العدد 4793 - الأربعاء 21 أكتوبر 2015م الموافق 07 محرم 1437هـ

عطسة «الهند» الكبرى

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما أقولُ اليوم: هذه هي الهند، فإن هذه الجملة لن تكون صحيحة لو أنني قلتها قبل (14 أغسطس/ آب العام 1947)! ولو قلتُ اليوم: هذه هي باكستان، فإن هذه الجملة لن تكون صحيحة لو أنني قلتها قبل (15 ديسمبر/ كانون الأول العام 1971). تفسير ذلك ينطوي على أحداث مؤلمة جدّاً.

قبل الـ 14 من أغسطس العام 1947! كان كل من الهند وباكستان وبنغلاديش دولة واحدة. ولو ظلت كذلك لأصبح عدد سكانها هو مليار و611 مليوناً و 373 ألف نسمة، متفوقة على الصين. ولأصبح ناتجها القومي ترليونين ونصف التريليون دولار! لنا أن نتخيل!

وقبل الـ 15 من ديسمبر العام 1971، كانت باكستان وبنغلاديش دولة واحدة. ولو لم تنفصل باكستان الشرقية التي تسمّى اليوم بنغلاديش، عن باكستان الغربية لصارت جمهورية باكستان اليوم أكبر دولة إسلامية وخامس أكبر دولة في العالم، دون تفصيل عن ملحقات ذلك.

لم ينتهِ الأمر بذلك الانفصال المتكرر، بل لو عَلِمَ المرء كم من البشر ماتوا من تلك الدول الثلاث أثناء تلك الانقسامات في الأرض والمجتمع لطار عقله من هَوْل المأساة. لنا أن نتصّور أن 4 ملايين و311 ألف كيلومتر من الأرض تنقسم على نفسها، ثم ينسلخ منها مئات الملايين من الناس على أساس عِرقي وديني، فماذا يا ترى يمكن أن يحصل! إنه مشهد سريالي لا نظير له في القرن الماضي.

دفعني إلى الكتابة عن هذا الموضوع سببان: الأول ما كنتُ أتابعه من أحداث شبه القارة الهندية، ووجدتًّ أن جزءًا مما جرى في تلك المنطقة بصورة عامة هو مُختَزَل جدّاً ولا يليق بمدار تفكيرنا كشرق. والثاني هو الوصول إلى نتيجة تفيد بأن كل هذا الواقع الماثل أمامنا قد شكَّله ذلك التاريخ الحافل في تلك المنطقة من العالم، التي كانت منبع اللغات والشعوب الأساسية.

تبدأ قصة المأساة عندما قرَّر الانجليز أن يكون شهر (يونيو/ حزيران العام 1948) هو موعد انسحابهم من الهند. ثم قرروا تقديم الموعد فأصبح في شهر (أغسطس/ آب 1947). لكنهم وكمستعمرين غَمَزوا إلى المكوّنات الهندية العرقية والدينية أن عليها تقرير مصيرها من الآن، فشجّعتها على الانقسام على أساس ديني: مسلمين وهندوس.

وخلال أربعة أشهر، أصبحت أكبر هجرة اختيارية (وإجبارية في الوقت نفسه) على أساس ديني ما بين الهنود والباكستانيين تمهيداً لانفصال باكستان عن الهند، وقُسِّمت الممتلكات الوطنية بين البلدين الجديدين. لكن ذلك التقسيم لم يحصل بسلاسة بل بفوضى عارمة، كانت القطارات والحافلات والفيافي والأنهار مسرحاً للقتل بين الجانبين.

لم يخلق ذلك الانقسام سوى سكينة خادعة، أفضت إلى أن يتقاتل أبناء الشعب الواحد في ثلاثة حروب مُدمّرة لاحقاً، وحدود سخَّر لها الجانبان نصف قواتهما منذ ستين عاماً وحتى هذه اللحظة.

أما باكستان فهي ضمنيّاً كانت بإقليمين: باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليّاً) وباكستان الغربية (باكستان الحالية) لكنهما دولة واحدة. وفي شهر (ديسمبر من العام 1970) جرت انتخابات في باكستان بإقليمَيْهَا الشرقي والغربي، حيث فاز الباكستانيون الشرقيون فيها.

