العدد 4799 - الثلثاء 27 أكتوبر 2015م الموافق 13 محرم 1437هـ

عنف أم إجرام؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان صعود تنظيم «داعش» نقطة مفصلية في تغيير السياسات وقلب المعادلات في المنطقة، التي كان مخطّطاً لها أن تدخل في مرحلة من الفوضى لمدة ثلاثين عاماً مقبلة.

كان واضحاً أن هناك جهات أيّدت وأسرجت وألجمت وهيّأت الأرض لبروز «داعش» في العراق وسورية، ودعمت بالمال والسلاح. لكن ما لم تضعه في الحسبان -على رغم تكرار التجارب مع تنظيم «القاعدة» في أفغانستان- أن يأتي يومٌ ينقلب فيه السحر على الساحر.

السبب الأكبر للانقلاب على «داعش»، هو ما مارسه من عنفٍ وإجرام فاق التصورات، فقد تفنّن هذا التنظيم الإرهابي في طرق القتل والذبح والحرق والرمي من الأبنية، والإغراق في الماء، وآخر إبداعاته السحق تحت عجلات الدبابات.

كلُّ هذه الطرق العنيفة جدّاً، صدمت الرأي العام العالمي؛ لأن غالبيتها غير مسبوق، على رغم أن العالم جرّب حربين عالميتين كبريين خلال القرن الماضي، إلى جانب مئات الحروب الصغرى، ذهب ضحيتها عشرات الملايين، غير الجرحى والمشوّهين جسديّاً ونفسيّاً، وحالات الأسر الجماعي والاعتداء الجنسي على النساء.

«داعش» لم تأتِ من الخارج، وليست بقايا جيوش أجنبية، وإنّما هي نتاج بيئتنا العربية والإسلامية المتخلّفة، فغالبيتهم من أبناء هذه المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، وما حولها من طوق إسلامي. بل إن النواة الصلبة لهذا التنظيم الإرهابي، هي بقايا جيش وضباط مخابرات النظام العراقي الدكتاتوري السابق. ولم يكن مستغرباً أن يلقى بيئةً اجتماعيةً حاضنةً في بعض مناطق العراق، ساهمت في سرعة سيطرته على ثلث مساحة العراق خلال يومين، فضلاً عن تخاذل قيادات الجيش والمحافظات والحكومة العراقية.

لم يكن العنف الذي تكشّف عنه «داعش» مستورَداً، أو نتاج ثقافة أفلام العنف، وإنّما نتيجة ثقافة محلية، ذات جذور عميقة في تاريخنا العربي الإسلامي.

من السهل أن نلقي بأوساخنا كاملةً على الدول الاستعمارية لنخلي طرفنا تماماً من أية محاسبة للذات، ومن السهل أن نبرّئ أنفسنا بتعليق كل مصائبنا وكوارثنا على شماعة المؤامرات الأجنبية. فمشكلتنا وأزمتنا نابعةٌ أساساً من الداخل، ومن ثقافتنا الاستبدادية التي تقوم على الطغيان وإقصاء الآخر وقهره، وسلب حقوقه وتجويعه... وحتى سلب حقّه في الحياة.

هذه الثقافة تتلبّس بلباس الدين، لتتخذه غطاءً للروح الجاهلية، والنزعة القبلية والعنصرية. فالإسلام الذي جاء مبشّراً بولادة عصر عالمي جديد، يقوم على الرحمة والأخوة بين البشر، واحترام كرامة الإنسان، لم يمر عليه نصفُ قرنٍ حتى تحوّل إلى نظامٍ امبراطوري تقوده قوى الثورة المضادة التي عادت إلى الإمساك بزمام الأمور، لتخلُفَ سلطة تجار قريش.

كل الجرائم التي ارتكبها «داعش» وشاهدها الملايين على شاشات التلفزيون، سنعثر على بداياتها في تلك الحقبة التي أرسى دعائمها الأمويون، ومازالت متغلغلةً في الفكر والسياسة وتؤثر في الواقع بعمق. ولم يكن صدفةً أن تكون المنطقة التي أعلن فيها «داعش» دولته، هي نفسها التي شهدت أشرس حروب الفتنة الكبرى (صفين)، على الحدود المشتركة السورية العراقية منتصف القرن الهجري الأول. بل لم يكن اختيار التنظيم اسم «العراق والشام» لدولته صدفةً، وإنما كان إعلاناً عن هويةٍ تصطدم بروح الحضارة، بعد أن تجاوزها الزمان.

كل الجرائم والفظاعات التي قام بها «داعش»، ستجد لها أشباهاً ونظائر في كتب التراث والتاريخ، التي يستلهم منها التنظيم مقومات وجوده. فتاريخنا لم يكن ورديّاً، وكثير من صفحاته ملطّخةٌ بدماء الأبرياء. حتى أبناء الرسول لم يسلموا من القتل والسبي وحرق الخيام والتمثيل بالجثث، بما ينمّ عن نزعة محلية أصيلة موغلة في الإجرام.

