العدد 4725 - الجمعة 14 أغسطس 2015م الموافق 29 شوال 1436هـ

حيدر العبادي... لا أمر لِمَن لا يُطاع

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا يُعلَم إن كان الرجل صادقاً أم لا، لذلك نعيد صياغة السؤال بشكل آخر كي لا ندخل في النوايا: هل إن رئيس وزراء جمهورية العراق حيدر العبادي (أو لِعْبَادي كما يُسمِّيه العراقيون) قادر على مواجهة الفساد المستشري في الدولة العراقية أم لا؟

الحقيقة أنني أقول: لا، لن يستطيع. كثيرون قد يرون الإجابة بنعم وهذا حقهم، لكن المعطيات تفضي بي لأن أقول لا. لستُ تشاؤمياً بشكل مطلق لكنني أميل إلى الواقعية في أمور العراق: فالأمل إفطار جيد، لكنه عشاء سيء كما كان يقول السياسي الانجليزي فرانسيس بيكون.

لماذا لن يستطيع العبادي أن يلجِم الفساد في العراق؟ باختصار شديد: لأن العراق ليست فيه دولة بالمعنى الحقيقي. وهذا ليس انتقاصاً من العراق بل هذه هي صورته. فما هو تعريف الدولة: هي كيان سياسي له سيادة ومهيمن ذو مؤسسات مستقرة تسندها القيم الشرعية.

ولو فصَّلنا كل ذلك على حالة العراق فإننا سنجد أن العراق ليس سيّداً على أرضه من جواره، فضلاً عن أن أزيد نصف أراضيه خارجة عن سيطرته، من الموصل وصلاح الدين حتى الأنبار وديالى وصولاً إلى تخوم سورية، بعد أن تفسَّخت بفعل هجوم تنظيم «داعش» ومجموعات عراقية مسلحة أخرى، وانهزام وحدات الجيش العراقي في تلك المناطق.

أما نظامه السياسي فهو غير مهيمن. وعندما نقول غير مهيمن فلا نعني أن يكون ديكتاتورياً، بل قادراً على احتكار الوسائل المادية في فرض القانون، وإنتاج الطاعة الطوعية عند الناس. فالعراق ليس به جيش وطني قادر على حماية البلد. وقد أثبت ذلك بهزيمته أمام 200 داعشي.

ثم هل يستطيع رئيس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة السيد حيدر العبادي مثلاً أن يمدَّ سلطة حكومته على مناطق نفوذ الميليشيات المسلحة على سبيل المثال، أو أن يجعلها تابعة لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع؟ هذا أمر مستحيل. وقد أثبتت التجربة ذلك بُعيد تشكيل قوات الحشد الشعبي بعد سقوط الموصل، والمتشكِّلة أساساً من فيالق عسكرية من خارج الدولة.

عندما نصِل إلى هذه القناعة، فإن الدولة العراقية تُصبح هلامية؛ لأنها مأكولةٌ من الداخل ومُستولَى عليها من أطراف أحجامها أكبر من الدولة بكثير. والأهم من ذلك، أن تلك الأطراف لا يُقزِّمها منصب، ولا تُقلل من قوتها انتخابات، والدليل هو ما جرى في انتخابات 2010 عندما لم تزِدْ مقاعد الائتلاف العراقي الموحَّد عن 71 مقعداً لكن حجمه ظل على حاله في النفوذ.

وعندما يكون العراق على هذه الشاكلة فهذا يعني أن الوازن فيه غائب، ومراكز القوة فيه متشظية، وزوايا الارتكاز فيه متبدلة. لذلك تصبح المؤسسات أشبه بالوهمية، وبالتالي عاجزة عن الحضور وحمل عنوان السيادة والدفاع عنها فضلاً عن امتلاكها واحتكارها للهيمنة، فكيف يمكن أن يكون هناك مسعى لمكافحة الفساد الذي بات ينخر كل مناحي الحياة في العراق؟

قبل بضع سنوات قال مدير دائرة استرداد الأموال في هيئة النزاهة العراقية، بأن «الأموال العراقية المتواجدة في الدول المراد استردادها هي تريليون وأربعة عشر مليون دولار»! ثم قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق بأن «الأموال التي نهبت من العراق بين عامي 2001-2010 تجاوزت 65 مليار دولار، وأن مؤشرات إحصاءات ديوان الرقابة المالية في العراق تشير إلى أرقام أكبر من ذلك».

