العدد 4773 - الخميس 01 أكتوبر 2015م الموافق 17 ذي الحجة 1436هـ

نيويورك... قمة التنمية المستدامة بين الحلم والواقع

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

انعقدت في نيويورك خلال 25 - 28 سبتمبر/ أيلول 2015 قمة الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة للفترة ما بين 2015 و2030، وقد تدفق على نيويورك العشرات من زعماء الدول وخصوصاً أنه إلى جانب قمة التنمية، هناك الدورة الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى القمة التي دعت إليها الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب.

قمة التنمية المستدامة في نيويورك، جاءت بعد انتهاء الفترة الزمنية لاستراتيجية الأهداف الألفية للتنمية الثمانية التي امتدت خلال 2001 - 2015، والتي كشفت عن اختلالات عميقة في الاستراتيجية وتعثر تحقيق الكثير منها، وبعد عقد مؤتمرات إقليمية ونوعية ومنها المؤتمر الإقليمي الذي عقد في البحرين، واجتماعات للخبراء، وذلك لصياغة أهداف استراتيجية التنمية المستدامة والتي اختزلت في 17 هدفاً، هي: 1 - مكافحة الفقر، 2 - القضاء على الجوع، 3- الصحة الجيدة وحالة الإنسان الجيدة، 4 - نوعية جيدة للتعليم، 5 - مساواة الجنوسة، 6 - مياه شرب صحية والنظافة، 7 - طاقة بالمتناول ونظيفة، 8 - عمل لائق ونمو اقتصادي، 9 - تنوع وإعادة هيكلة الطاقة، 10 - الحد من عدم المساواة، 11 - استدامة المدن والمجتمعات، 12 - إنتاج واستهلاك مسئول، 13 - تحدي المناخ، 14 الحياة في المياه، 15 - الحياة على الأرض، 16 - السلم والعدالة ومؤسسات قوية، 17 - الشراكة في الأهداف.

ولا شك أن نبض أهداف التنمية المستدامة أو (الأهداف الكونية) تستند إلى أهداف الألفية الثالثة مثل المواد 1 و2 و3 و4 و5 و17 وأخرى جديدة، تم التوصل إليها في ضوء تجربة أهداف الألفية الثالثة، وما أفرزته التجربة الوطنية والإقليمية والعالمية، من ضرورة عدم الركون إلى النمو ومؤشراته الرقمية، كما في أهداف الألفية الثالثة، بل الركون إلى التنمية المستدامة بعناصرها المتكاملة كافة، ورصدها من خلال مؤشرات أداء نوعية، فلم يعد مجدياً مثلاً الحديث عن نسبة النساء في الوظائف العامة، بل ما هو نوع الوظائف، ولم يعد مجدياً الحديث عن نسبة الطلبة الملتحقين بالتعليم في مراحله كافة، بل ما هي نوعية هذا التعليم، ولم يعد مجدياً الحديث عن نسبة تشغيل اليد العاملة، بل هل العمل لائق ومجز ماديّاً أم لا، وهكذا باقي المقاربات.

يمكن القول ان أفضل النتائج لأهداف الألفية الثالثة قد تحقق في البلدان الناهضة، وهي: الصين والهند والبرازيل وإيران، وبعض دول أميركا اللاتينية وشرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي النفطية، بفضل مداخيلها النفطية الهائلة وقلة سكانها.

لكن التحدي الذي تطرحه استراتيجية التنمية المستدامة أو الأهداف الكونية مختلفة تماماً، فهي تشمل أهدافا واسعة ومترابطة ومتكاملة، لا يمكن تحقيق بعضها انتقائيّا وترك أخرى، فمثلا لا يمكن تحقيق جملة الأهداف دون ضمان السلم الأهلي وتحقيق العدالة، ووجود مؤسسات حكم قوية وديمقراطية، وممثلة للإرادة الشعبية، ونزيهة وذات مصداقية وخالية من الفساد والمحسوبية.

ويمكننا بناء على ذلك القول بأنه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف، دون مساواة حقيقية ما بين الرجال والنساء (الجنوسة) حقيقية وليست شكلية وهذا لن يتحقق إلا في ظل أنظمة ديمقراطية حقيقية وليست تسلطية. كما لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا بضمان بيئة صحية وحياة سوية في البحار والبراري، في وقت يشهد العالم تدهورا خطيرا في المناخ العالمي، بفعل الصناعات الملوثة، والمدن الملوثة والأنهار الملوثة والبحار الملوثة والأجواء الملوثة، ومن هنا طرح الهدف التاسع إعادة هيكلة الصناعات لتصبح نظيفة، وغير مستهلكة للموارد الطبيعية والهدف 11 استدامة المدن والمجتمعات، حيث تنهار مدن وتتفكك مجتمعات، ولا يمكن بالطبع استئصال الجوع والحد من الفقر، إلا بتحقيق الهدف 8، عمل لائق ونمو اقتصادي مستدام، وهذا لن يتحقق في ظل الفشل الاقتصادي للعديد من الدول، وفشل أنظمة حكم ما بعد الاستقلال في القارات الثلاث وحتى أوروبا أيضاً، واختلال النظام العالمي، مما ولد طوفانا من الحروب الأهلية والإقليمية وآخر فصولها ما يشهده وطننا العربي من حروب في العراق وسورية وليبيا واليمن ونزاعات في أكثر من بلد عربي من المحيط إلى الخليج.