إنها البئر العميقة التي يستمد منها «داعش» الإلهام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4799 - الثلثاء 27 أكتوبر 2015م الموافق 13 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 2:10 ص

      زائر 5

      حالش اللي تقول عنه وانته تقصد حزب الله وهو حزب اشرف من دواعشك اللي تايدهم وساهمت في تجهيز غزاتهم واذا تقولون انكم مع فلسطين
      يلله سووا شي حق الفلسطينيين الذين يبادون الان جهزوا غزاتكم بس انتوا فالحين في الكلام تتشاطرون على الشيعه بس
      تفجرون وتذبحون فيهم بس على الصهاينه هم اخوانكم

    • زائر 12 | 1:58 ص

      ياخذون ثارهم بالبدر وحنين

      كرها لاباااك .... ياخذون ثارهم بالبدر وحنين

    • زائر 11 | 1:54 ص

      داعش هي نهاية الإسلام السياسي بجميع نكهاته (اخوان، سلف، دعوة، ولاية فقيه الخ)

      استطاع الإسلاميين بعبارة (الإسلام هو الحل) الضحك على البسطاء من العامة، بأن القرآن و السنة يحتويان على حلول لكل مشاكلهم اليومية من التلوث و ركود الإقتصاد و ارتفاع معدلات البطالة و غيرها من المشاكل الحياتية المعاصرة!
      ظل الإسلاميين على الهامش و لم يستطيعوا اختراق المجال العام، فالأنظمة العربية احتوتهم بطريقتين، القمع و التنكيل أو استخدامهم لضرب المعارضة اليسارية و القومية، إلى جاءت ثورة 1979 في إيران و أعطت الشرعية للإسلام السياسي.
      داعش هي إحدى ثمار الإستخدام السياسي للدين.

    • زائر 20 زائر 11 | 2:53 ص

      داعش والتيارات الإسلامية ليسوا سواء

      ما دخل باقي التيارات الإسلامية التي تتناقض في كثير من الاحيان مع امثال داعش، خلك موضوعي، والا فلا يعز احد ان يأتي بأسوء ما عند التيارات غير الإسلامية ويضعهم جميعا في سلة واحدة.

    • زائر 21 زائر 11 | 3:34 ص

      رد على زائر 20 ... بل داعش هي ثمرة الإسلام السياسي .. ....

      شرعنة إقحام الدين في السياسة هي من أخرجت هذه التيارات الإسلامية (العنيفة و الغير عنيفة) ... استخدام النصوص الدينية لإعلان الجهاد و تصيفية الخصوم، هو من جاء بداعش.
      تذكرت قول مرشد الإخوان مهدي عاكف قبل عدة سنوات، (الماليزي المسلم أقرب لي من المصري المسيحي، طز في مصر!).
      طبعا لا أحد بريئ من نشأة هذه التنظيمات الإرهابية، لا الغرب و لا العرب و لا إيران، كلهم يستخدمهم (نعم كلهم) حسب مقتضيات الحاجة. عطوا الإخوان وجه لضرب القوميين، بعدها خرج لنا السلفيين و تيارات الإسلام الإيراني و الجهاديين.

    • زائر 10 | 1:40 ص

      داعش كما كانت المجاهدين في أفغانستان لعبة بأيدي أجهزة المخابرات ... فتش عن المستفيد و فتش عمن يستهدفون!

      من كان يريد أن يصور أن المجاهدين الأفغان هزموا امبراطورية كالإتحاد السوفييتي فقط بقوة الإيمان و العقيدة فهو واهم .. دارت الأيام و اتضح من كان يدعم هؤلاء المجاهدين.
      لا شك أن الذين ينتمون لداعش لم يأتوا من المريخ، و لكن هناك أسألة لا بد من الإجابة عليها؟
      1) من تستهدف داعش؟ و لماذا؟
      2) من لا تستهدف داعش؟
      3) وجود داعش في صالح من؟

    • زائر 16 زائر 10 | 2:18 ص

      تفضل الإجابة على أسألتك

      ج1) الثوار السوريين الذين تصفهم بالمرتدين، دول الخليج، تركيا.
      ج2) النظام السوري، إيران، إسرائيل.
      ج3) بشار الأسد ... يستخدم داعش ليهدد الغرب، إما أنا أو الإرهاب.