ونحن اليوم نتساءل: بعد عدة سنوات من هذا الحديث كيف بات العراقي مضطراً لأن يرفع صوته ضد الفاسدين من مسئولي الدولة! كيف تُنشَر مثل تلك الإحصائيات قبل سنوات، وكأن الحل قد اقترب، ثم نكتشف أن المشكلة في اتساع وليس باتجاه الحل. مازال تسعون في المئة من الأموال المخصّصة لمشاريع الإعمار تُهدَر، جرَّاء الفساد. وحسب إحصائية العام 2011 فإن ما مقداره 38 مليار دولار يُسرق من العراق، والحال مايزال على وضعه ونحن نُكمل العام 2015.

القضية ليس أن يُعزَل أو تُلغى مناصب نواب رئيس الوزراء أو الجمهورية وفرق حراستهم لأن هذه المصروفات هي قطرة في بحر أموال الدولة، حتى ولو وصلت لعشرة ملايين دولار في الشهر. نحن نتحدث عن 400 مليار دولار هي مبيعات النفط العراقي منذ الاحتلال ولغاية العام 2010 أين ذهبت، في الوقت الذي ملف الكهرباء من البصرة وحتى كركوك لا يحتاج إلاَّ إلى 15 مليار دولار!

هناك حاجة أن يُحاسب القائمون على سياسات الدَّمج الأعمى الذي تمّت في الجيش العراقي، وضُمَّ بسببها عشرات الآلاف من الناس دون أيّ مؤهلات ومُنِحوا مراتب عسكرية عليا، وهو ما استنزف من خير العراق الكثير دون أن يكون لذلك داعٍ أو وجاهة عسكرية أو فنية، أظهرتها إخفاقات هذا الجيش في الشمال والغرب. بل إن أغلب حالات الفساد قد تمَّت في المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية.

عندما نكتب عن الحكم في العراق فإننا لا نتحامل عليه أو أن تناقضاً ما يحكمنا به، بل نحن نكنُّ للعراق والشعب العراقي كل الحب والاحترام، ولكن ما نقوله هو واقع يجب أن يُصحَّح ليس بقرارات لن تُطاع بل بقرارات مؤلمة تضرب نخاع المشكلة لتطال أصحاب الخطوط الحُمر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4725 - الجمعة 14 أغسطس 2015م الموافق 29 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:13 ص

      من البر

      اصبت

    • زائر 8 | 4:59 ص

      لو توجد دولة لما أتت داعش وصارت مليشيات وجيش المهدي وأنصار ألله

      وأصبحة الانتخابات ليست على الكفاءة والوطن بل المذهب

    • زائر 6 | 3:30 ص

      الفرق ان الاعلام اخرج المستور

      اليوم مقال الزميل هاني الفردان يلامس أعراض أزمة مثيلة عندنا والتي أدت الى ان تتحول بلدة نفطية بحجم مدينة في العراق الى مديونه ب 500 مليار واعلان حالة التقشف ولننظر الى ميزانية الأمن والجيش وغيرها من المواقع التي استنزفت عبثا أموال البلد

    • زائر 5 | 1:58 ص

      مشكلة العراق لم يكون جيش وطني ولا داخلية

      الي متحكمين الفعليين في الجيش والداخلية وكبار المراكز فيهما بناءن على المحاصصة الطائفية وقوة كل حزب

    • زائر 4 | 1:47 ص

      فعلا العبادي لا أمر لمن لا يملك القوة

      قوة العراق تجزاة بين الأحزاب الدينية وأصبحة المحاصصة الطائفية هي سيدة التعينات في مفاصل الدولة بناءن على قوة مليشيات الحزب وحزب الدعوة تقسمة قوته بينه وبين المالكي وحتى الجيش والداخلية من الموالين لهذه الأحزاب لذالك حتى الشعائر الدينية يقوم بها واختلف عن جيوش دول العالم الوطنية

    • زائر 2 | 12:53 ص

      ممكن توضيح

      شنو المقصود بالدمج!!
      هل هو دمج الحشد الشعبي مع الجيش او شي اخر؟

    • زائر 7 زائر 2 | 4:00 ص

      اعتقد ان القصد هو

      كل من دخل الجيش العراقي وهو مؤهل بل لاعتبارات طائفية وجهوية يشمله عنوان الدمج

اقرأ ايضاً