العدد 4712 - السبت 01 أغسطس 2015م الموافق 16 شوال 1436هـ

الاتفاق النووي وصراع المشاريع في المنطقة

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

مثل الاتفاق النووي الذي توصلت إليه ست قوى كبرى غربية من بينها الولايات المتحدة مع إيران، تطوراً مهماً في منطقة تعاني من ثورات ونزاعات أهلية وتدخل خارجي واحتلال وحروب. ويعكس هذا الاتفاق حالة تراجع أميركا بالمقارنة بحالة الاستحواذ والسيطرة التي ميزت سياساتها السابقة.

ويأتي الاتفاق بعد سلسلة حروب أميركية في الإقليم أدّت إلى الكثير من الخسائر المالية والبشرية والعنف. وجاء في الوقت نفسه بعد فشل وسائل نزع السلاح النووي الإيراني وتدميره عسكرياً. بل كانت أخطر الخيارات هي تلك الحملة التي قادتها «إسرائيل» بهدف حث الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية لإيران كما سبق أن فعلت في العراق. وتبين لمعارضي الحملة العسكرية أن هذا من شأنه تقوية إيران ودفعها لامتلاك القدرة النووية العسكرية في فترة زمنية قياسية.

لقد نجحت إيران فيما فشل صدام حسين والعراق في تحويل المشروع النووي إلى جزء من كل، ضمن بنية دولة كبيرة مترامية الأطراف تمتلك قدرات علمية وصناعية كما تمتلك القدرة على حمايتها من التدمير.

إن أحد أهم التغيرات التي يتوقع أن تنبثق عن الاتفاق تغير الرؤية السائدة في أوساط فئة واسعة من النخبة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة. فبإمكان الفرضية القائلة أن الولايات المتحدة تريد إسقاط وتغيير النظام الإيراني بالقوة كما فعلت في العراق وأفغانستان، أن تتغيّر نسبياً لمصلحة التعايش بين النظامين. ويؤكد الاعتراف الدولي بعد الاتفاق بأن إيران لم تكن في أي لحظة على وشك تصنيع سلاح نووي، مدى ضعف مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابقة التي سعت بقوة لإحباط الاتفاق ودفع الولايات المتحدة إلى حرب جديدة مع إيران. وهناك اعتقاد بأن ضغوط نتانياهو دفعت الرئيس الأميركي إلى الإسراع في عقد صفقة، وذلك لتفويت فرصة حماقة إسرائيلية عسكرية تؤدي إلى كارثة إقليمية إضافية.

في هذا الاتفاق، حققت إيران هدفها الأساسي، وهو الاحتفاظ بالبرنامج النووي في إطاره السلمي لمدة لا تقل عن عشر سنوات (وبإمكانها التحوّل إلى النووي العسكري بعد ذلك إن بقيت متمسكة بهذا الخيار وفق شروط دولية مختلفة)، وحققت إيران في الوقت نفسه هدفها الأساسي الثاني: أن تنفتح سياسياً واقتصادياً على العالم الخارجي.

الاتفاق انتصارٌ واضحٌ للشعب الإيراني بكل تنوعاته، كما أنه انتصار للتيار الأكثر براغماتية في القيادة الإيرانية. وبينما ستراعي إيران مصالحها وسياساتها، إلا أن آفاق المرونة في العلاقات الأميركية والأوروبية بإمكانها أن تجر إيران باتجاه البراغماتية والانفتاح. وقد يمهّد هذا الاتفاق لصعود إيراني باتجاه النموذج الصيني للتنمية من دون تغير النظام وأيدلوجيته.

أما دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الدول المجاورة لإيران والتي تنعم بدرجات من الرخاء والاستقرار، فقد تفاوتت مواقفها. فدولة عمان لعبت دوراً أساسياً في استضافة المحادثات السرية التي أدت إلى الاتفاق، أما الكويت فلديها علاقات متوازنة وإيجابية مع إيران، بينما لكل من دولتي قطر والإمارات حساباتها السياسية والأهم الاقتصادية التي ستجعل الانفتاح على إيران أمراً طبيعياً ومكسباً للتجارة والتبادل على الرغم من الخلاف السياسي والأيدلوجي.