فكيف يمكن تحقيق هذه الأهداف الطموحة في ظل عالم تعصف به الأزمات الاقتصادية والعولمة المتوحشة، واضطراب المناخ العالمي، وطوفان الهجرة القسرية، والحروب الأهلية، والحروب بالوكالة، والانقلابات العسكرية التي عادت الى التكرار؟

لقد استمعنا إلى خطاب التحدي الذي ألقاه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وطالب فيه باشراك المجتمع المدني وقطاع الأعمال في تحقيق الأهداف العالمية، كما استمعنا الى خطاب الأمين العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك، والتي بسطت فيه التجربة المريرة لأهداف الألفية الثالثة والتحديات الحقيقية بل العقبات الكأداء أمام الأهداف الكونية، كما استمعنا إلى خطابات مسئولي مختلف وكالات الأمم المتحدة المعنية، مثل منظمة الهجرة الدولية ومنظمة البيئة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة مكافحة الجريمة والمخدرات، وكل منها يعرض التحديات والعقبات من جهة تخصصه.

في المقابل، وباستثناء قلة من الزعماء المسئولين، وخصوصا قادة الدول الإسكندنافية وأميركا اللاتينية، الذين كشفوا عن حقائق مرة، وطرحوا مقترحات بناءة، فإن غالبية الزعماء استعرضوا إنجازات بلدانهم الوهمية في تنفيذ أهداف الألفية الثالثة، وقدموا صورة وردية لتنفيذ الأهداف الكونية في بلدانهم. فيما لم يتح أمام منظمات المجتمع المدني أن تخاطب القمة، بمن فيهم المجلس الاستشاري للتنمية الذي عينه الأمين العام ومن أعضائه الأمين التنفيذي للشبكة العربية الصديق زياد عبدالصمد، وكذلك المجلس الاستشاري لحوار الأديان ومحاربة الكراهية ومن أعضائه عضو المرصد الصديق الشيخ ميثم السلمان، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

وبالنسبة للعديد من البلدان وخصوصا في إفريقيا وآسيا وبالطبع بلاد العرب، فإنه لم يجر اشراك منظمات المجتمع المدني ولا قطاع الأعمال في صياغة وتنفيذ السياسات لتنفيذ أهداف الألفية الثالثة، ولا في الأعمال التحضيرية لصياغة الأهداف الكونية السبعة عشر، ومثال ذلك المؤتمر الإقليمي التحضيري في البحرين، وقد كتبت عنه سابقا، بل منع ممثلون اختارهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مثل الصديق زياد عبدالصمد من المشاركة، وبالطبع لم يشرك أحد من منظمات المجتمع المدني البحريني المعنية في المؤتمر المذكور.

ملف أهداف الألفية الثالثة السابق انتقل من جهة رسمية إلى أخرى وقد كتبت عن ذلك مسبقا واستقر لدى جهاز الإحصاء المركزي، لكن الغريب ان الذي تمثل في نيويورك لقمَّة التنمية المستدامة إلى جانب وزير الخارجية كممثل عن جلالة الملك، وزيرة التنمية الاجتماعية، والمجلس الأعلى للبيئة، فهل ذلك مؤشر إلى انتقال ملف الأهداف الكونية إلى وزارة التنمية مرة أخرى؟

لا يفيد البكاء على اللبن المسكوب فيما ما مضى، وما وصلت اليه أوضاع البشرية وخصوصاً العرب، من تدهور إلى حد عودة الوحشية ممثلة بالأنظمة الدكتاتورية والحركات التكفيرية، بل هي مناسبة للقوى السياسية الديمقراطية، والحركات المجتمعية، الاجتماعية والنقابية والحقوقية والبيئية والجندرية والاغاثية وغيرها بالتمسك بالأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، والنضال من أجل تحقيقها والمدخل المباشر، هو وقف العولمة المتوحشة واقتسام العالم، ووقف الحروب الأهلية والحروب بالوكالة، ومحاسبة الأنظمة الاستبدادية والفاسدة، وبالطبع تجار الحروب والأسلحة والفاسدين، أي تنفيذ مقررات وأهداف الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحقيقية، وفي الوقت ذاته وعلى رغم معرفتنا بأنه وفي ظل النظام العالمي الحالي وحال غالبية أنظمة العالم الثالث بعدم إمكانية تنفيذ الأهداف الكونية، فإننا يجب أن نرصد مدى تنفيذ هذه الأهداف، ومحاسبة الحكومات والبرلمانات والأحزاب ومؤسسات الدولة استنادا إلى المؤشرات المعتمدة وليس التقارير الفضفاضة.

إن هناك حاجة لقيام ائتلاف عالمي من منظمات المجتمع المدني وقطاع الأعمال يمتد من الساحة الوطنية إلى العالم، لتحقيق المهام المذكورة، والا سيتكرر فشل الأهداف الكونية كما فشلت أهداف الألفية الثالثة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4773 - الخميس 01 أكتوبر 2015م الموافق 17 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً