العدد 4773 - الخميس 01 أكتوبر 2015م الموافق 17 ذي الحجة 1436هـ

التدمير فالطوفان ثم التفكير في حلول

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

كل المصائب الوطنية والكوارث القومية في أرض العرب تأخذ شكل تمثيلية من ثلاثة فصول: تبدأ بتدمير العمران والاجتماع، لتمر في مرحلة طوفان وفوضى وضياع، لتنتهي بالتفكير المتأخر المضطرب لإيجاد حلول انتهازية مغموسة بالدم والدموع.

ودوماً وأبداً يكون مخرج تلك التمثيليات، والمتحكم بكل تفاصيلها وممثليها وحتى ديكوراتها، هو الخارج، حتى ولو استعان بين الحين والآخر بمساعدين مخرجين من الداخل للقيام بمهام يحددها لهم بكل دقة وخبث.

اختيار مكان مسرح التمثيلية يخضع لتحقيق أهداف محددة تخدم مصالح كبار اللاعبين الأغراب في طول وعرض بلاد العرب.فقد يكون الهدف قاصداً الاستيلاء على ثروة نفطية، حتى لا تستعمل في بناء طموحات وطنية أو قومية، مثلما حدث في العراق.

وقد يكون الهدف قاصداً استغلال البؤس وتجييش الفقراء لإحراج جيرانهم الأغنياء واستنزاف ثرواتهم المتعاظمة الآنية، كما يحدث في اليمن.

وقد يكون الهدف رامياً تدمير رمز عروبي راسخ في قلب التاريخ العربي وإخراجه من معادلات التوازن مع الكيان الصهيوني، كما حدث في سورية. أو قد يكون الهدف راغباً في إعطاء درس في تأديب ومعاقبة كل من يحاول الخروج من تحت عباءة الدول الكبرى، حتى ولو لفظياً، كما حدث في ليبيا.

إنها فقط أمثلة، وغيرها كثير، لتمثيليات تبدأ باستغلال مطالب شعبية مشروعة، لتنتقل بعد حين إلى خلط الأوراق لتشويه أصل المسألة برمتها، وذلك من خلال عمليات التدويل المتفاهم مع والمحرك لبلادات وحماقات التعريب المجنون والأسلحة الطائفية الهمجية، وذلك من أجل انتقال هذا المجتمع العربي أو ذاك إلى مرحلة التدمير الممنهج للدولة الوطنية ومجتمعها.

وما إن يتم ذلك وتدخل تلك الدول والمجتمعات في طوفان التقاتل بين مكوناتها الإثنية والدينية والمذهبية والثقافية والسياسية، وتنقلب الحياة فيها إلى جحيم لا يطاق، وتبدأ تباشير إنقلاب السحر على الساحر، أو يكون تحقيق الهدف الأصلي قد وصل إلى مبتغاه، حتى يبدأ الجلاد القاتل المدمر يفكر في طرح حلول مغموسة بالدم والدموع والقيح، حلول لن تكون في أغلبها إلا حلولاً مؤقتة، في شكل استراحة المحارب، بانتظار الدخول في حروب وصراعات جديدة.

سينبري المتحذلقون بالقول بأننا نمارس اللعبة القديمة إياها: تحميل الغير الأغراب مسئولية مشاكلنا. هذا هراء. نحن ندرك جيداً حجم الأخطاء والخطايا التي ارتكبها العرب بحق أنفسهم، عبر القرون والحقب المفجعة العبثية. لكن الغير الغريب متواجد في أرضنا، متجذر في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، وهو يخيط ويبيط في أرض العرب لأسباب داخلية وخارجية لا حصر لها ولا عد.

على ضوء تلك الصور التمثيلية، بمؤلفيها ومخرجيها ولاعبيها، يمكن الحكم على البكائية الهزلية التي يجري الإعداد لها الآن تحت مسمى بناء الجبهة الدولية ضد الخلافة الإسلامية الداعشية، لاحظ، فقط الداعشية، في العراق وسورية.

أنها حبكة سريالية، مليئة بالغموض، طارحة لألف سؤال وسؤال، جاءت لإنقاذ الجلاد القاتل وليس الضحية البريئة، ولذلك تحمل في طياتها كل التناقضات.

