العدد 4759 - الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 03 ذي الحجة 1436هـ

الوقف البيئي... قيم السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

الوقف البيئي ظاهرة تعزز وجودها كوسيلة عملية للرد على تصاعد وتيرة السيطرة والاستحواذ على الموارد الطبيعية في العديد من البلدان، وخصوصاً منها تلك التي شهدت تحولات سياسية متسارعة وتنامي حركة الفساد في مؤسساتها نتيجة فرض قوى النفوذ السياسي سيطرتها على الموارد والثروات الوطنية، ووضع يدها والاستيلاء على المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، الاقتصادية والسياحية والاستثمارية التي تتميز بثرواتها ومكوناتها البيئية وتنوعها الحيوي.

ويرتكز الوقف البيئي في منظومة أهدافه واتجاهات أبعاده الاستراتيجية في الحفاظ على معالم وثروات النظام البيئي لتلك المواقع، وصون حقوق الأجيال في الانتفاع بما تدخره من ثروات بيئية.

الأنانية والمصالح الذاتية الضيقة، تمثل مضمون جوهر الثقافة غير الرشيدة التي تحكم مسارات التوجه للسيطرة على المواقع الحيوية للبيئات الطبيعية، وذلك النهج من أكثر مفاهيم السلوك البشري إساءة للمصالح المجتمعية وتفضي الى الاستهتار بمصالح المجتمع ومصادرة حقوقه وحرمانه من الانتفاع العادل بالثروات.

الباحثة باربرا روز جونستُون في كتاب «من يدفع الثمن؟... الإطار الثقافي الاجتماعي للأزمة البيئية» بالارتكاز على قواعد منهج السرد والمقارنة التاريخية لعدد من الحالات في بلدان مختلفة من العالم، تعالج بشكل منهجي ودقيق دراسة حقائق الظواهر ومشكلات التعدي على الحقوق البيئية للمجتمع، والسيطرة على الأراضي المنتجة ومحددات السياسات المرافقة لذلك النهج في تهميش حقوق المجتمعات الأصلية وما تتسببه من آثار سلبية في تدني مستوى حياة الفئات الاجتماعية ضعيفة الدخل وشيوع حالة الفقر.

ليس غريباً أن تبدي المجتمعات المحلية والسكان الأصليون في العديد من المناطق في العالم مخاوفها من أن يتسبب ذلك النَّهج في فقدان مصادر رزقها وتجريدها من حقوقها الطبيعية في إدارة موارد بيئاتها الطبيعية والاستفادة من خيراتها في العيش الكريم والتطور الآمن، كما أنه ليس غريباً أن تسعى تلك المجتمعات إلى إعلان استيائها من حرمانها من ممارسة تلك الحقوق، والعمل على اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية وإدارية وتنظيم الفعاليات والأنشطة لصون حقوقها البيئية، وذلك كما هو حاصل في الإجراءات التي تبنتها بعض المنظمات البيئية في عدد من البلدان لشراء الغابات والمناطق ذات الأهمية البيئية والاجتماعية وتحويلها إلى وقف بيئي للأجيال، والتي منها صندوق ائتمان الأراضي في بريطانيا الذي تأسس في العام 1895 ويدير أراضي تزيد مساحتها على 612 ألف هكتار و966 كيلومتراً من الأراضي الساحلية في إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية، وكذلك الاتحاد التشيكي لحماية الطبيعة الذي أطلق حملة لجمع التبرعات من أجل شراء الغابات وامتلاكها بهدف حمايتها وجعلها مفتوحة للجمهور والاستفادة منها في تنفيذ البرامج المختصة بالتعليم البيئي.

ويختار الاتحاد شراء الأراضي التي تحتوي على نباتات وحيوانات نادرة وذلك التوجه لمواجهة المخاطر التي تهدد مستقبل الغابات نتيجة قطع الاشجارالتي يصل اجمالي مساحتها الى 76 في المئة، وتحويل المناطق الزراعية الى مناطق حضرية وصناعية، كما ان حركة آفاز العالمية (AVAAZ.ORG) وهي حركة تنشط عبر الانترنت وتهدف إلى تمكين سياسات الشعوب من صناعة القرارات حول العالم تبنت مؤخراً حملة لجمع التبرعات لإنشاء أكبر محمية طبيعية في العالم في منطقة الأمازون، وغابات الأمازون توفر 20 في المئة من كمية الأوكسجين و10 في المئة من التنوع البيولوجي على الكوكب، ما يشكل أفضل دفاع في مواجهة التغير المناخي، فضلاً عن كونها موطناً للسكان الأصليين.

السيطرة على المواقع الطبيعية التي تتميز بتنوعها الحيوي اتخذت اتجاهات مختلفة، وتمثل ذلك في ضم المعالم البرية والساحلية والجبال والغابات والسفوح الغنية بمعالمها البيئية والسياحة وثرواتها الاقتصادية الى الأملاك الخاصة، والتعمد في تدمير معالم التنوع الاحيائي والحياة الفطرية لبيئات المواقع الطبيعية ذات الأهمية الزراعية والاجتماعية وجعلها غير صالحة للزراعة وتحويلها الى مواقع للاستثمار الاسكاني او الصناعي، ونظراً إلى أن ذلك السلوك والنهج غير الرشيد في العلاقة مع المعالم الرئيسية والحيوية للبيئات الطبيعية يمثل انتهاكاً مباشراً للحقوق الانسانية للمجتمعات المحلية وحقوق الأجيال، أدى بشكل فعلي في إثارة احتجاجات ومعارضة المجتمعات المحلية الأصلية التي تمثل لها هذه المواقع إرث تاريخي وموقع استراتيجي لمعيشتها وحياتها اليومية وممارسة الأنشطة الاجتماعية والتقليدية.

المجتمعات المحلية في عدد من البلدان تنبهت إلى الأضرار الاجتماعية والمعيشية التي يتسبب فيها ذلك النَّهج ما دفعها الى تعزيز الحراك الاجتماعي للحدّ من نشاطات الاستيلاء على المواقع الطبيعية وتعززت في سياق ذلك نشاطات المجتمع المدني، وفي المقابل نشطت جهود الدول في إقامة المحميات الطبيعية وجعلها ثروة وإرثاً انسانيّاً للأجيال. وعمل عدد من الدول على امتلاك بعض المواقع الحيوية وذات الأهمية البيئية والاجتماعية ضمن استراتيجية وطنية لصون التنوع الحيوي في المناطق البرية والساحلية وتحويلها الى ملك للانتفاع العام وجعلها ارثاً للأجيال وذلك ضمن استراتيجية مؤسسة في بُعدها البيئي والوطني ترتكز على أهداف موجهة للحفاظ على المعالم التراثية والموروث الثقافي والبيئي التقليدي للمجتمع والعمل في سياق ذلك على تعزيز نهج التوجه لتنمية السياحة البيئية، وذلك بما يفيد ايجاد مصادر بديلة للدخل تدعم الاقتصاد الوطني وتسهم في الايفاء بالالتزمات الدولية في تجسيد أهداف التنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4759 - الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 03 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً