العدد 4793 - الأربعاء 21 أكتوبر 2015م الموافق 07 محرم 1437هـ

أحرارٌ مخلّدون في ذاكرة الزمان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نقرأ في كتب السيرة كيف واجه المسلمون الأوائل أصنافاً من العذاب والتنكيل على يد سادة قريش، خلال الفترة المكية. ولم يتغيّر ميزان القوى إلا بعد الهجرة إلى المدينة، حيث استند الرسول (ص) إلى قاعدةٍ اجتماعيةٍ عريضة، ومدينة حضرية حاضنة منافسة لمكة.

في تجربة النضال السلمي الطويل، التي امتدت 13 عاماً، لم يستجب للدعوة غالباً إلا الفقراء والمستضعفون. وكان من الطبيعي أن تستجيب هذه الفئات للرسالة الجديدة التي فتحت أمامهم باب الأمل في تغيير النظام الطبقي الذي يجلس على قمته التجار، في مدنٍ تعج بالكثير من «العبيد» و«الإماء»، ممن فقدوا حريتهم سواءً في الحروب أو تجارة الرقيق بين البلدان.

كان طبيعياً أن يلتحق هؤلاء المستعبَدون بالدعوة التي تنادي بالمساواة بين البشر. ولذلك نجد بين أوائل المؤمنين أسماء: صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي، والأخير كلّفه الرسول (ص) بمهمة رفيعة، وهي رفع الأذان، تطبيقاً لمبادئه، وكان القرشيون يسخرون منه.

بعد 50 عاماً، وفي المعركة التي قادها الحسين (ع) لتجديد روح الإسلام، نجد 13 اسماً من هذه الفئة؛ «الموالي»، وأشهرها مولى حبيب بن مظاهر الأسدي، وجون مولى أبي ذر، حيث تنقل كتب السيرة لقطات قصيرة عنهما، ضمن سياق القصة العامة لكربلاء.

في المشهد الأول، حبيب وهو يضع خطةً للتسلل من الكوفة إلى كربلاء ليلتحق بالحسين، فيرسل مولاه بفرسه إلى موضع حدّده للقاء، وحين أبطأ عليه خاطب الفَرَس بما ينمّ عن رغبته هو أيضاً باللحاق بالحسين، وأدرك حبيب كلامه فقال وهو يخاطب الحسين من بعيد: «العبيد يتمنون نصرتك فكيف بالأحرار»، كما ينقل المظفر. وحاول تسريحه لينال حريته، ولكنه أبى إلا أن يلحق بركب الأحرار الحقيقيين. كان السبيل أمامه ممهداً لتحقيق حريته الفردية، ولكنه طلبها في الخلاص الجماعي، حيث دوّن اسمه في سجل الخالدين.

في المشهد الآخر، يبرز جون مولى الصحابي الجليل أبي ذرٍّ الغفاري (رض). وهو تلميذٌ نجيبٌ في تلك المدرسة التي تفخر بآيات النضال والعزّة، والصمود والتضحيات، والشعور العالي بالكرامة والإباء. وهو شيخٌ كبيرٌ أسود البشرة، قال عنه الشيخ باقر شريف القرشيّ: «من أفذاذ الإسلام، كان شيخاً كبيراً قد أُترِعتْ نفسه الشريفة بالتقوى والإيمان». فبعد مواراة أبي ذرٍّ في مثواه بأرض غربته ومنفاه الأخير (الرَبَذَة)، التحق مولاه بالبيت النبوي، ليعيش في كنف الإمام الحسن (ع)، وكانت آخر المحطات في حياته حين نزل مع الإمام الحسين، حيث تلخّصها كتب السيرة في لقطتين خاطفتين.

اللقطة الأولى حين عرض الإمام على أصحابه فرصة الانصراف، قائلاً: «انطلقوا جميعاً في حِلّ، ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غَشِيَكم فاتخذوه جَمَلاً»؛ فأبوا أن يتركوه لمصيره وحيداً. وأعاد الفرصة مرةً أخرى إلى جون خصوصاً بقوله: «أنت في إذنٍ منّي، فإنما تَبِعْتنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا». فأجابه: «يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحسُ قِصاعكم وفي الشدّة أخذُلُكم؟... فتَنَفّسْ عليّ بالجنّة فتطيب ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم».

