العدد 4731 - الخميس 20 أغسطس 2015م الموافق 06 ذي القعدة 1436هـ

الوحدة العربية... ولا غير الوحدة

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أما وأن القوى الخارجية، وفي المقدمة الصهيونية العالمية، بتعاون وتناغم مع بعض القوى العربية الداخلية، قد استطاعت عبر العقود الأربعة الماضية، وليس السنوات الأربع الماضية كما يظن البعض، استطاعت إضعاف جسد الواقع العربي من خلال اختراق منظَّم تراكمي للكثير من أنظمة الحكم والاقتصاد والأمن والمجتمعات المدنية والمؤسسات الإقليمية، فإنها الآن تهيّئ لنقلة خبيثة نوعية تصيب الجسد المعنوي العربي، فكراً وثقافة وأحلاماً كبرى. وإلى حدٍّ ما هناك نجاحات محدودة لتلك المساعي الخبيثة. في قلب تلك المساعي زرع اليأس والشكوك في فكر ومشاعر وهوية العروبة، وبالتالي إضعاف الإيمان بضرورة الوحدة العربية والعمل من أجل تحقيقها. ومن ثمّ إقناع شعوب الأمة العربية بأن كل من آمن ولايزال يؤمن بالفكر والنضال القومي العروبي الوحدوي، هم من الحالمين المراهقين في الحياة السياسية العربية. وبالطبع فالمراهقون تنقصهم الرزانة والحكمة والموضوعية والواقعية.

لكن دعنا نتوجه إلى شعوب الأمة العربية جميعها، وبالأخص شبابها وشاباتها، لنردّ على ذلك السخف الخبيث بطرح أسئلة بشأن الواقع المأساوي الذي تعيشه جميع أقطار الوطن العربي في اللحظة الراهنة. دعنا نضع جانباً الردود الفكرية النظرية والدروس المستقاة من تجارب الأمم الأخرى، مع أن فيها الكثير الكثير مما يفنّد تلك المقولات التي يطرحها أعداء الوحدة في الداخل والخارج، ولنركّز الأنظار على الوقائع.

السؤال الأول: لو أن الوحدة المصرية السورية، ممثلة في الجمهورية العربية المتحدة، بقيت صامدةً حتى يومنا هذا، ولم تتساقط أمام رشاوى بعض المال العربي المتعاون مع قوى التآمر الخارجية، وأمام أخطاء الداخل وخطاياه، فهل كان باستطاعة أحد أن يستبيح القطر السوري ويمزّق أوصاله ويجعله ألعوبةً مفجعةً في يد الدول الكبرى كما نراه اليوم؟

السؤال الثاني: وحتى بعد فاجعة تهاوي تلك الوحدة، لو أن حزب البعث وحّد القطر السوري مع القطر العراقي في دولة واحدة، وذلك عندما حكم القطرين في نفس الفترة حزب واحد، ولم يسمح للصراعات بين بعض قادته تعلو فوق مصالح الأمة العربية الكبرى، فهل كان سيجرؤ الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبمساعدةٍ مع الأسف من بعض الجهات العربية، على أن يكتسح العراق ويمزّق أوصاله ويشعل نيران الطائفية فيه ويدوس على شرف جيشه ويجعله لقمةً سائغةً لنفوذ إيران وتركيا ودول الغرب وللتواجد الصهيوني العلني في شماله؟ ومرةً أخرى هل كان باستطاعة أحد أن يمسّ سورية لو كانت جزءاً من دولة وحدة عراقية – سورية؟

السؤال الثالث: لو أن مجلس التعاون الخليجي لم يسمح لنفسه بأن يقع في إشكالية فقر اليمن ويعتبره تعارضاًَ مع غنى دوله، وأن يتبنّى الفكر القائل بعدم قدرة الأنظمة الملكية وأنظمة الإمارات في دوله التعايش مع النظام الجمهوري في اليمن، فهل كان بالإمكان تجنيب اليمن الشقيق الدخول في المتاهات القبلية والطائفية والصراعات المناطقية والاستباحات الأميركية التي دخل فيها والتي أوصلته إلى الحالة المأساوية التي يعيشها الآن؟

السؤال الرابع: لو أن دول المغرب العربي الخمس غلًّبت العقل ومنطق الأخوة والمستقبل الوحدوي الزاهر المشترك ونبذت الخلافات العبثية فيما بينها، من مثل موضوع النزاع المغربي – الجزائري بشأن مستقبل الصحراء المغربية، فهل كان سيجرؤ الغرب الاستعماري، وبمباركةٍ من الجامعة العربية مع الأسف والأسى، على استباحة القطر الليبي وإدخاله في الجحيم الذي يعيشه الآن من صراعات قبلية وجهوية؟ وفي جميع أحوال تلك الأقطار العربية المنكوبة، هل كان باستطاعة شتّى الاستخبارات الدولية والصهيونية والإقليمية، أن تجنّد شراذم التكفيريين ليفعلوا ما يفعلونه بساكني وتراث ومستقبل هذا القطر أو ذاك؟