    • زائر 8 | 12:46 ص

      لماذا

      الاستاذ الفاضل لم تحدثنا عن دور ايران والمالكى الذى سلمهم اسلحه تكفى لجيش جرار تكفيه لسنوات ولم تحدثنا عن الاستخبار ات الشرقيه والغربيه ولم تحدثنا عن دور النظام السورى فى نشئتهم عندما فتح السجون واطلق سراحهم وانما تركت كل ذلك واتهمت الدوله الامويه وكأنها شماعه لمشاكلكم /// تحياتى

    • زائر 7 | 12:38 ص

      تسطيح المصطلحات وتضخيمها وفق ما تقتضي المصلحة وليس حسب الحقيقة

      لدينا في البحرين ايضا موجود ذلك بعض الأعمال تضخم وتوضع في قائمة الارهاب وهي ليست كذلك بل وتنشر الصور على اساس انها جرائم تحكم بالسنين.
      بينما في قضايا اخرى فيها تهريب سلاح ونوايا لارتكاب جرائم لكنها تحول الى جنح تحتاج لنصح وارشاد فقط

    • زائر 6 | 12:14 ص

      عن أى إسلام تتكلم ياسيد

      حشا الإسلام ما ينتج هالوحوش وإنما نتاج الجاهليةالاولى المتئسلمة والمنافقون اللى ذكرهم القرآن القوم أبناء القوم يا سيد هم نفسه اللى قتلو جدك الإمام الحسين وأولادة المعصومين عليهم السلام

    • زائر 5 | 12:03 ص

      ... و داعش

      لا فرق بين حالش و داعش فكلاهما ارهابي و يجب محاربته الفرق الوحيد هو ان أمريكا تتحالف اليوم مع حالش

    • زائر 9 زائر 5 | 12:59 ص

      الجميع شاهد اليوتيوب بعد تحرير بيجي في العراق

      الكل شاهد الاسلحة التي انزلتها امريكا بالبرشوت الي اعطت داعش كل هذه القوة والاستمرارية في المقاومة للجيش العراقي بالاضافة الى تزويده باحداثيات الحشد الشعبي والمقاومة العراقية ، يعني بالعربي الفصيح امريكا لا تريد هزيمة داعش وانما تستقوي بها وتخيف دول المقاومة والمخالفة لها .
      ويمكنك الرجوع الى اليوتيوب لترى بأم عينك الاسلحة المنزلة بالبرشوت والمدفوعة الثمن مسبقا .

    • زائر 13 زائر 5 | 1:58 ص

      من يطلع بعد ...؟

      هرار

    • زائر 26 زائر 5 | 9:57 ص

      شحوالش ايضا

      موبس حالش بعد الحين صارت وياهم شحوالش

    • زائر 4 | 10:45 م

      الأمويون هم من أسسوا النظام الوراثي

      إبتدأوا بتصفية خصومهم مهم أحد أصحاب علي وهو محمد بن أبي بكر الصديق قتله أعوان معاوية ووضعوا جثته في أحشاء حمار وأحرقوه الأمر مو جديد على الدواعش .

    • زائر 3 | 10:27 م

      الكاسر

      الزمان يعيد نفسه بنفسه
      هنا الحسين ومن يتبعه وهناك يزيد ومن يتبعه
      فهنيئا للحسينيين وتباً ولعنة على اصحاب يزيد

    • زائر 18 زائر 3 | 2:33 ص

      ...ر في النهاية

      عسكريا نتائج المعركة كانت في صالح يزيد.

    • زائر 25 زائر 3 | 9:43 ص

      وانت مستانس يا زائر 18؟

      قاتل الله الجهل والجهلاء. هذا المجرم هو قاتل حفيد رسول الله وسيد شباب اهل الجنة. وهو الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق. قاتل الله الجهلاء الاغبياء.

    • زائر 2 | 10:04 م

      من المعلوم

      ان خلايا داعش ليست نائمة في بلاد الخليج وإنما هي خجلة نوعا ما وتتحين الفرص المناسبة هنا وهناك ولا تواجه خوف من حراك شعبي او طائرات روسية عنيفة ستذوب اخبارهم وسينشغل الناس عن محاكمتم ولعنا لن نلاحظ عفوا هنا وهناك وهو دعم مبطن لدولة الأمويين

    • زائر 1 | 10:04 م

      استدراك يا عزيزي الكتاب

      كل الامم لها تاريخ قذر و اسود من اليابان مروروا بالمغول الى الاكاسرة الى الاباطرة الى القياصرة الى الاقطاعيات الاوربية و جرائم الاستعمار الحديث ، و ان كنت تقصد بالاسلام و التاريخ التي نسبته لك تارة بضمير جماعة و ضمير مفرد ، فهذا تاريخ........... من ادعى ردة الناس بعد سول الله فنكل بهم ، و نحن من هؤلاء جميعا براء ،فسيرة الاسلام الحقيقية تتمثل بالنبي ص و نفسه بنص القران علي ع الذي كان في المعسكر ينهى من سب بسطاء القوم من جيش معاوية و اما ما كان بعدهما من كربلاء الى صلب زيد والخ فلا

اقرأ ايضاً