وفي اللقطة الأخرى والأخيرة في حياته، حين يسقط شهيداً ويقترب منه الحسين، فيقف على رأسه داعياً «اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمدٍ صلّى الله عليه وآله». ونزل ليضع خدّه على خدّ الشهيد، تقديراً وإجلالاً، كما فعل بعد ساعةٍ مع ابنه علي الأكبر، حفيد الرسول، حين خرّ صريعاً.

مشهدٌ دوّنه الرواة وأصحاب السير بالكلمات، لم يزل ينتظر منذ ألف وأربعمئة عام، ريشة فنانٍ يحوّلها إلى لوحةٍ خالدةٍ في ذاكرة الزمان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4793 - الأربعاء 21 أكتوبر 2015م الموافق 07 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 8:01 ص

      ستراوية

      السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفنائه عليك مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار

    • زائر 21 | 7:16 ص

      رد على زائر 1

      صراحة انت من عصر الجهلة ولاتفهم فى الدين اى شى ولا فى الاسلام
      اهل البيت لم يخلقو للدنيا وزينتها انما خلقو لينفدو اوامر الله ويدافهون عن المستضعفين فى الارض ويملئو الدنيا عدل وينهو عن المنكر والفحشاء وليس الملك والكرسى اقولها اليك قاتل الله الجهل وانصحك تغسل قلبك من الاحقاد على اهل البيت عليهم السلام

    • زائر 20 | 7:09 ص

      هنيئا

      هنيئا لهم بالشهاده هم رجال الله لايخافون من الظلمة فرزقهم الله الشهاده
      اللهم ارزقنا الشهاده
      السلام على الحسين واصحابه والسلام على العقيلة زينب ام المصائب

    • زائر 17 | 3:42 ص

      احرار

      فعلا احرار . يقول الملا عطية الجمري:
      فازت عبيد إيها ومنها خابت احرار.
      فعلا هناك أحرار رسميا لكنهم كانوا عبيد المادة والمال وشاركوا في قتل الحسين
      وهناك عبيد اتخذوا مواقف أحرار شرفاء خلدهم التاريخ.

    • زائر 14 | 2:24 ص

      زائر 1

      هذه ليست قراءه صحيحيه للتاريخ البيت الاموي تمرد على مبدا الشورى واتخذ مبدا التوريث وكان مبداهم الغايه تبرر الوسله حتى لو ادى ذلك لقتل ريحانة رسول الله والامه العربيه والاسلاميه تعيش التخلف والديكتاتوريه منذ ذلك اليوم والى يومنا هذا

    • زائر 8 | 12:59 ص

      سلمان

      قضية سلمان مختلفة ، فهو ليس من العبيد الذين يتوقون للحرية ، انه طالب الحقيقة ، و قصة عبوديته معروفة ، فهو سقط في العبودية لأنه أساساً جاء يبحث عن الحقيقة و عن النبي محمد ص لكي يسلم على يديه

    • زائر 7 | 12:57 ص

      تعليق رقم 1 وهذا تسخيف للنهج الالهي والرسالات السماوية

      لسنا بحاجة من الفاشلين ان ينظّروا لنا معروفة هي نظريتكم. اما نحن كبشر نؤمن بالرسالات السماوية وطرق المصلحين من انبياء ومرسلين وهو صراع فعلا ولكنه ليس صراعا كما تصوّره انت على المادّة والمنصب والحكم انما هو صراع من اجل احقاق كلمة الحق وابطال الباطل هكذا خلق الله الخلق وبعث رسله والمصلحين

    • زائر 4 | 12:06 ص

      عبد علي البصري

      وليس بلال ولا صهيب كجون مولى ابي ذر او مولى حبيب لانهم رفضوا الحريه من اجل الحسين

    • زائر 3 | 12:00 ص

      عبد علي البصري سلمان ليس منهم

      سلمان ليس كصهيب وليس كبلال دخل الاسلام طلبا للحريه بانه عبد لا وانما مجيئه للمدينه على درايه وهدايه بالاسلام قبل البعثه النبويه لذلك هو سلمان المحمدي سلمان منا اهل البيت

    • زائر 10 زائر 3 | 1:04 ص

      هي امثلة

      يا حجي عبد النبي الكاتب ضرب امثلة عامة عن هذه النماذج من صحابة الرسول و أهل بيتة و لم يخض في بحث تفصيلي عن مكانة و شخصية كل فرد منهم رضوان الله عليهم أجمعين.