إذا كانت هذه الصورة المليئة بالبؤس والأخطار، والتي كان أحد أسبابها تجزّؤ هذه الأمة إلى وحدات قابلة للإستباحة، وإضاعة فرص قيام وحدات أكبر وأقوى، لا تقنعنا بأهمية الرجوع إلى محاولة بناء وحدات عربية أكبر من الحاضر، تمهيداً لنوعٍ من الوحدة العربية الشاملة في المستقبل، وذلك لدرء الأخطار المتعاظمة وإيقاف الضّباع التي تنهش في جثّة هذه الأمة... إذا كان كل ذلك أيضاً لا ينقل الجامعة العربية من كونها نظاماً إقليمياً ضعيفاً مكتوف اليدين إلى أن تصبح نظاماً عربياً قومياً متماسكاً في القريب العاجل... إذا كان كل ذلك لا يقنعنا بفشل الدولة العربية القطرية في أن تحمي نفسها من تدخلات الخارج وانفجارات الداخل، فضلاً عن فشلها في التنمية والسباحة بجدارة في نهر حضارة العصر الذي نعيش... إذا كان كل ذلك لا يقود إلى الرجوع لبناء تيار قومي عروبي يضغط نحو الخروج من الجحيم الذي نعيش ومن الهوان الذي نشاهد ومن الدخول في القبر الذي نجلس على حافّته، فإننا أمةٌ لا تستحق الحديث عن تاريخ لها كان ملء العين والسمع، ولا تستحق أن تحلم بدخول العصر من أبوابه الواسعة.

لا نبالغ إن قلنا، إمّا الوحدة العربية أو خروج الأمة، قطراً بعد قطر، من قلب ساحات حضارة العصر، والاكتفاء بالعيش في ذلّ التهميش والتبعية. كل خطوةٍ نحو توحيد هذه الأمة سيدقُّ مسماراً في نعش التدخلات الاستعمارية الخارجية، وفي نعش التكفيريين، وفي نعش قوى المصالح الداخلية التي لا تستطيع العيش إلا في أجواء التجزئة العفنة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4731 - الخميس 20 أغسطس 2015م الموافق 06 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 5:03 م

      الحين فهمت

      يعني قصدك بعض الأطراف العربية سمحت لبعض أعداء الأمة من الاستعمار والصهاينة اليهود التدخل في شئونها فعملت تطبيع وقواعد عسكرية وتلعن قضاياها الاسلامية ومنها القدس..
      ولذلك بعض تلك الحكومات العربية التي خذلت شعبها وقضاياه تتهم شعبها بأنه يتعاون مع الاجنبي عليها وعلى استقرار البلد..
      المسألة واضحة هي عقدة التآمر بالمثل عند الأنظمة

    • زائر 21 | 2:37 م

      الهجره العربية. .

      الهجرة العربية خيرا من الوحده العربية في وظعنا الحالي فما يتفقون الأعلى شعوبهم ا و قرارات باطله

    • زائر 18 | 7:58 ص

      زائر رقم 6 نريد ان نوكد لك اننا هنا في البحرين نحب الزعيم جمال عبدالناصر لماذا؟ (يتبع)

      وكمثال بسيط كانت العمالة البحرينية في شركة بابكو سابقا غير مسموح لها شرب الماءالبارد من مبردات المياه كذلك عدم وجود كافتيريا للاكل والبديل تناول الغداء من ماعون "السفرطاس" في البر او الاماكن المفتوحة في حرارة الصيف وزمهرير الشتاء ، ولكن كل هذا تغير بعد تاميم قناة السويس
      هل هي محض مصادفة أن تظل ذكرى الزعيم عبد الناصر " حية في الضمير العربي بعد خمس واربعين عاما من رحيله؟

    • زائر 17 | 7:50 ص

      لا فائدة

      العالم العربي ككل او كدول منفردة في كلا الحالتيين فاشلين.

    • زائر 15 | 6:45 ص

      زائر رقم 6 نريد ان نوكد لك اننا هنا في البحرين نحب الزعيم جمال عبدالناصر لماذا؟

      لمعلوماتك الخاصة لان هناك الكثير من الجاهلين او المتجاهلين للدور الكبير الذي فعله عبدالناصر في محاولاته الدءوبة الي نقل الجماهير العربية من روح الخوف والهزيمة والشعور بالدونية الي مستوي الاحساس بالكرامة والعزة والحرية وخصوصا امام المستعمر الغربي ..لقد وضع عبد الناصر يده على موضع الداء الأساسي في الشخصية العربية : الكرامة المجروحة تاريخيا بسبب الغرب الاستعماري المتفوق وضغوط أعوانه من المستبدين (تابع رقم 2)

    • زائر 14 | 5:26 ص

      الوحدة الإنسانية هي الحل

      دكتورنا العزيز،
      بعد التحية والإحترا..
      لا الوحدة العربية ولا أي وحدة أخرى مبنية على القومية والتعصب القومي قادر على حل مشاكل الأمة العربية أو غيرها من الأمم.
      الوحدة الإنسانية والإيمان الحقيقي بالديمقراطية والتعددية هو الحل الوحيد لحل مشاكل العالم. سنغافورة البلد الصغير جدا والأصغر من البحرين استطاعت النهوض بشعبها المختلط والمركب من عدة قوميات وأثنيات مختلفة. بلدة المؤسسات والقوانين التي تطبق على الجميع سواسية هي الحل. الوحدة القومية لم تجلب لنا سوا العار والشمار والدمار.
      تقبل تحياتي