أما المملكة العربية السعودية، وهي الدولة الأكبر في دول مجلس التعاون، فستجد في الاتفاق تحدياً لموقفها على أكثر من صعيد. فالسعودية في امتدادها الجغرافي تتأثر أكثر من غيرها بما يقع في سورية والعراق وفي اليمن وإيران، ما يلقي عليها مسئوليات جغرافية وسياسية كبيرة. والدعوات في السعودية لسباق نووي تزايدت في الآونة الأخيرة.

من المتوقع في المرحلة القادمة أن ترتفع محاولات بناء وضع ذاتي خليجي، ولن يكون هذا التوجه بعيداً عن الاستراتيجية التركية في مواجهة «داعش» ثم السعي لمحاصرة نظام الأسد وتخفيف اندفاع النفوذ الإيراني في العراق واستعادة الدور السابق الذي تخلت عنه مع القبائل السنية في العراق. فالاعتماد في هذه المرحلة على الولايات المتحدة لم يعد كالسابق، وعلى الدول الخليجية أن تعتمد على نفسها بصورة أكثر حسماً، وهي تعرف أن الولايات المتحدة لم تتحوّل إلى حليف لإيران حتى اللحظة، لكن الصيغة الخليجية الأميركية لم تعد كالسابق، والضمانات أيضاً ليست كالسابق.

إن الرهان بأن الاتفاق مع إيران سينعكس بصورة مباشرة على السلام في الإقليم، فيه الكثير من المبالغة، ففي المدى المنظور سيؤدي الاتفاق إلى تفاقم الصراع، خصوصاً لأن القوى العربية ستسعى لمنع طهران من تركيز القوة في العراق ولبنان وسورية واليمن. صراع القوة مستمر وسيزداد سخونة في المدى المنظور والقريب. وما تحقيق التقدم النوعي في اليمن إلا شكل من أشكال الرد على الاتفاق، كما أن التحركات التركية حول سورية هي الأخرى تشهد تسخيناً وتطوراً نوعياً جديداً.

لكن الاتفاق قد يدفع من جهة أخرى بإيران إلى المرونة النسبية، وربما تعيد النظر في إمكانية خروج الرئيس بشار الأسد مقابل حلول سياسية متفاوض عليها في سورية تنصف الشعب السوري وتؤدي إلى عملية انتقال سياسي وديمقراطي، تقدم ضمانات لجميع الفئات. أما النزاع في كل من العراق واليمن فسيتطلب في لحظة قادمة إيصال الأطراف لطاولة المفاوضات بحيث تؤخذ بعين الاعتبار المخاوف العربية كما الإيرانية.

لكن العامل الإيراني ليس الوحيد في الإقليم، فالأوضاع الإقليمية أشد تعقيداً لأن العالم العربي محاصَرٌ بين دولتين إسلاميتين تتميّزان بالقوة والتأثير، وهما إيران الصاعدة في السنوات العشر القادمة، وتركيا المتفاعلة والصاعدة أيضاً في السنوات العشر القادمة. أما العالم العربي، وباستثناء منطقة الخليج، فهو في حالة انكشاف تام وفوضى. هذه الفوضى والعنف المرافق لها لن يتوقفا في المدى القريب. تركيا وإيران لديهما مشروع واضح المعالم، وقوة ناعمة تزداد حضوراً، وفكر وايدلوجية، وقاعدة اجتماعية فعالة، بينما الدول العربية المركزية كمصر وسورية والعراق غائبة.

