلك ، فهم من أسباب المشكلة

اقرأ ايضاً