    • زائر 13 | 5:04 ص

      انتهاء الانظمة العربية

      احسنت ايهو المفكر العربي العظيم وانت غلى الحق اين العقول العربية في كل مجال وان مقالك في الصميم ولاكن الى من تشتكي ياسيدي يادكنور الفلسفة العربية وبعض الانظمة العربية مشلولة ومقيدة بيد الغرب

    • زائر 10 | 3:38 ص

      لن يرض الغرب ان تتوحد دولتين عربيتين

      فكيف بالامة العربية جمعاء ..سافرت الي معظم الدول العربية لغة مشتركة وشعور مشترك وتاريخ مشترك ولا ننس الدين ولكن كما ذكر ابن خلدون في مقدمته لا يحصل الملك للعرب الا بصبغة دينية من نبوة وولاية ولكن عهد النبوة والمعصومين انتهي منذ وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم

    • زائر 9 | 3:19 ص

      الوحدة لا تصلح بين الفقراء و الإغنياء!

      يا دكتور علي ..... إذهب و قل كلامك هذا إلى أي مواطن إماراتي أو كويتي و قل له هل تريد أن تتحد الكويت أو الإمارات مع مصر أو الأردن؟ الجواب سيكون قطعا لا ... لأن الوحدة تعني مالي و مالك واحد.
      الوحدة تتم بين دول متساوية في المقدرات و الإمكانيات ... بالله عليك ماذا ستقدم مصر لدول الخليج مثلا لو اتحدت معاها؟ روح مصر و شوف العشوائيات و القمامة و التخلف و الفقر و الفساد ... هل نحن مجانين أن نتحد مع دول لا تستطيع حتى تنظيف شوارعها!

    • زائر 8 | 2:59 ص

      امة عربية فاشلة

      امة فاشلة تلعب بها الامم و انظمتها لا تدمر و تقهر و تقتل و تعذب الا شعوبها.

    • زائر 5 | 1:30 ص

      لا طائل من البكاء على اللبن المسكوب

      قوميتي العربية لا اعرف من تاريخك الا القتل والدماء
      آه عليك يا قومية لم تجلب للمنتمين لها الا الدمار والحروب والقتل والقتال.
      قوميتي العربية أقرأ تاريخها حروب وقتل واغتيالات وصراعات على السلطة منذ ان توفي نبيّ الأمة ص وامته تقتل بعضها بعضا.لقد بلغ بها الحال ان تقتل ذريّة نبيها ثم تتبعها بحروب لم تتوقّف حتى يومنا هذا .
      حرب داحس والغبراء و الجمل وصفين والنهروان وكربلاء الخ و على درب الحروب سائرون

    • زائر 4 | 12:55 ص

      الوحدة

      الوحدة لا تبنى فقط على القومية ولذلك فشلت في الماضي فالوحدة تبنى من قبل أنظمة موحدة فكريا باتجاه بناء الديمقراطية اولا والانظمة السابقة فشلت لانها أنظمة دكتاتورية والاتحاد الأوربي مثل اعلى لبناء الوحدة والتكامل لانها قبل الوحدة اختارت النظام الديمقراطي العلماني. فالنظام البعثي لم يبني لا الوحدة ولا الديمقراطية ولا الاشتراكية التي من صميم نظرياته.

    • زائر 3 | 10:40 م

      وحدة مكونات المجتمع الواحد اولى

      اذا الدولة منهم تتناحر او تتباغض فيها مكونات المجتمع فيها كيف تريدها ان تتوحد الدول العربية

    • زائر 2 | 10:34 م

      السبب يادكتور إن بعض الأنظمة العربية فاسدة

      وإذا في نظام عربي عنده حس وطني كعبد الناصر تكالبت عليه الرجعية العربية ونفطها والمستعمر والصهيونية وحجمته وهزمته خب صدام غرى الكويت من غبائه لين أخرجوه من حفرة كالفأر بعد ان خسر الدول العربية 650مليار فاتورة إخراجه من الكويت شفتون الغباء.

    • زائر 1 | 10:27 م

      السبب يادكتور إن كل الأنظمة العربية فاسدة

      وإذا في نظام عربي عنده حس وطني كعبد الناصر تكالبت عليه الرجعية العربية

    • زائر 6 زائر 1 | 2:20 ص

      عبدالناصر هو سبب بلاوي الأمة العربية

      غوغائيته و هزيمته في 6 أيام من إسرائيل .... هي سبب نكسات العرب ... عبدالناصر رسم خارطة الطريق لكل الحكام الغوغائيين ابتداءا من صدام و انتهاءا بالقذافي!
      مصيبة العرب هي في أنهم لم يقضوا على فكر عبدالناصر ... فكر الغوغائية ... يريد أن يحارب أمريكا بخردة روسية!

اقرأ ايضاً