العالم العربي محاصَرٌ بين التطرف والطائفية وحروب حول العدالة والتهميش والفساد والثورات التي تسعى لإزاحة أنظمة. الدولة العميقة والعسكرية والبوليسية في ردها على الربيع العربي العام 2011 سعت لوأد الخيار الديمقراطي في الإقليم، وسعت لتصفية تيارات سياسية كبرى لا يمكن تصفيتها. وقد تم كل هذا من دون الالتفات إلى المطالب التي أدّت في الأساس إلى الثورات والعنف. وفي هذا دفع النظام الإقليمي العربي دولاً فاشلة إلى الإمعان في الفشل، ما أدى إلى مزيد من العنف والإرهاب في الإقليم.

لقد فقد كثيرٌ من الدول العربية الحدّ الأدنى من المؤسسات والمصداقية والرقابة والمشاركة وفصل السلطات والحقوق والأنسنة، ما أدى إلى حالة درامية شاركت في صناعتها معظم (وحتماً ليس جميع) النخب العربية الرسمية منذ 2011. بالإضافة لكل هذا، أوضحت حرب غزة في العام 2014 كيف يؤثر الصراع العربي الاسرائيلي والاحتلال الاسرائيلي على الإقليم وتوتراته.

إن تطوير السياسات المحلية الخليجية في ظل بيئة متحوّلة للخروج من حالة الاعتماد على الغرب، سيتطلب أن تدخل منطقة الخليج في سياسة أكثر انفتاحاً على التنوع والاختلاف، فالحقبة القادمة يجب أن تشهد إصلاحات. فهذا مدخل رئيسي لتطوير الأنظمة وحمايتها من المفاجآت السياسية. من دون هذا التغيير سيبقى غياب الإصلاح نقطة الضعف الأساسية في الإقليم. الإصلاح لا يزال دون المنال، ما يعكس التخوف من التغيير.

سيكون الاتفاق الإيراني النووي علامة فارقة في الإقليم كما كان الاتفاق الأميركي الصيني في سبعينيات القرن العشرين علامة فارقة في تطور الصين. سيستمر الرهان الغربي على قدرة الاتفاق على استيعاب إيران في المنظومة الإقليمية والدولية، وفي الرهان على حوافز المال والاقتصاد والرفاه والسفر في دفع إيران نحو تقوية الأجنحة الأكثر انفتاحاً في القيادة. الاطمئنان قد يغيّر أسس اللعبة السياسية، لكنه لن يوقف حروب الشرق العربي التي وقعت في شكلها الثوري في 2011 لأسباب تتعلق بالحقوق والكرامة والعدالة.

في الشرق مشروع إيراني وآخر تركي، وهناك أيضاً مشروع إسرائيلي استيطاني وإجلائي، وما زال المشروع العربي غائباً. الوقت يداهم الإقليم ويعيده ثانيةً إلى ما كان عليه الحال في 1915 قبل ثورة الشريف حسين وقبل مرحلة الاستعمار وسقوط الدولة العثمانية.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4712 - السبت 01 أغسطس 2015م الموافق 16 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:18 م

      سيد شفيق مع احترامي لك أنت أخطأت في تحليلك للربيع العربي و ها أنت تخطأ مرة أخرى في تحليلك للإتفاق النووي!

      أنا لا أسخر و لا أمزح عندما أسمي الربيع العربي بالربيع الإسرائيلي ... عندما تم الإطاحة بحسني مبارك ... خرج إيهود باراك في 2011 و قال الربيع العربي سيصب في النهاية في صالح إسرائيل! الرجل كان صادقا (الوعد الصادق!)
      الإتفاق النووي هو الجزرة التي يرميها الغرب لإيران لكي يعدل من سلوكها ... توقيع الإتفاق ليس كتنفيذه! انتظر حتى تأتي مرحلة التنفيذ و سترى كيف تختلق أمريكا المشاكل و العراقيل حتى تصبح إيران أمام خيارين:
      1) تعاند و ترفض التنفيذ فتحصل على العصا.
      2) تخضع و تركع فتحصل على المزيد من الجزر!

اقرأ ايضاً