    • زائر 1 | 11:36 م

      ...

      قراءتك للتاريخ هي القراءة الشيعية الكلاسيكية للتاريخ و هي قراءة م.........
      أما من يقرأ التاريخ بموضوعية، يرى أنه صراع على السلطة بين أبناء عمومة (الهاشميين ضد الأمويين).
      الأمويين كانوا أكثر تنظيما و دهاءا و قسوة لذلك انتصروا و حكموا. استطاع الأمويين قمع الكثير من حركات التمرد و الثورات ضدهم، سواء في العراق أو الحجاز.
      في المقابل استطاع بني هاشم الثأر (على أيدي بني العباس) من بني أمية و تم لهم الحكم بعد أن استخدموا ذات الأساليب عندما ضعفت الدولة الأموية.
      هذه هي القراءة الموضوعية للتاريخ.

    • زائر 5 زائر 1 | 12:47 ص

      تعليق رقم 1 وقراءتك ايضا قراءة مادّية بحتة لا تعرف دين ولا نبي

      نظرتك القاصرة التي لا تعترف بأن الله موجودا وهو من يبعث الرسل والأنبياء لكي يحاولوا هداية الناس الى عبادة الله والصراط المستقيم.
      هو في نظرك صراع على المناصب والحكم لأن هذا مبلغ علمك ومنتهى فهمك لكنه صراع الحقّ والباطل منذ أن أنشأ الله الخليقة.
      بني هاشم رهط النبي ومن أوصى النبي ص باتباعهم ومودتهم وقال اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي

    • زائر 6 زائر 1 | 12:52 ص

      وهل قراءتك المادية هي الصحيحة فلا دين ولا نبي ولا رسالة

      القراءة الشيعية قراءة اسلامية والصراع صراع حق وباطل وهو طريق الانبياء والرسل والصالحين الذي لا تؤمن به انت ولسنا بحاجة لامثالك ينظروا لنا نظرياتهم الفاشلة ليحولوا القيم السماوية الى اطماع دنيوية بسبب قصور العقل الذي لا يعرف من الحياة الا هذه النظرة القاصرة والخاسرة ولو في مجال لكشفت وهن نظريتك اكثر

    • زائر 9 زائر 1 | 1:00 ص

      هذه و الله القراءة السطحية للتاريخ

      القراءة السطحية البسيطة هي ما ذهبت اليه ان ما حدث يوم الطف كان نهاية الصراع على السلطة و هذه نظرة في غاية الجهل فالحسين ليس رجل سياسة و حسب بل رجل دين يهمه حفظ رسالة جدة اكثر من اي سلطة دنيوية لن تدوم مدى الدهر لذلك خلد اسمة و بقي ذكرة الى يومنا بعد أكثر من ألف و أربعمائة عام على ثورتة.

    • زائر 12 زائر 1 | 1:27 ص

      كلام منطقي

      كلامك منطقي و لا يستطيع ان يجادلك فيه احد فهذه هي الحقيقة التي لايستطيع الطائفيون ان يقولوها لانها تنسف ما يعتقدون بالكامل

    • زائر 13 زائر 1 | 1:28 ص

      هذا تبسيط مخل للتاريخ

      ليس صراع عائلتين او ابناء عمومة. وانما صراع بين اصحاب دين وقيم ومبادئ يمثلون خط الانبياء وبين اصحاب وثنية وعبادة اصنام وعبادة مال. انتصر الاول في فتح مكة وانتقم الثاني في كربلاء. اما العباسيون فاختطفوا الثورة من العلويين وقمعوهم من البداية. تصوير ما جري بانه صراع عائلتين وابناء عمومة غير صحيح . انه صراع اسلام وجاهلية.

    • زائر 15 زائر 1 | 2:37 ص

      وهل قراءتك موضوعية وغير كلاسيكية؟

      اعتقد قراءة قاسم قراءة صحيحة للتاريخ حتى لو كنت تعتبرها كلاسيكية. ولكن الكلام الذي كتبته انت تقليدي وقديم وهو نفس كلام العقاد الذي اعتبر صراع النبي وابوسفيان وصراع الحسين مع يزيد على انه صراع ابناء عمومة. هذا كلام تقليدي وليس موضوعي و غير صحيح.

اقرأ ايضاً