العدد 4700 - الإثنين 20 يوليو 2015م الموافق 04 شوال 1436هـ

مغزى الاتفاقين المالي اليوناني والنووي الإيراني

رضي السماك

كاتب بحريني

خلال يومين فقط من الأسبوع الثاني من شهر (يوليو / تموز الجاري) شهد العالم انجاز اتفاقين دوليين تاريخيين على درجة من الأهمية: الاتفاق الأول بين اليونان من جهة والترويكا المكونة من البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي من جهة أخرى، أما الاتفاق الثاني فهو المعروف دوليّاً بالملف النووي الإيراني والمبرم بين إيران من جهة ودول خمسة زائد واحد من جهة أخرى.

ولعل المغزى أو الدرس المستفاد من الاتفاقين لدول العالم الثالث بوجه عام والدول العربية بوجه خاص إنما يكمن أساساً فيما بذلته كل من أثينا وطهران من جهود خارقة كبيرة لابداء أكبر قدر ممكن من الندية للخروج بتسوية بأقل الخسائر دون الاستسلام الكامل لإملاءات الاطراف الأقوى على طاولة المفاوضات على رغم اختلاف طبيعة موضوعات أجندة المسائل المطروحة على الطاولة بين الملف المالي اليوناني، والملف النووي الايراني، وحيث كانت أثينا المدينة المفلسة الطرف الأكثر ضعفاً أمام دائنيها والخيارات أمامها للخروج من مأزقها المالي من جراء ورطة الديون الربوية ذات الأرباح المركبة المتراكمة محدودة جدّاً في ظل نظام اقتصادي رأسمالي عالمي غير عادل.

ومن نافلة القول أن تجارب دول العالم الثالث في القروض والديون من المنظمات المالية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي للانشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي وشروطهما التعجيزية المجحفة لاعادة جدولة ديونها، ومنها ضغط الانفاق وزيادة التقشف، ورفع دعمها عن المؤن والسلع الاساسية، وتخفيض الانفاق على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، وتجميد الأجور ورفع الأسعار، وتسريح أعداد هائلة من القوى العاملة، وبيع مؤسسات القطاع العام وزيادة الخصخصة، كانت كلها تجارب مريرة لم تجنِ منها تلك الدول سوى هشيم الانفجارات الاجتماعية والقلاقل والاضطرابات السياسية، ولا سيما تلك التي تحكمها أنظمة استبدادية فاسدة.

أما فيما يتعلق بالملف الايراني، فمساحة المناورة والخيارات للمفاوض الإيراني لرفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على بلاده بسبب برنامجها النووي أكثر اتساعاً. وقصارى القول: لولا ما بذله المفاوضان اليوناني والايراني من ممانعة وتكتيكات تفاوضية بارعة وصلابة وصبر في المباحثات لكان الاتفاقان اللذان توصلا إليه أكثر سوءاً.

ولنا ان نقارن هاتين التجربتين اليونانية والإيرانية بتجاربنا العربية المريرة في التفاوض مع الدائنين، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير، وكذلك في التفاوض مع إسرائيل، حيث مازلنا ندفع مصريّاً وفلسطينيّاً وعربيّاً بوجه عام فواتير اتقاقيات ناجمة عن مفاوضات استسلامية مُخزية لم نخرج منها لا بأقل الخسائر الممكنة ولا بمكاسب الحد الأدنى المقبول للحقوق المصرية والفلسطينية، فيما خرجت أسرائيل من تلك الاتفاقيات بمغانم مُذهلة لم تحلم بها حتى في الخيال (تجربة المفاوضات الساداتية مع اسرائيل برعاية اميركية في كامب دايفيد العام 1978، تجربة المفاوضات العرفاتية مع اسرائيل في اوسلو مطلع التسعينات ثم في كامب دايفيد برعاية أميركية).