أميركا التي خلقت الحركة الجهادية الإسلامية لمحاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ثم حاربتها في أفغانستان، ولكن سمحت لها الانتقال إلى العراق لتساهم في مؤامرة إثارة النعرات الطائفية في ذلك القطر، ثم انسحبت من العراق المدمر من قبل قواتها وعملائها لتتركه نهباً للطائفيين المجانين وللداعشيين الهمج، ثم ظلت هي والحلف الذي خلقته تتفرج على التمدد الداعشي من العراق إلى سورية، بينما انشغلت مع بعض حلفائها العرب في خلق داعشيين أخر بمسميات أخرى مثل جبهة النصرة، وأسماء غامضة لجبهات وجيوش من الجهاديين التابعين لهذه الجهة العربية أو تلك الجهة الاستخباراتية الأجنبية.... أميركا هذه تتحدث الآن عن تكوين تحالف دولي جديد، بقيادتها بالطبع، سيضم كل من هب ودب من قوى متناقضة في أهدافها وأدوارها التي تلعبها.

فتركيا، التي فتحت حدودها لكل داعشي من كل بلاد العالم ليدخل سورية، مدعوة إلى هذه الوليمة. وإيران التي ساهمت في خلق أجواء طائفية في العراق أدت إلى صعود داعش هي الأخرى مدعوة. وبلاد عربية ساهمت في تمويل وتجييش وتدريب أشكال من القوى الجهادية في العديد من الأقطار العربية، ومن بينها العراق وسورية، هي الأخرى مدعوة.

وروسيا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم، من الذين يريدون حصة من الكعكة العربية، تحت شعارات تبدو إنسانية متحضرة بينما تخفي انتهازية سياسية، هم الآخرون مدعوون أيضاً.

وهيئة الأمم المتحدة، التي تتكلم كثيراً وتفعل قليلاً، والجامعة العربية التي يخيم السكون على أروقة مساراتها، هي الأخرى ستدعى لتساهم في تأليف وتلحين موسيقى خلفية لهذه التمثيلية.هل يمكن لهذه السريالية أن تنتج تحفة فنية مفهومة؟

سؤال أخير: أين المشاهدون لهذه التمثيلية من شعوب هذه الأمة المستباحة، وهم ينتظرون الذبح؟

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4773 - الخميس 01 أكتوبر 2015م الموافق 17 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:36 ص

      مقال رائع وفي الصميم

      مقال جدا رائع وشيق واصاب الهدف .... يعطيك العافية دكتور علي

    • زائر 6 | 5:20 ص

      محزن

      النهاية مخيفة و مرعبة : (( الشعوب تنتظر الذبح))

    • زائر 5 | 3:11 ص

      السبب

      انه الحكومات والمسؤلون ابتعدوا عن شرع الله فى التعامل مع البشريه لهاذا صارت ازمات لو بس افكرون تطبيق شرع الله راح اتكون الدنيا بخير المشتكى لله وشكرا ايها الكاتب الحر الشريف

    • زائر 4 | 2:50 ص

      المشاهدون صابرون

      وهم في تواجدهم مجتمعون وفي اجتماعهم متواصلون. ارادنهم نخو التعيير لا تنكسر ولن تنكسر.
      الجيد في الأمر هو أن ارادة المشاهدون نحو التغيير تكبر.
      فرعون قالها أمنت برب العالمين وحكاماً كثيرون قالوها بعده ولكن بعد فوات الآوان. لقد أعطي فرعون الفرصة وكذلك الحكام لكي يسيروا على جادة الطريق وسيتمنون ما لا يمكن بعد فوا الآوان.
      لهذا .... المشاهدون صابرون.

      هذه القصص تشد من العزائم.

    • زائر 3 | 2:49 ص

      المطلوب نهضة شعبية واعية:

      هذه المؤامرات من الخارج وبأدوات داخلية وأقليمية، تتطلب نهضة شعبية واعية ترفض كل ما يقسم ويجزأ المنطقة ويعبث بمقدراتها. الوعي الوعي ثم الوعي على المستوى الثقافي، الإقتصادي، الأمني، ثم السياسي الذي يريد أن تبقى المنطقة تحت نير الذل والتبعية لقوى كبرى عصابات طائفية إثنية حاقدة.

اقرأ ايضاً