ذلك الفوز خلق إشكالاً في التوازن بين الشرق والغرب، أدى إلى أن يُعتَبَر حزب عوامي الباكستاني الشرقي الفائز في الانتخابات مخالفاً للقانون، ومن ثم اعتقال زعيمه الشيخ مجيب الرحمن فعمَّت المظاهرات في باكستان الشرقية، استعملتها الهند ضد باكستان، ما أدى إلى أن تنقسم الدولة، فتذهب باكستان الشرقية نحو مسمّى بنغلاديش وبقيت باكستان الغربية على اسمها.

الآن نأتي إلى حقيقة تشكيل حاضرنا من خلال تلك الأحداث. فلو أتينا إلى الصراع الباكستاني الهندي، الذي هو في جوهره صراع بين إخوة، سنرى أنه دفع بالبلدين إلى أن يتحولا إلى مركز استقطاب حاد خلال الحرب الباردة. فكان الهنود أقرب إلى السوفيات وكان الباكستانيون أقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي انعكس على أرض أخرى هي أفغانستان في وقت لاحق.

ذلك الأمر، أفضى إلى أن تنشأ تحالفات باكستانية داخلية غاية في الخطورة بين الحكم والتيارات الإسلامية المتشددة، حيث كان الصراع الأميركي السوفياتي الهندي الباكستاني الصيني في أفغانستان قد تطلَّب حشد القوى الدينية وتسخيرها ضد الجيش الأحمر. ذلك التحالف، تدفع ثمنه باكستان حتى اللحظة، إذ إن تجذّره أصبح أكبر من أن يُزال أو يُقتلَع.

أيضاً، تحوَّل الصراع شيئاً فشيئاً باتجاه مناطق أخرى. إذ أصبحت مناطق كاراكوروم الجبلية وهي صلة الأراضي الباكستانية بالصين إلى منطقة استثمار عسكري نكاية بالهند، حيث حصل الصينيون من إسلام أباد على امتيازات جغرافية في تلك المناطق، أخلَّت بالتوازن القائم في منطقة شبه القارة الهندية ومحيطها الأوسع منتجة أوضاعاً اقتصادية وعسكرية جديدة.

أيضاً، تحوَّلت الدولتان إلى دولتين نوويتين، فخلق ذلك سباقاً في التسلح في المدار الآسيوي من جهة الجنوب الشرقي، وتوسيعاً للنادي النووي، ما شجع دولاً في تلك المنطقة على أن تسعى جاهدة نحو امتلاك التقنية ذاتها كإيران وذلك تحت حجَّة وقوعها في منطقة مضطربة استراتيجيّاً.

أما انفجار الجغرافيا بين باكستان وبنغلاديش، وعلى رغم أنه لم يخلق أوضاعاً كما خلقها الشقاق الهندي الباكستاني، فإنه حوَّل بنغلاديش إلى أقرب حليف إلى الهند وليس إلى باكستان على رغم العلاقات الدينية والتاريخية. هذا الأمر أدى إلى اصطفافات راسخة في المنطقة، وهي في حقيقتها ارتدادات طبيعية للشقاق الأم الذي جرى في تلك المنطقة من العالم.

لا أريد التوسُّع أكثر لكن ما يهم هو أن يبقى أيّ تحليل لواقع شبه الجزيرة الهندية اليوم خاضعاً لتلك الأحداث، فمن دون قراءتها لا يمكن ربط الأشياء بعضها ببعض.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4793 - الأربعاء 21 أكتوبر 2015م الموافق 07 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:45 ص

      و كشمير ؟

      لم تتطرق لموضوع البنجاب و جابو و كشمير لا من قريب و لا من بعيد

    • زائر 1 | 12:26 ص

      عقلية الرجل الشرقي، دائما تبحث عن مؤامرة وراءها رجل أبيض غربي!

      طبعا البريطانيين ليسوا ملائكة، لديهم من الخبث ما يكفيهم و يزيد، أما أن تقول أن لولا البريطانيين لأصبحت ما كان يعرف في السابق بالهند (الهند + باكستان + بنغلادش) بقوة إقتصادية عظمى أكبر من الصين فهذا تجني و أبعد ما يكون عن الحقيقة.
      في الواقع هناك شعوب قابلة للإستعمار و هناك شعوب غير قابلة، مثلا الشعب الأفغاني، و الشعب اليمني و عرب الجزيرة العربية شعوب يصعب استعمارها لطبيعتها الخشنة. أما الشعب الهندي فهو شعب قابل ببساطة للإستعمار و التقسيم، لأنه شعب متعدد الديانات و مطيع بطبيعته.

اقرأ ايضاً