في خلال أقل من ربع قرن (1980- 2003) شهدت منطقتنا الخليجية أربعة حروب متتالية أستنزفت الكثير من طاقاتها ومواردها البشرية والمالية والطبيعية والتي كان يمكن توظيفها من أجل تنمية ورخاء شعوبها: الأولى الحرب العراقية - الايرانية، والثانية حرب الغزو العراقي للكويت، والثالثة حرب التحالف الدولي على الاحتلال العراقي للكويت لتحريرها، والرابعة والأخيرة الغزو الأميركي للعراق. وحينما تكون منطقتنا ذاتها على مدى عشر سنوات خلت عرضة مجدداً للشد والتجاذب والتهديد المتبادل بين أميركا واسرائيل من جهة وإيران المتهمة بالسعي إلى انتاج أسلحة نووية من جهة أخرى، فإنه بعيداً عن حسابات الربح والخسارة الضيقة بين أطراف الاتفاق الذي تم التوصل اليه مؤخراً في فينا فإن الرابح الاكبر ليس الشعبين الاميركي والايراني فحسب بل وشعوب خليجنا العربي برمته والتي لن تكون بمنأى عن مخاطر أية مواجهة مسلحة جديدة، والخاسرون هم فقط الذين لا يسعدهم ان تنعم شعوب منطقتنا الخليجية بالأمن والسلام وبحيث تظل أسيرة دوامة لا تنتهي من الحروب العبثية المدمرة والتي لن يغنم منها سوى تجار الحروب من موردي الأسلحة وكبار المستثمرين الغربيين في صفقات إعادة الإعمار بعد أن تضع الحروب أوزارها.

ولعل من المفارقات التي لا تخلو من مغزى أن الاتفاق حول الملف النووي الايراني الذي تم انجازه في فينا مؤخراً وأثار ردود فعل متفاوتة داخليّاً في ايران والولايات المتحدة تراوحت بين التأييد والتحفظ والرفض، فضلاً عن ردود فعل متفاوتة على المنوال نفسه بين دول مجلس التعاون ومعارضة هستيرية من قِبل اسرائيل، هذا الاتفاق انما جاء متزامناً بالضبط مع الذكرى الأربعين لالتحام مركبة الفضاء السوفياتية «سويوز 19» مع المركبة الأميركية «ابولو» العام 1975 في أول تعاون فضائي من نوعه بين القوتين العظميين والعدوين اللدودين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.

وعشية هذه المناسبة التاريخية عبّر رائد الفضاء الأميركي توماس ستافورد لدى التقائه نظيره رائد الفضاء الروسي ليونوف واللذان شاركا معاً في عملية الالتحام، قائلاً: «لقد قررنا نحن وكذلك الجانب السوفياتي أن تكون هذه الرحلة الفضائية اختبارية للإرادة الخيّرة لكلا الجانبين، وتركنا السياسة على الأرض، ولم نتطرق مطلقاً إلى الأمور السياسية ونحن في الفضاء، بل فكرت كيف بامكاننا ان نبين للعالم أجمع أن بلدينا بالرغم من أنهما يتكلمان بلغتين مختلفتين ولهما نظامان متباينان فإنهما قادران على التعاون علميّاً من أجل بلوغ أهداف مشتركة لصالح الانسانية».

وإذا كان هذا التعاون العلمي في مجال الفضاء قد تم تحقيقه في اوج الحرب الباردة بين بلدين متباعدين جغرافيّاً وعدوين لدودين فكيف يستحيل تحقيقه بين دول مجلس التعاون من جهة وايران من جهة أخرى وهي دول متجاورة يجمعها دين واحد وتعيش في إقليم واحد؟! ومع انه مازال أمام الاتفاق حول الملف النووي مصاعب داخلية أميركية وايرانية، إلا انه يمكن القول إن الإرادة الخيّرة والسلمية لدى كلا الطرفين هي التي ستتغلب في النهاية على العراقيل الرامية لنسف ما تم انجازه بجهود مضنية وشاقة من كلا الجانبين استمرت سنوات طوالاً.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4700 - الإثنين 20 يوليو 2015م الموافق 04 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:09 م

      انشاءالله خير

      الخيجيين بطبيعتهم يحبوب الخير للجميع وطيبين ونتمنى لخليجنا الازدهار وابتعاد عن الحروب

اقرأ ايضاً